مقالات

د. ربيع عبد الرؤوف الزواوي يكتب: قصة مشروع تأخر ميلاده 21 عامًا

هذا المقال أحكي فيه قصة مشروع تأخر ميلاده واحدا وعشرين عاما… وأخشى أن يدركني الأجل قبل إتمامه…

أقول ذلك؛ لعل أحد شبابنا النابهين المتخصصين من ذوي الهمم العالية ينشط لذلك… فيكمل ما عجزت عن إتمامه…

وهذه هي القصة:

فقد شرح الله صدري في عام ١٤١٧ / ١٩٩٦ أن أخرّج القراءات العشر المتواترة وما وافقها من القراءات الأربعة الشاذة على هامش المصحف الشريف؛ ليسهل الرجوع إليه متى شئت..

وقد كانت هذه الفكرة تلحّ عليّ منذ فترة قبلها.. وألحّت عليّ بعد لقائي في عام ١٩٩٥ بالشيخ عبد الودود الشنقيطي الموريتاني الجنسية بمدينة الدوحة، والذي قرأت عليه برواية ورش، وأهداني مصحفا مطبوعا بها، ودرّسني مقدمةً مهمة في علم القراءات، وفتح لي آفاقا جديدة في هذا العلم الشريف..

القرآن الكريم وبهامشه القراءات العشر 1
القرآن الكريم وبهامشه القراءات العشر 1

وبعد عودتي إلى مصر اشتدت الرغبة في تنفيذ الرغبة القديمة، فقمت بتصوير نسختي من المصحف الذي اعتدت القراءة منه في ورق كبير المقاس والمعروف بمقاس (A3) وهو ضعف مقاس الورق المتداول والمعروف بمقاس (A4) وقد ساعدني وقتها في تصوير المصحف على ورق كبير أخي الفاضل محمد نور الله جزاه الله خيرا…

وقد كتبت مقدمة وتمهيدا بين يدي هذا العمل؛ تجاوزا خمسة عشر ورقة من ذلك المقاس الكبير، وبدأ العمل في عدة صفحات من المصحف ثم توقف العمل برمته لظروف ومشاغل الحياة…

ثم قدّر الله سبحانه وتعالى أن ألتقي بالمقرئ الجامع للقراءات العشرة المتواترة من طريقي الشاطبية والدرة والطيبة فضيلة الشيخ محمد فهد خاروف تلميذ شيخ القراء بدمشق العلامة الشيخ محمد كريِّم راجح، بارك الله فيهما ونفع بهما…

وكان ذلك في عام ١٩٩٩ م عند زيارته لنا في شركة حرف لتقنية المعلومات… وقد كنت حريصا على الأخذ عنه من أجل أستاذه المقرئ العلامة شيخ قراء الشام محمد كريم راجح… الذي كان يصعب عليّ وقتها لقاؤه.

أهدانا الشيخ محمد خاروف كتابه ذا المجلد الضخم (الميسّر في القراءات الأربعة عشرة) وبذيله كتابي؛ أصول الميسّر في القراءات الأربعة عشرة، وتراجم القراء الأربعة عشرة، فقرأته وانتفعت به نفعا عظيما فجزاه الله خيرا.

القرآن الكريم وبهامشه القراءات العشر 2
القرآن الكريم وبهامشه القراءات العشر 2

والحق أني كنت أجهل قدر الرجل نفسه وعلمه؛ فلم يكن لي به سابق معرفه! ولو كنت أعرف عنه ما أعرفه اليوم، لفرغت نفسي أيامها لصحبته وخدمته والأخذ عنه،

ولكن لعل الله بارك في تلك الساعات التي تكون عادة في اللقاءات الرسمية، فكان لها ما بعدها من ثمار، ولله الحمد؛ إذا بعد الفراغ من كتاب الميسّر، نشطت لإنجاز الحلم القديم.

ففي شهر شعبان عام ١٤٢٤ الموافق شهر أكتوبر ٢٠٠٢ نشطت مرة أخرى للعمل، لاسيما عندما حصلت على مصحف هدية من أحد الأصدقاء بطبعة مطبعة المصحف الشريف بالأزهر،

حيث كان الهامش الأبيض حول نص القرآن الكريم يتجاوز الخمس سنتيمترات،

مما ذكّرني بحلمي القديم وشجعني على إتمام رغبتي القديمة على هذه النسخة من المصحف مباشرة؛

لصعوبة التعامل مع المصحف الذي صورته على الورق ذي المقاس الكبير، ولسهولته في هذه، فانتقلت إليه، وتركت العمل فيما كنت صورته على ورق مقاس كبير (A3)…

لا سيما بعد أن شرحت الفكرة في عام ٢٠٠٥ – بعد أن نضجت واستوت على سوقها – لفضيلة الشيخ أحمد المعصراوي شيخ عموم المقارئ المصرية ورئيس لجنة مراجعة المصحف الشريف بالأزهر، فسر بالفكرة، وتناقشنا فيها.

استمر العمل على المصحف ذي الهامش الكبير من بداية عام ٢٠٠٢ حتى أتممت ستة عشر جزءً على هوامش المصحف المشار إليه أعلاه طبعة الأزهر، إلى أن تكلمت مع جاري وأستاذي فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور جلال حمام رحمه الله…

وكان أستاذا للقراءات بجامعة الأزهر، وذلك في عام ٢٠٠٤ فنصحني أن لا أكتب في هامش أي مصحف أي شيء؛ تنزيها للمصحف، وأن انتقل لأوراق خاصة، وقد كان!…

إلى أن قرأت على فضيلته في رمضان ١٤٣٢ الموافق عام ٢٠١٠، وشرحت له أن هذه النسخة من المصحف خاصة بي ولن تتداول وأنها نسختي أنا، ولا يطلع عليها أحد غيري، فسكت…

وظل العمل متوقفا للمشاغل والظروف، ونصيحة الشيخ التي لم أقتنع بها، ولكن تأثرت بها.

ثم شاء الله ومنّ علي وتفضّل بالتوفيق والعون أن يتجدد العزم على إتمام العمل في أواخر عام ١٤٣٤ / ٢٠١٣ فانتقلت بالفكرة من مصحف طبعة الأزهر إلى نسخة إلكترونية أسميتها (الجداول المختصرة في القراءات الأربعة عشرة) تشتمل على القراءات العشرة المتواترة وما وافقها من القراءات الأربعة الشواذ….

ثم فترت الهمة إلى أن سافرت إلى ملتقى الإقراء الأول بكلية القرآن الكريم بطنطا في صحبة أخي الفاضل المهندس أحمد عمر ولما قصصت عليه مضمون قصة هذا المشروع حثني بقوة على إتمامه… فهممت ثم فترت الهمة… وأخشى أن يعاجلني الأجل قبل التمام… أسأل الله حسن الختام.

فاللهم يسر التمام ولا تحرمنا الأجر… يا رب العالمين.

د. ربيع عبد الرؤوف الزواوي

دكتوراه في تفسير القرآن وعلومه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى