في واقعة أثارت جدلًا واسعًا داخل الأوساط السياسية والإعلامية في واشنطن، أفادت تقارير صحفية موثوقة بأن مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة “ميتا”، طُلب منه مغادرة المكتب البيضاوي فورًا بعد دخوله بشكل غير متوقَّع أثناء اجتماع أمني مغلق بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب وعدد من كبار قادة وزارة الدفاع.
دخول مفاجئ يُربك اجتماعًا أمنيًا
الاجتماع، الذي عُقد في إطار مراجعة ملفات حساسة تتعلق بالجيل الجديد من الطائرات المقاتلة الأميركية، شهد لحظة توتر لافتة حين دخل زوكربيرغ المكتب دون أن يكون مدرجًا على قائمة الحضور الرسمية.
شهود عيان من داخل الاجتماع أكدوا أن المشهد اتسم بالارتباك والصمت، قبل أن يصدر قرار حاسم من فريق ترامب بإخراجه على الفور، في مشهد وصفه أحد الحاضرين بأنه “غير مسبوق”.
وقد بقي زوكربيرغ لبعض الوقت خارج المكتب، واقفًا في الممر الرئيسي للبيت الأبيض، في انتظار لم تُفصح الجهات الرسمية عن سببه أو خلفياته.
البيت الأبيض، وفي محاولة لتفسير الموقف، أوضح أن زوكربيرغ كان في زيارة مجدولة “لتحية الرئيس”، وأن حضوره تزامن بالصدفة مع نهاية الاجتماع الأمني. إلا أن هذا التبرير لم يُقنع كثيرين في واشنطن، خاصة أن مثل هذه الاجتماعات تتطلب درجات أمنية عالية، وإجراءات بروتوكولية صارمة لا تتيح دخول أي شخصية، مهما بلغ نفوذها، دون تنسيق مسبق.
اللافت أن هذه الحادثة تأتي في سياق تحركات متزايدة من زوكربيرغ في الدوائر السياسية، حيث شهدت السنوات الأخيرة محاولات واضحة منه للتقرب من مراكز القرار في واشنطن، خاصة بعد تعرض شركته لسلسلة من الضغوط التشريعية والتنظيمية.
منحى أكثر براغماتية
فبعد سنوات من دعمه الواضح للسياسات الليبرالية، والانفتاح على قضايا الهجرة وحرية التعبير، بدأت توجهاته تأخذ منحى أكثر براغماتية، تجلّت في مشاركته في مراسم تنصيب ترامب، والتقارب مع رموز بارزة في التيار المحافظ، من بينهم إيلون ماسك وجيف بيزوس.
مصادر قريبة من الإدارة تشير إلى أن مديرة طاقم ترامب، سوزي وايلز، لم تكن على علم بزيارة زوكربيرغ، وهو ما فُهم على نطاق واسع بأنه تجاوز واضح للبروتوكولات المعتمدة.
دخول زوكربيرغ لم يكن “محض صدفة”
وايلز، المعروفة بدورها المركزي في ترتيب لقاءات ترامب وجدول أعماله، تُعد من أبرز الشخصيات التي تضبط وتنسّق الدخول إلى الاجتماعات ذات الطابع السيادي، ما يعزز احتمال أن دخول زوكربيرغ لم يكن “محض صدفة”، بل إما محاولة استعراض حضور، أو اختبارًا متعمدًا لحدود النفوذ في محيط القرار.
عدد من المحللين اعتبروا أن هذه الحادثة ليست مجرد خلل بروتوكولي، بل رسالة سياسية مباشرة مفادها أن البيت الأبيض، ومؤسسات الدولة الأمنية تحديدًا، لا تخضع لمنطق نفوذ شركات التكنولوجيا.
ورغم ما يمتلكه زوكربيرغ من تأثير عالمي عبر منصاته، فإن تلك القوة الافتراضية لا تعني شيئًا أمام الاعتبارات السيادية، خاصة حين يتعلق الأمر بملفات عسكرية وأمنية.
الحادثة تعيد التأكيد على التوتر القائم بين نخب التكنولوجيا وصنّاع القرار في واشنطن، خصوصًا في ظل تزايد النقاشات حول دور “ميتا” في الانتخابات، والتدخل في الرأي العام، ومخاوف تتعلق باستخدام البيانات الشخصية لأغراض سياسية أو تجارية.
لا أحد فوق سيادة الدولة
رغم صمت زوكربيرغ العلني حيال الحادثة حتى الآن، إلا أن الرسالة التي خرجت من المكتب البيضاوي تبدو في واضحة: لا أحد فوق سيادة الدولة، ولا مجال للمفاجآت داخل غرفة تُرسم فيها خرائط الأمن القومي الأميركي.
ومهما حاولت شركات التكنولوجيا أن تكون فاعلًا سياسيًا، فإن مفاتيح القرار الحقيقي ما زالت محصورة في يد من يملك أدوات القوة، لا فقط أدوات التأثير.
بالإضافة إلى الوقائع، أثارت الحادثة موجة من التحليلات السياسية التي عكست انقسامًا واضحًا في قراءة دلالاتها، سواء من حيث التوقيت، أو سياقها السياسي، أو ما تكشف عنه من ملامح العلاقة المتوترة بين شركات التكنولوجيا الكبرى والسلطة السياسية في واشنطن.
أولًا: تحليل دلالات الحادثة من منظور النفوذ السياسي
يرى مراقبون أن ما حدث لا يمكن فصله عن تصاعد محاولات زوكربيرغ للعب دور سياسي يتجاوز حدود دوره التنفيذي في شركة تكنولوجيا.
البعض فسر المشهد كمحاولة مقصودة من زوكربيرغ لاختبار النفوذ، أو حتى فرض أمر واقع بوجوده في محيط القرار، خصوصًا بعد سلسلة من اللقاءات والتقارب مع شخصيات مؤثرة في اليمين الأميركي.
محللون آخرون اعتبروا الحادثة “تصحيحًا لمسار النفوذ التكنولوجي” الذي تمادى في السنوات الأخيرة، حيث تحوّلت شركات مثل ميتا وغوغل إلى ما يشبه “دول داخل الدولة”، تمتلك القدرة على التأثير في الرأي العام، والتلاعب بالمعلومات، وحتى التأثير في نتائج الانتخابات.
ثانيًا: موقف إدارة ترامب وقراءة ما وراء ردّ الفعل
تصرف فريق ترامب الحاسم تجاه زوكربيرغ يُقرأ سياسيًا على أنه رسالة انتخابية كذلك، مفادها أن إدارة ترامب المقبلة (في حال فوزه مجددًا) لن تسمح لـ”حيتان وادي السيليكون” بالتمدد داخل غرف صناعة القرار.
من ناحية أخرى، قد يكون ردّ الفعل جزءًا من تكتيك مدروس لإعادة ضبط العلاقة مع ميتا، خاصة أن ترامب لطالما انتقد علنًا دور المنصات الاجتماعية في “قمع الأصوات المحافظة”.
ثالثًا: مخاوف الأمن القومي
الحادثة أثارت جدلًا حول مدى حماية البيت الأبيض لاجتماعاته الحساسة، خاصة في ظل وجود شخصية لها سجل طويل في إدارة بيانات مليارات الأشخاص.
بعض الأصوات الأمنية رأت أن مجرد دخول زوكربيرغ – دون تنسيق – إلى اجتماع يتناول ملفات عسكرية، يُعد تهديدًا محتملاً، ليس بسبب شخصه فقط، بل بسبب ما يمثله من نموذج تقني قادر على الوصول إلى البيانات وتوظيفها بطرق غير مرئية.
رابعًا: البُعد الأيديولوجي والصراع على التأثير
يُنظر إلى زوكربيرغ كرمز للجيل الجديد من الرأسمالية التكنولوجية، الذي يصوغ معايير جديدة للسلطة، تختلف عن الأطر التقليدية التي تحتكم إلى المؤسسات المنتخبة أو الأجهزة السيادية.
الحادثة كشفت عن وجود “صراع صامت” بين قوتين: السلطة الرسمية المستندة إلى الدولة، والسلطة الرقمية المستندة إلى البيانات والانتشار الجماهيري.
الخلاصة تُظهر الحادثة بشكل جلي أن واشنطن، رغم محاولات شركات التكنولوجيا التمدد داخل دوائر القرار، ما زالت قادرة على رسم خطوط حمراء واضحة. فالدولة العميقة، والمؤسسات الأمنية، لا تزال تملك زمام المبادرة حين يتعلق الأمر بالأمن القومي والسيادة. وزوكربيرغ، رغم نفوذه العالمي، واجه حقيقة أن السلطة في نهاية المطاف ليست مجرد جمهور وتفاعل، بل قدرة على التحكم في من يدخل ومن يُمنع، في لحظة قرار.