أقلام حرة

د. عبد الرحمن بشير يكتب: درس قاس ولكنه مهم

قالوا لي: كن معنا بلا تفكير، قلت لهم: أكون معكم بفكرى، وأستخدم عقلي، فإن رأيت فيكم خيرا، أبقى معكم، وإن رأيت غير ذلك، فأنا حر، أفعل ما بدا لي، حينها تحركت الماكينة الكبرى في التشويه، فتكلموا، ونقلوا، وتحدثوا، ولكن كل ذلك صار تاريخا، ولم يبق منه سوى قيل وقالوا، وانتهوا، ومضيت في طريقي، ولم أتوقف، وما زلت في هذا الطريق الوعر، أستخدم عقلي، ولا أستقيل من التفكير ولو لحظة، ولهذا، والحمد لله، بقيت، وما زلت أنتج، ولا أتوقف، ومن طالب منى أن أستقيل عقليا، وأتوقف عن التفكير، فلا أجد له كلمة، ولا حراكا، وكأنه لم يكن.

سمعت يوما قريبا كبيرا منهم يعلن بأن الحركة التى عمل فيها، ليس من شأنها الدخول في السياسة، فهي حركة خاصة، وليست حركة عامة، وكان يبشر بها بأنها حركة لا تعترف الحدود، ولا تنتهى أبدا، ومع هذا فقد أعلن بأنها حركة دينية صرفة، وقد انتهى دورها سياسيا، كما ذكر في خطابه أنها مثل الحركة القادرية، وقد انتهت هي الأخرى، فهو يتخبط، بينما أصحابه من المغاربة يجتهدون في تنزيل الفكر، وتجديده، وتطويره، بينما هو يحنط فكره، ويعلن وفاته، والغريب أن هذا وأمثاله كبروا فيها، ولما اشتد ساعدهم، ورأوا أن الساحة يمكن العمل فيها بلا مشكلات كما يحسبون، بدأوا يتخففون من أثقالها، ونجحوا في الظهور بوجودهم فيها، ولولا تلك الحركة لبقوا في غياهب الجب، لا أحد يعرفهم، إنها أزمة العقل الإسلامي البراجماتي الميكافيلي..

في هذه اللحظة الحرجة من تاريخ الأمة، أكتب رسالة صغيرة، ولكنها تكون مهمة حول العمل السياسي في فكر ابن تيمية، وابن تيمية عالم مظلوم من خصومه، ومن محبيه معا، أكتب رسالة حول (العقد الاجتماعي عند ابن تيمية)، وهل العقد الاجتماعي فكرة غربية؟ أم هي فكرة مستوحاة من البيعة؟

لم تنته الحركة الإسلامية كمشروع فكري، ولكن بعض رجالاتها انتهوا، وشاخوا، ودخل بعضهم في الموت السريري، وبقي إعلان الوفاة الرسمية لهم، ولكنهم يريدون أن يقولوا للناس، أن الفكرة انتهت، وليس الأمر كذلك، هؤلاء هم الذين طالبوا منى ذلك الزمن أن أتوقف من التفكير، وأعلن استقالة عقلي، وحينها أكون مقبولا، ولكن الأمر لم يتحقق لهم، والحمد لله.

قال لي أحدهم يوما: ما موقفك من الدولة؟ قلت له: هي دولة عادية، ليست إسلامية، ولا هي علمانية، لا لون لها، ولا مذهب لها، لم يفهم كلامى، ثم سألنى، ما موقفك من الحاكم؟ قلت له، حاكم دكتاتور، ولكنه مسلم، أكره سياسته، ولا أكفّره، فسألني، ما موقفك من التغيير؟ قلت له: لا يمكن لنا التغيير ما لم نتغير، نحن نؤمن بالقبلية سياسة وفكرة، فالتغيير غير ممكن، ثم قال لى ما موقفك من الترابي، وفكره، قلت له: مجدد متألق، وسياسي يشكو من تقدمه على الناس، فسألنى عن محمد الغزالي، فقلت له: مجدد جاء قبل أوانه، وفقيه يطور الخطاب، ومسلم غير عادي في زمن التيه، ثم قال: هذا فراق بينى وبينك، فقلت له: سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا، وهو الآن يقول ما لم يقل مالك في الخمر عن السلطة.

جرى نقاش بين الأصحاب، هل ندخل السياسة؟ أم نمارس الدعوة فقط؟ وهل نضجت المجموعة للسياسة؟ أم ما زلنا نحن في مرحلة الحضانة السياسية؟ كنت أعيش في تلك المرحلة في تيه، القوم ينتظرون النضج السياسي، والممارسة هي التى تنضج، وليس الانتظار، ولكنى كنت أقول لهم: نعيش في مرحلة هدوء مع الجميع، ذلك لأن من السياسة العمل في ذلك، ولكن الدخول في السياسة قانونا، لا يحتاج إلى إذن من أحد، فالممارسة حق من حقوق البشر، وواجب من واجبات الكبار، وكذلك الممارسة في السياسة مبني على قانون التدافع، وليس مبنيا على قانون الإنضاج، هناك فرق بينهما، ثم جرى نقاش آخر بين بعض الناس، من يدخل السياسة؟ ومن لا يدخل؟ هذا التصنيف قاتل، السياسة ليست ميدانا خاصا لفئة، ولكنها فقط تحتاج إلى استعداد نفسي.

وأخيرا، وليس آخرا، وجدت مجموعات من الإسلاميين في القرن الأفريقي تحولوا من الساحة المؤثرة إلى الساحة المنفعلة، ومن ساحات العمل العام إلى ساحات العمل الخيري، والوعظ فقط، ومن التأثير في عالم الأفكار إلى عالم المال بلا تأثير، ومن التفاعل مع قضايا الجماهير إلى حماية الجماهير، ومن الدخول على الحياة والفتح إلى الانكماش والخوف والقلق، وكل ذلك ناتج عن استيراد المشاريع من الخارج، وعدم الفعل والانتاج في المراحل السابقة.

د. عبد الرحمن بشير

داعية ومفكر إسلامي، من جيبوتي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى