مقالات

د.علي محمد عودة يكتب: إمارة جبال الألب الإسلامية

إمارة جبال الألب الإسلامية.. مثال على حيوية أمة الإسلام

إمارة جبل القلال التي يتحدث عنها ابن حوقل فيقول: (ولجبل القلال الذي بنواحي إفرنجة بأيدي المجاهدين عمارة وحرث ومياه وأراض تقوت من لجأ إليهم ، فلما وقع عليه المسلمون عمروه ، وصاروا في وجوه الأفرنجة والوصول إليهم ممتنع لأنهم يسكنون في وجه الجبل، فلا طريق إليهم ولا متسلق عليهم إلا من جهة هم منها آمنون، ومقداره في الطول نحو يومين).

وهذه الإمارة الإسلامية هي التي تطلق عليها المصادر الغربية اسم فراكسينتوم Fraxinetum وهو اسم القلعة التي كانت قاعدة هذه الإمارة، والراجح أن هذه القلعة كانت تقع في نفس الموقع الذي تقع عليه حاليا قرية جارد فرينيةLa Garde-Freinet في سفوح جبال الألب في جنوب فرنسا، إلى الشمال من ميناء طولون الفرنسي. ويرجع تأسيس هذه الإمارة إلى جماعة من المجاهدين المسلمين الأندلسيين يقدر عددهم بعشرين مجاهداً، قذفت الريح بمركبهم فرسوا في سنة ٢٧٨هـ/٨٩١م على ساحل بروفانس Provence في خليج سان – توربيس Saint-tropes، فنزلوا إلى البر ليلاً وأغاروا على قرية تروبيس، ثم صعدوا في أحد جبال الألب ويسمى موروسMurus، واتخذوا منه قاعدة وبنوا قلعتهم الشهيرة، وبعثوا رسولاً إلى الأندلس يحث الراغبين في الجهاد على الإلتحاق بهم ، فتوافدت عليهم أعداد أخرى من الأندلس ومن شمال أفريقيا فشدوا من أزرهم وتوسعوا جميعاً في غاراتهم، ولم يلبثوا أن سيطروا على معظم الممرات التي تربط إيطاليا ببقية قارة أوربا عبر جبال الألب وبنوا المزيد من الحصون، وغزوا مناطق كثيرة في شمال إيطاليا وجنوب فرنسا وألمانيا، وبلغت غزواتهم بحيرة جنيف، وفرضوا الأتاوات على الراغبين في المرور بسلام عبر جبال الألب من الغربيين، وظلوا زهاء خمس وثمانين سنة يشكلون قلقاً شديداً للقوى الأوروبية المجاورة لهم. لدرجة أن أوتِّو ملك ألمانيا وأقوى ملوك أوروبا النصرانية في عصره أرسل عدة سفارات إلى عبدالرحمن الناصر في الأندلس يشكو من غزوات تلك الإمارة الإسلامية ويطلب كف المجاهدين عن غزواتهم لكن عبدالرحمن الناصر اعتذر بأنهم مستقلون عنه وأنه لا سيطرة له عليهم.

وكانت نهاية هذه الإمارة الإسلامية العجيبة بسبب ماحدث ليلة السادس من شوال سنة ٣٦١هـ/٢١ يوليه ٩٧٢م، عندما أسر المجاهدون المسلمون عددا كبيراً من الزوار الغربيين كانوا عائدين من روما إلى فرنسا عبر أحد ممرات جبال الألب، وكان على رأس أولئك الأسرى رئيس دير كلوني مايول Maiolud Of Cluny,، ولم يطلق المسلمون سراح مايول وأصحابه إلا بعد دفع فدية كبيرة وكان لتلك الحادثة دوي هائل في الغرب ، لا سيما في برجنديا وبروفانس، فتقدم المحاربون من تلك المناطق وغيرها وهاجموا إمارة فراكسينتوم، وبعد حرب ضروس دامت ثلاث سنوان قطع خلالها العبيديون في شمال افريقيا المدد البشري عن هذه الإمارة وتمكن المحاربون الفرنسيون من اقتحام تلك القلعة في سنة ٣٦٤هـ/٩٧٥م وقتلوا معظم المسلمين من أهلها ومن بقي على قيد الحياة فقد تعرضوا للإسترقاق وأُجبروا على التنصر.

د. علي محمد عودة

أستاذ متخصص في تاريخ الحروب الصليبية، وتاريخ العدوان الفكري الغربي على الإسلام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى