مقالات

د. سعيد إسماعيل يكتب: الدكتور القوصي.. وأنا

كنت جالسا -كالعادة- في مكتب وكيل الكلية: الدكتور أبو الفتوح رضوان، كمعيد مُلزم، مع زميلي الراحل نبيل نوفل، في تربية المنيرة، حيث كان من الطقوس، أن يقوم عثمان (العامل المختص بمكتب الوكيل) بالمسارعة بفتح الباب على مصراعيه، ليدخل أبو الفتوح، منتفخ الأوداج، حيث كان يتمتع بقوة شخصية مسيطرة، يتصرف بقوة، حتى مع عميد الكلية وقتذاك: الدكتور صلاح قطب..

  ثم رأيت عثمان يسارع بفتح الباب، لكن، ليس لأبى الفتوح، بل لشخص آخر، لم أكن رأيته من قبل..  ويتجه الضيف إلى مكتب أبى الفتوح في صدر القاعة، ويمسك بالتليفون، وينادى عامله: يا محمد: أخبر صلاح (قطب)، وزكى (صالح)، ومصطفي (فهمي)- هكذا بغير ألقاب- أنى موجود؟!!

  ثم إذا بهؤلاء، وغيرهم، يأتون مسرعين، رؤوسهم منحنية، وهم يصافحون الزائر، ويكادون يقبلون يده..

  وأخبرني عثمان، أنه (الدكتور عبد العزيز القوصي).. مؤسس الكلية (مع إسماعيل القباني)، وأستاذ كل هؤلاء وغيرهم؟!!

  وتمر أعوام، ثم أذهب إلى مؤتمر كبير في بغداد، عام 1972، حيث ألقيت ملخصا لبحثي (تسرب الكفايات العلمية)، وكان أول بحث منا – في اقتصاديات التعليم- مما دفع بعض زملائي الحاضرين، مثل الدكتور عبد الفتاح حجاج، وحسان محمد، وشكري عباس، أن يبدو دهشتهم، بل وسخريتهم، لإقحام نفسي في هذا المجال، بينما معظم جهودي، السابقة، تركزت في تاريخ التربية والتعليم.

   فلما عدت إلى مكاني، بعد فترة راحة، وجدت ورقة صغيرة تحييني على ما أنجزت، بتوقيع الدكتور القوصي، ندمت بشدة أن لم أحتفظ بها..

  ذهبت إلى الرجل، أشكره..

  وجاء في الحديث، أنني أخصص يوما كل أسبوع، أجتمع فيه مع بعض الباحثين، في منزلنا، فلما تكاثر العدد، أصبحت أجتمع بهم في (المريلاند) بمصر الجديدة..

  قال الدكتور القوصي، مقترحا، أن هناك مكانا في وسط البلد – التحرير- يكون أفضل لو اجتمعنا به، اسمه (رابطة التربية الحديثة)، حيث يذهب أستاذنا كل أسبوع، يجلس وحده، حتى لا يُغلق المكان، فهو من آثار الراحل إسماعيل القباني، وأنه مهجور، لأن رجال دولة يوليو 1952، لم يكونوا يرحبون بالعمل الأهلي..

  وكانت تلك البداية نشاطي في الرابطة..

  وكان السادات، بمساعدة الدكتور عبد القادر حاتم، قد أنشأ المجالس القومية المتخصصة، وعلى رأسها المجلس القومي للتعليم، فإذا بالدكتور القوصي، يقابلني بالدكتور حاتم، مرشحا لي عضوا بالمجلس القومي للتعليم، واصفا إياي للدكتور حاتم بأنني (فيلسوف التربية في مصر)، حيث استكثرت هذا على نفسي.. لكنه أصر على هذا التوصيف، وقد ذكره كذلك للدكتور محمد الهاشمي، الذي كان رئيسا لجامعة عين شمس، حيث كان عضوا بالمجلس..

  وعندما صدر كتابي (الفكر التربوي العربي الحديث) في سلسلة عالم المعرفة، وأهديت الدكتور القوصي نسخة، قال لي بعد ذلك (إنت جبت الحاجات دي كلها منيين؟!!)، تعبيرا عن إعجابه الشديد..

   ودعاني الراحل، أنا وزوجتي إلى فنجان شاي في سكنه الخاص..

  ولن أنس أبدا قوله لي (يا ريتني كنت أعرفك من زمان)، واعتبرتها تكريما لم أكن أحلم به..

  ورشحني في اجتماع مهم في تونس، لعمل مجلد ضخم عن الفكر التربوي الإسلامي، حيث كان من المشاركين، الدكتور حامد عمار، ومحيى الدين صابر، والدكتور عبد الجواد رضا..

  رحم الله شيخ التربية العربية الأكبر..

د. سعيد إسماعيل علي

خبير وكاتب مصري في المجال النفسي والتربوي،

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى