كما أن لكل مسمى من اسمه نصيب، بالإيجاب أو السلب، فإن (السيد قطب) كان (سيدا) في الثبات و(قطبا) جاذبا في الفكر..
• في مقتبل الشباب ببداية السبعينات، وبعد انقشاع ظلمة العهد الناصري؛ كنا نتداول كتابات السيد مصورة في الأوراق، حيث لم تكن كتبه مطبوعة متداولة بعد، وبخاصة كتاب (معالم في الطريق) ولندرة الحصول عليه وقتها؛ قمت بتسجيله كاملا صوتيا في أشرطة ” كاسيت” لتسهيل وصوله، وهو ما جعل عبارات كثيرة منه محفورة في الذاكرة..
• لم تكن صورة قطب معروفة فضلا عن سيرته وكتبه، ثم تتابعت بعد ذلك طبعات كتب القطب، فكانت تصنع الوعي وتزرع الحمية في صدور الشيب قبل الشباب، وكان لذلك أثره البالغ في تشكيل أدبيات ما عرف في بدايات القرن الهجري بالصحوة الإسلامية في مصر وخارجها.
• وقد تولى نقل هذا الوعي وتلك الحمية في خطب وعظية حماسية؛ أبرز وأنبل رموز الصحوة في السبعينيات، الشيخ الشاب الوقور صاحب الصوت الجهير (إبراهيم عزت)، رحمه الله، خطيب مسجد أنس بن مالك، الذي توفي في سن الأربعين وهو ذاهب للعمرة. حيث كان قد فسر القرآن كله على منبر الجمعة عبر سنين عديدة حتى منع من الخطابة، وكان يستمد مادة خطبه من الظلال.. فقد كان يردد بين بعض فقرات خطبه الراقية الرقراقة عبارة ( قال المفسر رحمه الله)..
ومن العجيب ان ذاك الخطيب الثائر البليغ، كان على رأس نشاط جماعة التبليغ…! وهو ما يبين كم كان ظل الظلال حانيا حاويا جميع اتجاهات الإسلاميين.
• عندما سافرت الى بلاد الحرمين بعد تضييقات أمنية غير منطقية في المرحلة الجامعية، وجدت هناك حفاوة بالغة بالأستاذ سيد ومؤلفاته، مع احترام بالغ لتراثه، حتى إن بعض الكتب المدرسية كانت مادتها مستمدة من فكر سيد قطب مع أبي الأعلى المودودي، كما كان يكتب على غلاف تلك الكتب المدرسية وقتها.
وقد رأيت بنفسي مدرسة ثانوية في المدينة النبوية مكتوب على واجهتها ( مدرسة سيد قطب الثانوية).
• من عجائب الزمان أن يأتي زمان تمنع فيه كل كتب سيد قطب من التداول في المكتبات بالسعودية وغيرها من الدول العربية، وذلك بتوصيات رسمية، جعلت حرية الفكر مسألة أمنية..!
وقد بلغ الأمر أن يحاصر فكر سيد وأمثاله حتى في مواقع الشبكة العنكبوتية التي يبث فيه الفجور بأنواعه، و الفكر المحرم والمجرم بكل صنوفه..
• وقد حاول عملاء في صورة علماء تشويه فكره وشخصه، فتصدى لهم علماء كبار حقيقيون سلفيون، فدحروهم ونصروا سيدا بما يليق وبما هو به حقيق..
ومع أن فكر سيد قطب بالقطع ليس معصوما في كل تفاصيله، لأن كل فكر يؤخذ منه ويرد؛ فإن ما يؤخذ من فكره أضعاف أضعاف ما يرد، في حين أن شانئيه ومبغضيه يرد من أفكارهم أضعاف أضعاف ما يؤخذ..
لكن المقطوع به أن فكر السيد سيظل من سيد الفكر، لاقترانه بحقائق القرآن وأسراره، ولأن القارئ يتجول بتلك الظلال بين هدايات الكتاب العزيز وأنواره.
فرحم الله من عاش حميدا..
ومات – كما نحسبه – حرا حيا شهيدا..