حوارات

د.إبراهيم أبو محمد: هجرة القلوب والعقول لترتبط بالله هي الطريق للجنة

حوار: علي عليوه

يحتفل العالم الإسلامي ببداية العام الهجري الجديد 1445ونعيش أجواء ذكري هجرة النبي محمد صلي الله عليه وسلم من مكة إلي المدينة والتي كانت بداية لبزوغ شمس الإسلام الساطعة علي العرب والعالم .

وحول الهجرة والدروس المستفادة منها تاريخيا وحاليا في ظل عالم مضطرب يموج بملايين المهاجرين بسبب ظلم الإنسان لأخيه الإنسان ..

أجرت «جريدة الأمة الإلكترونية» هذا الحوار مع د. إبراهيم أبو محمد أحد علماء الأزهر، وهو حاليا مفتي القارة الأسترالية ..

وإليكم نص الحوار ..

• هل للهجرة النبوية إسقاطات علي واقع العالم المعاصر؟

•• عجيب أمر التاريخ حين يمزج في توثيقه بين نغمة الحزن والإحساس بالغربة في حادث الهجرة النبوية الشريفة وبين الأمل في العودة والتي انتهت بفرحة العودة لذات الموطن بعد حين مكللة بآكاليل النصر ومتوجة بتحقيق الوعد الحق في حياة النبي العظيم محمد

فهل يتحقق مثل هذا الأمل بوعد جديد لكل من تم تهجيرهم قسرافي عالمنا المعاصر..؟

هذه الذكرى تأتي وملايين النفوس من البشر تعاني انكسارًا في كبريائها وكرامتها لأنها لا تهاجر، وإنما تُهَجَّر قسرًا من بلادها في واقعنا الراهن تحت قذائف المدافع وغارات الطيران واستعمال كل أدوات القتل والتدمير.

جموع بشرية مدفوعة للهجرة قسرًا، باعثها الأول هو اليأس من الحصول على مجرد فرصة حياة هروبا من أمطار القذائف التي تتساقط على رؤوسهم، وتحصد كل يوم عشرات ومئات القتلى والجرحى.

اليمين المتطرف فاقد للإنسانية

• كيف ينظر الغرب خاصة اليمين المتطرف لظاهرة اللجوء وراغبي الهجرة إليه هربا من الحروب والفقر؟

•• العالم الغربي ينظر إليهم ـ وبخاصة اليمين المتطرف -في مجتمعات المهجر- على أنهم «مشكلة فائض سكاني» تهدد استقراره وتغير بنيته الاجتماعية وتؤثر في نسيجه النقي الذي يؤمنون بأنه يجب أن يظل نقيًا.

وإلى الآن كثير من هؤلاء المهجرين قسريا يعانون مرارة الاحتجاز في معسكرات المحتجزين المشردين -لأنهم من جنس معين، وليسوا من أوكرانيا، ومن خلفية معينة، وليسوا من البيض.

 ومن ثم فلم يحظوا بما حظيت به بعض الحيوانات المائية من الحماية والرعاية، وضمان المأمن مهما كانت قريبة من الصياد الغادر، حيث القانون الدولي يوفر الحماية لهذه الحيوانات المائية، بينما لا يوفرها لهؤلاء المهجرين «قسريا» بسبب الصراعات والحروب والفقر.

وهم الذين كانوا أعزة في أقوامهم، ولهم حياة كريمة ومستقرة وآمنة، يملكون فيها حقولا وبيوتا ومصانع ومتاجر في أوطانهم.

قلة الدراسات المتعلقة باللجوء والهجرة

• هل حظيت ظاهرة الهجرة واللجوء فرارا من الصراعات والاقتتال والفساد وعدم توفر الغذاء باهتمام المفكرين في العالم العربي والغرب؟

•• أزمة الهجرة رغم تكرارها وفداحتها لم يتعرض لها إلا قلة قليلة بالدراسات الجادة تحقيقًا وتحليلًا، ومع يقيننا بأن هناك باحثين غاية في المنهجية العلمية إلا أن أصواتهم وربما نتائج أبحاثهم لن تكون محل عناية .

في ظل منظومة عربية مهترئة لا تنشغل بالبحث العلمي ولا تعيره اهتمامًا ، ولا تعتمد غير القوة الخشنة في التعامل مع كل المشكلات، ولو كانت نفسية وأخلاقية أو اجتماعية.

 وهو منطق لا يؤمن بقوة العقل أو العلم بقدر ما يؤمن بمنطق «الفهلوة» والضحك على الناس وخداع الجماهير.

واستغلال بساطتهم وسذاجتهم، والتغرير بهم واللعب في عقولهم عن طريق الأذرع الإعلامية التي تضمن له مساحة من الجدل كوسيلة لتفريغ طاقات الغضب.

 أو تحويل الاهتمام لأمور بعيدة عن القضايا الحيوية التي تتمركز حولها اهتمامات الناس والتي تدفع الكثير منهم للهجرة ، وبخاصة الطبقات الشعبية.

المهاجرون وطالبو اللجوء أكثرهم عرب

• لماذا بعض الدول العربية والإسلامية هي الأكثر مساهمة في ظاهرة الهجرة واللجوء بحثا عن الأمان والغذاء وما هي التساؤلات الذي يطرحها هذا الوضع المأساوي؟؟

•• قضية الهجرة في وضعنا الراهن تجعلنا نطرح تساؤلات منها:

كيف نطبق نصوص الهجرة في كتابنا الخالد لنواجه بها أزماتنا المعاصرة؟

وهل يمكن أن نجد تشابها في حقل التطبيق بين الواقع الذي فرضته الحروب العبثية وبين النصوص؟

في ظروفنا الراهنة يعيش الوطن الإسلامي الكبير زمن الوجع المؤلم أو قل” عصر الأزمات” وصفًا وحقيقة وبالجمع.

فهل فعلا لدينا أزمة؟ أم أن كل شيء على ما يرام؟

الباحث الجاد سيواجه بأسئلة كثيرة مهمة ومشروعة تصدع الرأس بحثًا عن الأسباب الحقيقية التي تجعل المواطن الحر يترك بلده ووطنه وأهله ويذهب بعيدًا ليعيش معاناة الغربة والوحشة، والضياع أحيانًا.

تزايد أعداد تاركو الأوطان وطالبو اللجوء

وتابع د. إبراهيم أبو محمد قائلا : وهي أسئلة مهمة إذا أردنا توصيف الظاهرة وبحث أسبابها ودوافعها وبواعثها وحالة المهاجر ذاته وظروفه وبيئته.

وهي أسئلة مشروعة لأن بعض هذه الأسئلة يتصل بغياب المشروعية القانونية لكثير من الممارسات التي تتم في غيبة القانون ذاته، أو بالإزدواجية في تطبيقه من جهة.

وبعضها الآخر يرتبط بدراسة سيكولوجية الناس على مدى نصف القرن الأخير وما طرأ عليها من تغييرات وعناصر جديدة أكثرها سلبي من جهة ثانية.

ولماذا يهاجر الإنسان أصلًا ويترك وطنه وأهله ويتخلى عن كل الروابط التي جمعته بالمكان والزمان والناس…؟

وما الأشياء التي تجعل الوطن يضيق بأهله؟

وهل الضيق في المساحة المكانية أو الجغرافية ومن ثم الضيق في مصادر الثروة وفقدان فرص العمل هو الدافع إلى الهجرة…؟

أم هو في غياب سلطان الدولة على مؤسساتها بعدما توغلت بعض هذه المؤسسات، وأصبحت تتصرف وتمارس دورها لا كمؤسسة في دولة، وإنما كدولة فوق الدولة لا تخضع للقانون العام.

وكأن كل مؤسسة جزيرة منعزلة تفعل ما يحلو لها، وكأنه لا رابط يربطها بالنظام العام الذي يحكم المجتمع.

أم أن المسألة ظاهرة فساد تجتاح العالم كله بما فيها الدول الكبرى، نتيجة الديون العامة ونفوذ مؤسسات المال الدولية وشروط الممول، غير أنها تظهر جلية واضحة في الدول الصغرى ودول العالم الثالث نتيجة ضعف الأنظمة واهترائها وعدم قدرتها على ممارسة الشفافية خوفًا من الفساد المتفشي؟

أسباب هجرة العقول من موطنها

• إذا كان الأمر كذلك فلماذا يهاجر مواطنو العالم الثالث بينما مواطنو الشمال لا يتركون بلادهم؟

•• اقتصار الهجرة وطلب اللجوء علي مواطنو العالم الثالث تجعلنا نطرح عدد من التساؤلات تلقي الضوء علي القضية.. هل التشرذم والهجرة والمعاناة لنا وحدنا بينما العالم الأول لهم وحدهم الثراء والثروة والاستقرار؟

وأين الخطط الخمسية والعشرية والإنجازات التي يتحدثون عنها في العالم الثالث؟

أين ما يردده المسئولون والإعلام التابع لهم عن التنمية والنهضة والدخول في الركب الحضاري والاستفادة من التكنولوجيا الجديدة في تنمية الموارد والمواهب والاكتفاء الذاتي والعمل على استقلال القرار…؟

أم هو الضيق في مساحة الحرية و فقدان الضمير، وانتشار الوساطة والمحسوبية، وشيوع الفساد وغياب الرقابة، والازدواجية في تطبيق القانون ذاته حيث يطبق بحزم على أناس بينما لا يسأل آخرين من أين لكم هذا…؟

ومن ثم تكون الأزمة أخلاقية في الأصل والمنشأ، تولد منها الفساد والإستغلال والإحتكار وإساءة استعمال الثروة.

أم أن الأزمة في اختلال الحال وإساءة استعمال السلطة واستغلال النفوذ، واحتلال الوطن بوجود مستعمر محتل من الخارج، أو دكتاتور في الداخل يصادر الحريات ويحطم القدرات والكفاءات.

وتحقير أهل العلم وتقريب الجهلاء…؟  فيُقَرّبُ الدنيء ويتهم البريء، ويحب المنافق ويقدم الموافق.

الواقع يخبرنا بأن كل هذه العوامل أدت إلى هجرة العقول من موطنها الأصلي لتستثمر أو لتستنزف في بلد آخر، كما يحدث الآن في الكفاءات والعقول العربية المهاجرة من أوطاننا.

وهذه الأسئلة تجعل الباحث حيران لا يعرف من أين يبدأ في ترميم الصورة وإعادة رسم الملامح، ولا من أين تبدأ طرق المعالجة بعد أن اتسع الخرق وأصيب الإنسان في إرادته فأضحى مشلولًا بين الحياة والموت، يصدق عليه بيت الشعر الذي يقول:

أو مسلمون وأمة أشلاء … لا ميتون ولا همو أحياء

ورغم هذا الكم من تشخيص الواقع المحزن نجد كتبة الأنظمة وسدنة إعلامهم يجتهدون في تصوير الواقع بأنه وردي، وأن الحياة «بمبية» اللون، ويستدلون على ذلك بزيادة عدد الهواتف الجوالة وزيادة استيراد السيارات.

 ومن ثم فالناس يعيشون في التبات والنبات وينجبون صبيانًا وبنات، كما يقول كتبة الأجهزة والطبقة المخملية؟

• هل يلعب الإعلام في دول العالم الثالث دورا في تسطيح العقول والتهوين من مشكلة تزايد الظلم والفقر اللذان  يدفعان الكثير من الناس للفرار من وطنهم طلبا للهجرة واللجوء؟

•• كارثة تسطيح العقول هي أول تلك الأزمات حيث تظهر آثارها في زمن الوجع الحاد، وترتد بقوة وبشدة مخيفة على من فعلوها وسطحوا عقول هؤلاء وحولوهم إلى مجرد بلطجية واستعملوهم في فترة من الفترات وسيلتهم في إسكات الخصوم وتهديد حياتهم.

إن حالات اللامسؤولية والفوضى والعبثية والإحباط أغلبها في التحليل النهائي يعود لغياب مشروع قومي أو وطني كبير تلتقي فيه إرادة الجماهير مع آمالها في التطور والتغيير والنهضة تلاقيا حرًا.

بعيدًا عن حشد القوى الخشنة أو القوى الناعمة لشعارات مفرغة من محتواها تسببت في ضياع كبير يستشعره الآن الخاصة والعامة ومن يملكون ومن لا يملكون؟

العبث السياسي الذي تعيشه جماهير الوطن العربي الكبير مخيف وخطير، وينبئك بخبرة الواقع وتحليل الأحداث وتراكم المواقف المتشابهة أن القطار خرج بالقطع عن القضبان، وأن مهمة المحولجي لم تعد تجدي، وأن أدوات التحذير لديه لم تعد مسموعة وسط صراخ الركاب وضجيج العجلات التي تتعثر خارج الشريط الحديدي.

• ما هي في رأيكم وسائل الإنقاذ؟

•• عوامل الإغاثة والإنقاذ يجب أن تكون في حالة استعداد تام لإنقاذ الضحايا الفارين من وطنهم،طلبا للوظيفة والحد الداني من المعيشة لأنهم سيكونون بالملايين.

علي سبيل المثال أزمة الهجرة المعاصرة في سوريا وليبيا واليمن غيرها لن تكون النهائية، لأنها نموذج صغير لحالات الاستبداد والفساد والإحباط التي تنتشر وسط الكثير من شعوب الأمة.

 والخوف كله أن يتحول هذا الإحباط إلى العقل الجمعي الذي يسود في الأزمات فلا يترك فرصة لعقل الفرد أن يفكر قبل الإقدام على الخطر، وهذا ما يخشاه المهتمون بالوطن شعوبًا وثقافة وتاريخًا.

 والخشية تحديدًا من حدوث حالة هياج عشوائية تأكل الأخضر واليابس ولا تبقي ولا تذر، لأنها لا تملك أدوات التمييز بين ما هو من ممتلكات الشعب، وما هو ملك سادة الأنظمة وأعوانهم.

• وماذا عن هجرة القلوب وارتباطها بالدنيا ومنافعها بدلا عن الآخرة؟

•• هجرة القلوب من الارتباط بغير الله ليكون ارتباطها بالله الواحد هي قضية جوهرية للإنسان طلبا للهداية والرشد والفوز بالآخرة والجنة ، «فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم» ﴿العنكبوت: ٢٦﴾ .

فهل لا يزال لهذه المعاني مكان بين ضجيج السعار العالي حول تحسين المعيشة، وهتافات الجائعين وتظاهراتهم للمطالبة بتحسين أحوالهم؟

هل المعاني الروحانية العظيمة عن الهجرة والفتح والجهاد والصبر وقيام الليل وأداء الفرائض لا يزال له سوق وسط سيطرة تجار العلمانية وأدعياء الحداثة على إعلامنا صحفًا وجرائد ومجلات وقنوات فضائية؟

مؤسسات الشر وتغييب الإيمان والقيم

ويتابع د. إبراهيم أبو محمد قائلا: هل بقي لهذه الروحانيات مكان وسط بقايا الإنسان الذي تضافرت مؤسسات الشر على تحطيم قيمه وتغييب إيمانه وضغط رسالته ووجوده وبقائه في البحث عن تأمين البيت والزيت والطعام والجنس فقط؟

هل بقي وسط هذه الغرائب والخرائب مكان لسلطان العقل والقلب والمشاعر السامية والوجدان النظيف؟

{وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} ﴿النساء: ١٠٠﴾

وهل بقي من هذه المعاني العظيمة شيء؟ أم أن محاولات «شحرور» وجهوده في هز الثوابت وخلخة العقائد، وغرور كيال الاكتشافات، و«بحيرى» راهب التشكيك والتدليس، والـ«منتصر» للباطل دوما، و«عيسى» محترف التزوير والتحرر من كل القيم.

 و«ماهر» في الصراخ والنعي على البخاري ومناهج الأزهر، والأهبل المعتوه بحلم تحويل الحج من مكة إلى طور سيناء، وغيرهم من كتيبة الأذرع المستأجرة قد طال كل شيء، ونال من كل قيمة واستباح كل مقدس…؟

س: ما هو أهم درس نتعلمه من الهجرة النبوية؟

 إذا كانت الهجرة حدثا من أحداث التاريخ، فإن التاريخ هو ابنها البكر، فقد ولد من رحمها، وبها كانت بدايته.

وليطمئن كل المهاجرين، فليست الهجرة إلا بداية التاريخ، وليست أبدا نهايته سلام على كل من هاجر، ولم يجد بعد مأواه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى