د. عبد الغنى الغريب يكتب: زواج المساكنة
خرج علينا من لا وزن لهم في دنيا الناس اليوم يدعون إلى ما يسمى: بزواج المساكنة.
والمساكنة: هي شراكة منزلية، أو نوع من الحيل القانونية التي يستخدمها البعض لتجنب القوانين المُلزمة في حالة الزواج.
في تعريف آخر: هو عبارة عن نظام يعيش فيه شخصان أو أكثر معًا دون زواج، فيعيشان كزوجين في ممارساتهما، ولكنهما خارج الالتزامات والضوابط الشرعية والقانونية المعتادة في مجتمعنا.
أقول: بعد انهيار قيمة الزواج في المجتمعات الغربية واعتبارها عبئا قانونيا، فضّلت المجتمعات هناك التخلص منه، أو عدم تجربته، وفي وجود الحرية الجنسية التي تسمح لأي فردين بإقامة علاقة غير شرعية، اتجه كثير منهم إلى تبني مفهوم جديد لعيش الرجل والمرأة تحت سقف واحد بدون عقد زواج، مع إمكانية ممارسة العلاقة الزوجية بينهما وإنجاب الأبناء إن رغبا في ذلك.
إننا نقول: إن المساكنة ما هي إلا (خديعة) أخرى يوقِع الشباب أنفسهم فيها، ويورطون الفتيات اللواتي أصبحن الضحايا، وهن دائما ضحايا لأي سلوك لا أخلاقي، بالرغم من حرمته والنتائج الفادحة التي ترتبت عليه.
إن الإسلام دين الفطرة، يلائم دائما طبيعة الإنسان وغرائزه، ويلبى هذه الغرائز بوضعها في إطار مشروع.
وغريزة الجنس من أقوى الغرائز البشرية، لذلك اهتم بها الإسلام ووضع لها الطريق الطبيعي والأمثل للتنفيس عنها بالزواج.
من هنا أمر القرآن بالزواج (وَمِنْ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجًا لِّتَسْكُنُوٓاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍۢ لِّقَوْمٍۢ يَتَفَكَّرُونَ) الروم: ٢١.
#وقال أيضا:(وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ۚ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ). النور: ٣٢.
كذلك حث الرسول على الزواج وجعله نصف الدين، فقال صلى الله عليه وسلم: مَن تزوُّجَ فقدِ استَكْملَ نصفَ الإيمانِ فليتَّقِ اللَّهَ في النِّصفِ الثاني. البيهقى.
وقال: النِّكَاحُ من سُنَّتِي فمَنْ لمْ يَعْمَلْ بِسُنَّتِي فَليسَ مِنِّي، وتَزَوَّجُوا؛ فإني مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ، ومَنْ كان ذَا طَوْلٍ فَلْيَنْكِحْ، ومَنْ لمْ يَجِدْ فَعليهِ بِالصِّيامِ، فإنَّ الصَّوْمَ لهُ وِجَاءٌ. ابن ماجه.
أما الذين لا يستطيعون الزواج فقد وَجُهَهُم الإسلام وجهات أخر تَقِيهم شر الوقوع في الخطأ، ومن هنا كان قول ربنا: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ) النور ٣٣.
وجدنا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: يا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، ومَن لَمْ يَسْتَطِعْ فَعليه بالصَّوْمِ؛ فإنَّه له وِجَاءٌ. البخاري ومسلم.
وإذا كان الإسلام قد شرع النكاح، فقد حرم السفاح وحذر من مجرد الاقتراب منه، (وَلَا تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰٓ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلًا) الإسراء ٣٢.
(وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا). الفرقان ٦٨.
لذلك سدُ الإسلام كل الأبواب التي تؤدى إلى الزنا، فأمر بغض البصر، وفرض الحجاب، وحرم الاختلاط.
وإذا استحالت العشرة بين الزوجين، كان لا بد من التفريق بينهما، وحكمة هذا التشريع العظيم كما يقول الطاهر بن عاشور: ردع الأزواج عن الاستخفاف بحقوق أزواجهم، وجعلهن لُعباً في بيوتهم، فجعل للزوج الطلقة الأولى هفوة، والثانية تجربة، والثالثة فراقاً، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث موسى والخضر: فَكَانَتْ الأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَاناً، وَالثَّانِيَة شَرْطاً، والثَّالثَةُ عَمْداً، فَلذلك قال له الخضر في الثالثة: (هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنك).
وإذا كان هذا هو أهم مظاهر نظام الأسرة في الإسلام، فإن المجتمع الغربي قام على نقيض ما قام عليه المجتمع المسلم، فبينما قام المجتمع المسلم على أساس العفة والطهر وتقديس العِرض والشرف، واعتبار الزواج أساس بناء المجتمع، قام المجتمع الغربي على أساس السفاح والمخادنة والنظر إلى العِرض نظرة ازدراء، وسبب ذلك أن أوروبا قد داست على دينها بقدميها.
على منوالهم يحاول البعض من أبناء جلدتنا اليوم أن يسيروا نفس السير، ولكن هيهات لهم بعد أن كرم الإسلام المرأة وصانها.
فالبنت في طفولتها لها حق الرضاع، والرعاية، وإحسان التربية، وهي في ذلك الوقت قرة العين، وثمرة الفؤاد لوالديها وإخوانها.
وإذا كبرت: فهي المُعززة المُكرمة، التي يغار عليها وليها، ويحوطها برعايته، فلا يرضى أن تمتد إليها أيدٍ بسوء، ولا ألسنة بأذى، ولا أعين بخيانة.
وإذا تزوجت: كان ذلك بكلمة الله، وميثاقه الغليظ؛ فتكون في بيت الزوج بأعز جوار، وأمنع ذمار، وواجب على زوجها إكرامها، والإحسان إليها، وكف الأذى عنها. ﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا﴾ سورة النساء: ٢١.
وإذا كانت أماً: كان برُّها مقروناً بحق الله تعالى، وعقوقها والإساءة إليها مقروناً بالشرك بالله، والفساد في الأرض. ﴿ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ الإسراء: ٢٣
وإذا كانت أختاً: فهي التي أُمر المسلم بصلتها، وإكرامها، والغيرة عليها.
وإذا كانت خالة: كانت بمنزلة الأم في البر والصلة. فقد جاء في الحديث الشريف أنه أتَى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رجلٌ، فقال: إنِّي أذنبتُ ذنبًا عظيمًا، فهل لي من توبةٍ؟ فقال: هل لك أمٌّ؟ قال: لا، قال: فهل لك من خالةٍ؟ قال: نعم، قال: فبِرَّها. أخرجه الإمام أحمد.
وإذا كانت جدة أو كبيرة في السن: زادت قيمتها لدى أولادها، وأحفادها، وجميع أقاربها، فلا يكاد يُرد لها طلب، ولا يُسَفَّه لها رأي.
وإذا كانت بعيدة عن الإنسان لا يدنيها قرابة أو جوار، كان لها حق الإسلام العام من كف الأذى، وغض البصر ونحو ذلك.
اللهم ردنا إليك ردا جميلا يا رب العالمين