الخميس أكتوبر 10, 2024
مقالات

د. محمد الشرقاوي يكتب: حرب أكتوبر.. في دفتر ذكرياتي

مشاركة:

كنا طلابا في السنة الثالثة.. في كلية دار العلوم العريقة «التي تمثل صفحة مشرقة في تاريخ مصر الحديث».

 عقدتُ العزم مع صديقي وزميلي محمد عوض «من البعيرات – غرب الأقصر» على أن نخرج -معا- من مجاهل الصعيد… إلى… إلى فرنسا «إيْ وربي..إلى فرنسا!!!»

انطلقنا في إجازة الصيف.. من الصعيد إلى القاهرة.. إلى بني غازي بالطائرة «وكانت هي المرة الأولى التي نستقل فيها الطائرة!»،

ومن بني غازي إلى طرابلس بالباص.. على الطريق الساحلي.. وكان تخطيطنا أن نذهب من ليبيا إلى تونس.. ثم إلى الجزائر..

ومنها إلى «مرسيليليا – جنوب فرنسا»، وهناك نبحث لنا عن عمل بسيط مؤقت..ثم ننطلق إلى باريس.

في طرابلس جلسنا على مقهى شعبي، وجلس بجوارنا بعض الصعايدة، سلَّموا علينا ورحَّبوا بنا، وسألونا: متى وصلتم..وما هي حكايتكم؟ وهل حصلتم على عمل، وأين؟

قصصنا عليهم قصتنا، فضحكوا منا!!

وعرضوا علينا أن نبقى مدة أجازتنا معهم، في موقع عملهم…في مدينة الخمس الساحلية القريبة….وكان معهم مهندس المشروع وبعض الملاحظين والفنيين…وأغرونا بأنَّ عملنا معهم سيكون شكليا وأنَّ مالك المشروع رجل طيب جدا، وسيرحب بنا ويكرم وفادتنا.

وتحَّيرنا أما هذا العرض المباغت، الذي لم نتوقعه، ولم يدر بخلدنا..ولم يكن في تخطيطنا البتة.

قالوا لنا: اذهبوا معنا، وامكثوا معنا أسبوعا، وإنْ راق لكم الحال والمآل..ابقوا معنا..أوواصلوا رحلتكم!!

ذهبنا معهم، وقدمنا المهندس إلى مالك المشروع (بناء حي سكني في الخمس)..ورحب بنا الرجل ترحيبا كبيرا..وعندما علم أننا طلاب علم..وقد درسنا في الأزهر الشريف..سُر لذلك، وقال لنا: وجودكم معنا شرف وبركة، وأعطى تعليمات لمساعديه بأن يعاملونا كضيوف عليه، وليس كعمال أو أنفار.

واسم الرجل (أبو تركية) وقد أثر فينا كلامه وتعامله الكريم معنا، وكان الرجل يجلس معنا، ويسمع منا، ويطمئن علينا، ويقدم لنا الشاي الليبي المعروف الذي يصنعه لنا بنفسه، كل يوم تقريبا.

وبعد مرور أسبوع: قال لنا بلدياتنا الصعايدة الجدعان: يا شباااااب، هنا أفضل لكم من البهدلة في بلاد الخواجات، وقالوا: نحن نعرف ماذا ستعملون هناك…غسل صحون وبيع جرايد في البرد والصقيع!!

اقتنعنا بكلام أعمامنا الصعايدة الجدعان وبقينا معهم، وأعجبنا الحال والصحبة ومعاملة الحاج أبو تركية.. وحسن ضيافته.. وكريم قوله عن مصر والمصريين..وقررنا أن نبقى في ليبيا إلى منتصف شهر أكتوبر \ 1973م

وفوجئنا -كما فوجئ العالم كله- بعبور جيش مصر العظيم قناة السويس، وهجومه على تحصينات إسرائيل، وخط بارليف، والجبل الترابي الذي تحصنوا وراءه!!

ملأ الفخر نفوسنا، وما أعظم الشعور بالعزة بعد المهانة والذلة والانكسار!!

 لكننا…كنا نخشى أن تكون هذه البيانات العسكرية المجلجلة المزلزلة، من نوع بيانات أحمد سعيد – لا أعادها الله – في سنة 1967م!!!، فقد كنا – ونحن في الأقصر – نسمع بياناته وإعلاناته عن قرب دخول جيشنا تل أبيب، بينما كانت الطيارات الصهيونية تحلق فوق رؤوسنا…وأين..في الأقصر!!!

ما حدث في 1967م، أصابنا بالهزيمة النفسية، وزرع من قلوبنا الشك فيما يقال لنا ويذاع علينا، فكانت الكارثة مضاعفة، وكان البلاء كبيرا!!

وكنا نتناقش…وكان الليبيون يتناقشون معنا…وكان التخوف النابع من عدم الوثوق بما يذاع ويقال يخيفنا ويرعبنا!!

لكنها كانت أياما رائعة…وكان النصر مجيدا…وعادت إلينا الثقة التي فقدناها!!

وعدنا إلى مصر المنتصرة مرفوعة الرأس…وكانت مختلفة….تماما تماما…عن مصر التي تركناها منذ شهور!!.مصر التي تفخر بعرض أسراها من الضباط الصهيونيين في (أقفاص حديدية) أمام الشعب الذي استعاد كرامته وثقته في نفسه وفي جيشه…ولقد ذهبتُ لأرى- بنفسي – هؤلاء الأسرى الصهيونيين..ورأيت من بينهم الضابط المشهور (عسَّاف) وهو في القفص!!

لقد كان السادات ومَن معه، رجالاً…ثم كان منه – فيما بعد – ما كان!!

Please follow and like us:
د. محمد الشرقاوي
أستاذ الفلسفة الإسلامية، والدراسات الدينية والاستشراقية في جامعه القاهرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *