غير المتزن، وهو ذاك الذي يصل بالموقف، أياً كان هذا الموقف: حبًّا أو بُغضًا، عداوةً أو صداقةً، إلى أقصى أطرافه ونهاية مبلغه؛ مصيبة كبرى، وأداة تفريق وهدم في السياقات كلها: فكراً، وعلاقاتٍ، وسلوكاً.
تعصف به كلمة، وترضيه كلمةٌ مقابلة؛ متقلّب المزاج، فاقدٌ للبوصلة، غضوب هائج ضعيف الصحة النفسية، قليل التثبّت، قاسي العبارة، شديد الحكم، متسمٌ بالعجلة والحدة، له – كما تقول الأساطير – عقلُ ذبابة، وذاكرةُ سمكة؛ فعدوُّ الدين والدنيا لديه بالأمس، هو وليُّ الله الصالح، والحارس الأمين لمصالح المسلمين اليوم، ومن التشكيك في مراميه، ورفض حتى بعض مواقفه البينة المخالفة للصواب، معارضةٌ للعقل والدين، وفيها تأييد لسبيل المجرمين!
معوّج الفكر، سابقُ الطرح، عالي الصوت، مشحون العواطف، جمّاعٌ للنقائض، لا يملك معرفةً بتفصيل الأحكام، وتجزئة المواقف، ودوماً تجده في الصدارة، وكرسيّ القيادة، وموقع الأستاذية.
عدوّ التثبّت والدقة؛ لا وقت لديه لتجلية الحقيقة، ولا لاستكمال المعلومة. تسوقه عواطف الشارع، ورغبات الجماهير.
غير مفكّر بالعاقبة، ليس لديه خطّ رجعة، ولا كلمةٌ محفوظة، مسؤولة. تعبث به صفحات الميديا وبيئاته المحيطة.
مزيفٌ للوعي تحت أردية النضج وصناعة العمق، قاتلٌ للحكمة باسم الشجاعة، والبدار لقول الحق، والتصدّر لصيانة الحقيقة، وحتى قبل اكتمال ولادة ميلادها، وتبيُّن جنسها، ولونها، وحجمها، وصورتها!
تكذيبه بالمطلق كارثة؛ فلديه فيما يطرح أجزاء من ذِكر الحقيقة، وتصديقه بالمجمل مُضلِّل؛ فالصورة لديه ناقصة، وبخاصة حين يحدثك في أوقات الاضطراب، وأزمنة الفتنة.
يُعيشك في حيرةٍ مقلقلة، لا تستطيع توقّع مواقفه، ولا استشراف أطروحاته؛ فمرّةً تصفّق له، ومرّةً تريد أن تضربه!
التبرّي منه على الدوام لا يُحسن، فهو – بحسب الظاهر – من أهل الصدق والغيرة، وفي المقابل، فالركوب معه في سفينة واحدة جارٌّ بالمرء إلى دروب الحمق، ومسالك الردى والهلكة.
ولذلك كلّه، فالعاقل: من لا يصدّقه ولا يكذّبه، ومن لا يُسلّم له زمام رقبته، ومن لا يبني وعيه، ولا يؤسّس مواقفه على قوله، ومن لا يُبادر إلى السماع له، قبل أن يستكمل مشهد الحقيقة، ويستمع من أهل الخبرة، ومدقّقي المعرفة الكامنين خلف الصورة الظاهرة، فيكون – بعد ذلك – قادرًا على تمييز صدقه من مزاعمه، وحقيقته من مبالغاته، وصوابه من تعجّلاته المشوِّهة للحقيقة، المُسقِطة لضروب كثيرة من الحكمة، والحاجبة عن كثير من المواقف الرشيدة.
والله الهادي.