حشاني زغيدي يكتب: ماذا يعني لنا يوم العلم؟

كل سنة من شهر أبريل، تحل علينا ذكرى غالية، إنها ذكرى يوم العلم، ذكرى رحيل رائد النهضة الجزائرية الشيخ الإمام بن باديس، الرمز الشامخ الذي رسم بجهاده، مشروع نهضة الجزائر، الشيخ سخر كلّ حياته لقضية مهمة عاش لأجلها، قضية الأمة و الوطن.
فقد رأى بأم عينه كيف يطمس الاستعمار الفرنسي عناصر الهوية الجزائرية؟ ورأى بأمّ عينيه عملية تشويه مقومات المجتمع، عايش محاولات الاستعمار محو آثار حضارة أمة ضاربة في التاريخ، شاهد كيف مارس المستضمر عمليات تجهيل المجتمع، وطمس كل ما له علاقة بالأخلاق الإسلامية الأصيلة للمجتمع الجزائري، هذا الاستعمار الهمجي الذي لم يكتفي بالقتل والتشريد وهدم القرى والمداشر، بل تعادها لمحاربة قيم الأمة، فحارب اللغة العربية لا لشيء إلا لكونها لغة القرآن مصدر الهداية، وعوضها بلغة بديلة عنها، فرضها في الإدارة والمدرسة، فرضها لغة ثقافة وتفكير، وعمل على صناعة نخبة مثقفة تحمل ثقافة المجتمع الفرنسي، لتكون واجهة عداء للثقافة الأمة.
أما العامل الثاني الذي عمل الاستعمار على طمسه وتشويه، هو ضرب أخلاق المجتمع، في خطط مدروسة غرضها محو الشخصية الوطنية.
وقد قال أحد الشعراء:
ولا المصائب إذ يرمى الرجال بها/ بقاتلات إذا الأخلاق لم تصب
لهذا تفطن رائد النهضة الشيخ العلامة بن باديس إلى مقاصد مخطط الاستعمار وأهدافه الحقيقية الخبيثة.
فكرس جهده ونضاله لهدفين أساسيين بهما تحفظ كيانات الأمم والأوطان وبهما تحمى المجتمعات، إنهما العلم والأخلاق، فكان كل جهاده ينصب في هذين الهدفين.
فاختار المنهج الإصلاحي التربوي لإصلاح الأوضاع، فأنشأ المدارس والنوادي. والأفواج الكشفية، وبعث روح حياة في المساجد بتحفيظ القرآن ونشر الثقافة الإسلامية وعلومها، وأرسل البعثات الطلابية للمعاهد والجامعات العربية، لتكوين نخبة مثقفة تحمل راية التغيير، ويكون بمقدورها مجابهة الاستعمار الفرنسي، وانتزاع الحرية، فالمجتمع الأمي لا يصنع التغيير المنشود، لهذا كان نصب عينه غرس التربية الصحيحة في نفوس النشء ذكورا وإناثا.
يقول الشيخ رحمه الله:
“إن أبناءنا هم رجال المستقبل وإهمالهم قضاء على الأمة إذ يسوسها أمثالهم ويحكم في مصائرها أشباههم، ونحن ينبغي منا أن نربي أبنائنا كما علمنا الإسلام، فإن قصرنا فلا نلومن إلا أنفسنا ولنكن واثقين أننا نبني على الماء ما لم نعد الأبناء بعدة الخلق الفاضل والأدب الديني الصحيح”.
في هذا المقام نقول للذين يريدون حرمان المرأة من حقها في التعليم والتربية، هذا الإمام يرى أن الأم هي المصنع الحقيقي لتكوين الرجال، وهي وحدها التي تصون الأسرة من التفكك الضياع، لهذا كان الإمام يريد البنت المتعلمة.
يقول رحمه الله:
“إذا أردنا أن نكون رجالا فعلينا أن نكون أمهات، ولا سبيل إلى ذلك إلا بتعليم البنات تعليما إسلاميا وتربيتهن تربية إسلامية، وإذا تركناهن على ما هن عليه من الجهل بالدين فمحال أن نرجو منهن أن يكون لنا عظماء الرجال وشر من تركهن جاهلات بالدين إلقاؤهن حيث يربين تربية تنفرهن من الدين أو تحقره في أعينهن فيصبحن ممسوخات لا يلدن إلا مثلهن”.
وحتى يجسد هذا المشروع النهضوي أسس واجهة اجتماعية مع إخوانه العلماء الجزائريين رسموا لها أهدافا كبيرة تتناسب مع أهداف مشروع النهضة، وكانت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين المؤسسة التربوية والاجتماعية، كأن نتاج هذه الجمعية بعض قادة ثورة التحرير الوطني نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: الإمام الشير الإبراهيمي، الأستاذ توفيق المدني، قائد الكشافة الإسلامية محمد بوراس، الشهيد مصطفى بن بو العيد، العقيد سي الحواس، الشيخ محمد خير الدين، الشاعر محمد العيد آل خليفة، الشيخ العمودي، وغيرهم كثير.
رحم الله شيخ نهضنا وأعلى الله مقامه
يقول المجاهد الشاعر محمد الشبوكي يقول في حق الإمام خذه الأبيات العصماء:
يا أبا النهضة يا رائدهــــا فزت من دنياك بالذكر الحميــــد
فهنيئا يا ابن باديس الــــذي حرر الأفكار من قيد الجمــــود
وأعدَّ الشعب للثورة حقــــا فاستعد الشعب بالجيش العتيـــد