بعد وقوع آدم وزوجه عليهما السلام في المعصية وأكلهما من الشجرة التي نهاهما ربهما عن الاقتراب منها، وبعد أن بدت لهما سَوءاتهما، فقد عَلِما بغضب الله تعالى وعدم رضاه عن فعلهما، عند ذلك لم يملكا إلا أن يقفا عند ذنبهما طويلًا وهما يستغفران الله تعالى ويتوسلان إليه:
{قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} الأعراف/23، لكنهما قد سبقت إليهما كلمة ربهما بأنّ العقوبة ستكون الخروج من هذه الجنة الرغيدة، إلى أرض يكدّون فيها ويكدحون:
{قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ} الأعراف/24.
والحجيج عندما يقفون بعرفة في كل عام فإنهم يقفون مُحرِمِين طائعين لله، ويمتنعون عن بعض ما أحلّ الله تعالى كالجماع، والطيب، وقصّ الأظفار والأشعار، ولا يلبسون الملابس المخيطة، ويتشبَّهون بأبيهم آدم عليه السلام، فلا يلبسون إلا ما يستُر سَوءاتهم وعَوراتهم، وهو نفسه ما فعله آدم وزوجه عليهما السلام عندما بَدَت لهما سَوءاتهما، وأخذا يخصفان عليهما من ورق الجنة، بعد أن وقعا في معصية الله تعالى.
ويفعلون كما فعل أبوهم آدم وأمهم حواء عليهما السلام، فيقفون بعرفة وقوف استغفار وندم وتوبة، في نفس المكان الذي وقفا به قبل مفارقة الجنة والهبوط منها إلى مِنى ومكة تائبَين نادمَين على ما كان منهما من الاغترار بوساوس الشيطان، ومعصية الله تعالى.
وبعد هذا الاستغفار والتوسل إلى الله تعالى وزوجه عليهما السلام، فإنّ الله يقبل توبتهما، ويرحم ضعفهما، فقد تلقّى آدم عليه السلام من ربه كلماتٍ لابُدَّ له من القيام بها ليقبل الله توبته:
{فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} البقرة/ 37.
والوقوف هنا ليس معناه القيام والانتصاب كما يظن البعض، ولكنه السكون، والثبات، والتوقُّف، وحَبسُ النَّفس، ولزوم المكان، كما في قول الله تعالى:
{وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ} الصافات/24، أي أوقفوهم واحجزوهم للسؤال.
ووقوف الحجيج بعرفة أي مكوثهم في عرفة للاستغفار لذنوبهم، والإنابة إلى ربهم، والعزم على الطاعة والتقرّب إلى الله تعالى، فهي وقفةٌ يُراجع الحجيجُ فيها أعمالهم، وهي وقفةُ محاسبةٍ للنفس، طمعًا في مغفرة الله لهم، وقبول تربيتهم.