بحوث ودراسات

د. وليد عبد الحي يكتب: الدراسات النفسية لشخصية بنيامين نتنياهو

المقدمة:

يمكن اعتبار نظريات سيغموند فرويد، في التحليل النفسي بشكل عام، هي الأساس الذي بنيت عليه دراسات التحليل النفسي للقادة السياسيين على اختلاف أنماط توجهاتهم السياسية، وتباين بيئاتهم الاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والاقتصادية.

ويمكن اعتبار هارولد لاسويل، وفيكتور وولفينشتاين، الأبرز في نطاق نقل نظريات فرويد إلى مجال التنظير في دراسات علم نفس القادة السياسيين تحديداً.

فقد قسم لاسويل القادة السياسيين إلى ثلاثة أنماط: المهيجون؛ وهم من يتصفون بالنرجسية، ويتشبثون بقناعاتهم الأيديولوجية، ويميلون كثيراً للانجذاب الجماهيري لهم.

والنمط الثاني هم الإداريون، وهم من يجعل من رغباته الشخصية ذات طابع عام، ويركز على الإنجاز.

أما النمط الثالث فهم المنظّرون، وهم الذين تسيطر عليهم الشكوك ويدققون في التفاصيل، ولديهم نزوع دائم للمعرفة، نتيجة عمق الشكوك لديهم في كل شيء.

أما وولفينشتاين فقد ركَّز على عقدة أوديب لدى الشخصية الثورية، ولكنه اتكأ في تحليله على نموذج إريك إريكسون، في تقسيمه لمراحل العمر إلى ثمانية مراحل، مع توصيفها بشكل قريب من نموذج إريكسون،

وهي: المرحلة الفمية، والشرجية، وتحسس الأعضاء التناسلية، والكمون، والمراهقة، والشباب المبكر، والشباب المكتمل، وأخيراً النضوج، ويتم التركيز في دراسة القائد على كل مرحلة، مع التركيز على أهم ملامح كل مرحلة، والتي تشكل نقطة مركزية في المرحلة، مثل مرحلة الرضاعة، ومدة الرضاعة، والإشباع…إلخ، أوالمرحلة الشرجية؛ الإصابة بأمراض كالإمساك في مرحلة الطفولة أوالرضاعة…إلخ، وهكذا.

ويتم اعتبار المراحل الأولى ذات أهمية قصوى لأنها تؤسس لبناء الشخصية ولآليات تكيف الشخصية مع معطيات المراحل اللاحقة، وتنحصر هذه المرحلة في الأعوام الخمس الأولى من حياة الطفل.

وتكمن أهمية هذه الدراسات في أنها تساعد على فهم، قدر الإمكان، الخلفية النفسية لردات فعل القائد على ما يواجهه من تعقيدات الحياة السياسية، وبالتالي التنبؤ بكيفية مواجهته لمثل هذه الأوضاع مستقبلاً، مع ضرورة التنبه إلى أنه كلما كان النظام السياسي أكثر مؤسسية كان تأثير الفرد القائد أقلّ، بينما في النظم غير المؤسسية والتي ينفرد فيها فرد أوعدد محدود من الأفراد في عملية صنع القرار، تكون جدوى التحليل النفسي أكبر من حيث القدرة على التنبؤ.

هدف هذه الدراسة:

تسعى هذه المحاولة البحثية إلى لفت الانتباه أولاً لضرورة دراسة الجوانب النفسية لقادة الكيان الصهيوني، وهي دراسات قليلة للغاية في الأدبيات السياسية العربية، ولعل دمج مثل هذه الدراسات في مصفوفة التنبؤ لسلوك الكيان السياسي الصهيوني يجعل الوعي بسياساته أكثر دقة، ولعل الدراسة التي قامت بها مجموعة من علماء النفس الأمريكيين لشخصية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قبل تولّيه السلطة، تمثل النموذج الأحدث لأهمية هذه الدراسات خصوصاً مصداقيتها العلمية.

 وسنعمل في هذه الدراسة على دراسة رئيس الوزراء الصهيوني الحالي بنيامين نتنياهو، استناداً لعدد من الدراسات النفسية الصهيونية والغربية، ثم العمل على تحديد النقاط التي اتفقت عليها هذه الدراسات، والتي ستكون هي الأساس للتنبؤ بردات فعله وتوجهاته المستقبلية.

منهجية التحليل:

نظراً للكم الكبير من المعلومات والبيانات حول الأبعاد النفسية لشخصية نتنياهو، سنحاول أن ندمجها في أبعاد خمسة هي:

أولاً: ركائز بنيته النفسية.

ثانياً: انعكاس البنية النفسية في شخصية نتنياهو.

ثالثاً: سماته الوظيفية.

رابعاً: أسلوبه القيادي.

خامساً: انعكاس بنيته النفسية على سلوكه في الصراع العربي الصهيوني.

أما النموذج التحليلي ال، في أغلب هذه الدراسات فهونموذج الدليل التشخيصي والإحصائي للجمعية الأمريكية للطب النفسي.

ويقوم هذا النموذج على التركيز على «السلوك المتكرر» للفرد من خلال رصد قائمة الأبعاد الشخصية وقياسها على أسس ثلاثة، هي الأفكار، والمشاعر، والأعمال، ويتم ذلك بعد جمع المعلومات عن الشخصية، ثم تصنيف هذه المعلومات، وأخيراً تحليلها.

وكانت مصادر المعلومات عن شخصية نتنياهوفي هذه الدراسات: ما كتبه نتنياهوأوالدراسات العلمية حول شخصيته، والمقالات الصحفية والمقابلات التي تمّ نشرها في الصحف الصهيونية من 1985 إلى 2.2.، ثم معلومات نقلها العاملون معه من الموظفين وخصوصاً المستشارين منهم الذين عملوا معه. وقد تمّ تقسيم المادة العلمية إلى بعدين: مضمون المعلومة (الفكرة المركزية ودلالتها)، ثم نوعية المعلومة وتتعلق بخمسة جوانب هي: تطوّر الشخصية عبر مراحل العمر، والعلاقة مع الأسرة، وممارسته الوظيفية، وأسلوب قيادته، وصفاته الشخصية. وقد تفاوت عدد المؤشرات التي تمّ قياسها ودراستها بين الدراسات المختلفة لشخصية نتنياهو، وبلغت في بعضها 22 مؤشراً مثل دراسات شاؤول كيمحي الذي تتبع شخصية نتنياهو خلال فترتين تمتدان من نهاية التسعينيات تقريباً إلى سنة 2.17، وهي الفترات التي كان في أغلبها رئيساً للوزراء.

التحليل:

استناداً إلى المنهجية التي أشرنا لها والنموذج التحليلي ال،، وبمقارنة الدراسات المشار لها في قائمة المراجع في نهاية هذه الدراسة، سنركز على السمات المركزية المتفق عليها بين كل هذه الدراسات، ثم سنعرض لبعض الوقائع الكاشفة للسمات المركزية من خلال تفاصيل حياة نتنياهو العامة والخاصة، ليكون ذلك أساساً نضعه بين أيدي الباحثين للمساعدة على دمج هذا الجانب في مصفوفات التنبؤ للسلوك الصهيوني بشكل عام، وسلوك نتنياهو بشكل خاص.

أولاً: ركائز بنية نتنياهو النفسية:

يرى علماء النفس أن هناك وقائع في حياة كل فرد تمثل الخلفية التي تتحكم بقدر كبير في سلوكه العام، ولكن هذه الوقائع أحياناً يعيها الفرد ولكن لا يتنبه لتداعياتها في نسج خيوط شخصيته، وفي أحيان أخرى تكون هذه الوقائع غائرة في «اللاوعي» الفردي خصوصاً ما كان في مراحل العمر الأولى، وليس من اليسير ربط تصرفاته اللاحقة مع تلك الوقائع الغائرة في اللاوعي إلا من خلال منهجية التحليل النفسي وآلية التداعي الحر.

وعند مراجعة ما اتفقت عليه الدراسات الخاصة بنتنياهو، نجد أربعة أبعاد تركت فيه بصماتها وشكلت سلوكه العام والخاص:

1- الوالدان:

ولد بنيامين نتنياهو سنة 1949 لرجل بولندي الأصل هوبن صهيون مايلكو ويسكي الذي كان والده (جد بنيامين) ناثان حاخاماً، لكن بن صهيون كان علمانياً، وكان من كبار مساعدي القيادي الصهيوني المتطرف زئييف جابوتنسكي، ومن الداعين إلى تهجير الفلسطينيين إلى خارجها لتبقى دولة يهودية نقية، وقام بتغيير اسمه البولندي إلى نتنياهو.

لكن هذا الأب كان محبطاً من عدم القدرة على الاندماج مع المجتمع الأمريكي الذي عاش فيه كمؤرخ، ولم يتمكن من إيجاد العمل الذي يراه يشبع طموحه على الرغم من أنه مارس التعليم في جامعة كورنيل الأمريكية. وكان بن صهيون صهيوني يميني، تخصص في التاريخ اليهودي لا سيّما في إسبانيا، وهومن المؤمنين بفكرة «إسرائيل الكبرى»، ولكنه بعد رفضه من قبل الجامعة العبرية في القدس للعمل فيها، انتقل ثانية إلى الولايات المتحدة، وكان طوال حياته يحمل ضغينة مريرة ضدّ مؤسسة حزب العمل والنخب الفكرية في «إسرائيل».

وقد زرع الأب في أبنائه فكرة أن الكل «عدوله»، وقد تركت هذه الفكرة آثارها العميقة على بنيامين منذ نعومة أظافره وأصبح يرى أن المؤامرة موجودة في كل مكان، وأن العالم قاسٍ بدرجة كبيرة، وزرع الأب في أبنائه فكرة أن لا مكان فيه للإيثار أوالعمل الخيري أوالصداقة الحقيقية، وأن البشر يعيشون في صراع دارويني مستمر من أجل البقاء.

كما تشرّب بنيامين من والده الشعور بأنه دخيل على المؤسسة السياسية، وغلب عليه الشعور في البداية على أنه معزول بالرغم من تميزه (الذي يعتقده هو)، لذلك رأى أن جميع زملائه السياسيين منافسين له بل انتقم ممن استشعر معارضتهم له.

ولعل عمق إيمانه بالمنظور الدارويني الذي زرعه الأب في أبنائه يفسر رؤية بنيامين بأن غالبية العرب، بمن فيهم عرب 1948، يشكلون تهديداً وجودياً لـ«إسرائيل»، واتسع مضمون هذه الفكرة (التهديد الوجودي) ليشمل أركان العالم كله، وتتجسد هذه الفكرة من خلال تكرار بنيامين نتنياهوالمتواصل لأفكار كانت هي الأعلى في التكرار، بعد تحليل مضمون خطاباته وتصريحاته وما ورد في كتاباته،

وتتمثل هذه الأفكار المركزية في منظومته المعرفية في التالي:

‌أ- اعتبار الأمن الصهيوني مهدداً من كل حدب وصوب.

‌ب- «الإرهاب» الفلسطيني.

‌ج- معاداة السامية.

‌د- الخطر الإيراني وحزب الله.

‌هـ – معاداة الأمم المتحدة ل«إسرائيل».

‌و- التذكير بالهولوكوست النازية.

‌ز- أن أوروبا تفشل في فهم «التهديد» الذي تتعرض له «إسرائيل».

وترى الدراسات النفسية الخاصة أن كل هذه الأفكار الأكثر تكرار في خطاباته، هي نتيجة للفكرة التي غرسها الأب في ذهنه، وهي أن «كل العالم يكرهنا»، لذا فإن أي نقد ل«إسرائيل» هوجزء من «العالم يكرهنا».

وعند الانتقال لدور أمه زيليا، وكانت متزوجة من نوح بن توفيم قبل زواجها من والد نتنياهو، فإننا نجد أن تأثيرها كان في جانب آخر وهوتدريب أبنائها على «الانضباط وممارسة القوة» من ناحية، كما زرعت فيهم إحساس النجاح مستقبلاً من ناحية ثانية.

لكن الأسرة ككل كانت تعيش تحت مشاعر الإحساس بالعزلة والاضطهاد والشكوك في من حولهم. وكان بنيامين الابن الأكثر ميلاً نحوالعزلة والسعي الدائم للتفوق (وظهر ذلك بعد عودته إلى الولايات المتحدة مع الأسرة، ثم عاد ل«إسرائيل» وعمره 18 عاماً لأداء الخدمة العسكرية).

خلاصة الأمر أن الوالدين زرعا في ابنهما بنيامين نتنياهو مسألتين: كراهية الآخر غير اليهودي، ثم أن الصراع بمفهومه الدارويني هوالظاهرة الطبيعية في هذا الكون، لذا فإن ممارسة القوة ضدّ ذلك الآخر هي أمر طبيعي، بغض النظر عن مدى «شرعية هذه القوة»، فالتاريخ تصنعه «الأحذية الثقيلة» كما قال جابوتنسكي الذي ارتبط بعلاقات وطيدة مع والد بنيامين.

2- شقيقه الأكبر:

كان والد ووالدة بنيامين يوليان عنايتهما الأولى لابنهما الأكبر يوناتان، ومعلوم أن الأب أوالأم يعطون الأولوية في الرعاية للابن الأكبر، وهوأمر يترك بعض الأثر لدى الأخ الذي يليه في الترتيب، فإذا تعرض هذا الابن الأكبر لما يغيبه أويجعله غير مؤهل يتم الانتقال للابن الذي يليه، وهوما وقع مع بنيامين، فبعد مقتل أخيه الأكبر خلال قيادته فرقة إسرائيلية ذهبت إلى إنقاذ رهائن في عينتيبي في أوغندا سنة 1976، وكانوا تحت سيطرة خلية من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ترك الحدث الأثر الأكثر وقعاً على بنيامين الذي كان يدرس في الولايات المتحدة، لكن بنيامين استثمر مقتل أخيه من نواح ثلاث: الأولى الاستغلال السياسي للحدث لتحقيق أهداف ذاتية في مجال الارتقاء في السلّم السياسي، ومن ناحية ثانية تعميق الشعور بكراهية العرب لديه بسبب أنهم قتلوا شقيقه، ثم تأكيد فكرة المنظور الدارويني لديه، أي أن البقاء للأقوى.

3- حياته العسكرية:

شارك بنيامين نتنياهوفي العديد من الاعتداءات العسكرية على دول عربية بعد حرب 1967(شارك في معركة الكرامة 1968، وفي الهجوم على مطار بيروت في السنة نفسها، وفي حرب الاستنزاف على الجبهة المصرية، بل كاد يموت غرقاً في قناة السويس خلال مشاركته في عملية دمر فيها المصريون أحد قوارب عملية تسلل عسكرية إسرائيلية، إلى جانب عدد آخر من العمليات سنة 1972)، على الرغم من أن الأب كان ميالاً أن ينخرط أبناؤه في السلك الديبلوماسي خصوصاً في وزارة الخارجية، وكان نتنياهو وشقيقه الأكثر تطرفاً يشعران ببعض التناقض في سلوك والدهما بأنه مدافع قوي عن الصهيونية ولكنه مصر على الإقامة في الولايات المتحدة.

4- اضطرابه العاطفي:

إن تتبع الحياة الزوجية لبنيامين نتنياهو تكشف عن شخصية لا ترى في الخداع (كما سيتضح لاحقاً) أي شائنة، فعلاقاته مع زوجاته يغلب عليها الخيانة الزوجية، والكذب والتحايل على الزوجة والمجتمع في حالة افتضاح أمره، والذي أكدته وقائع الفساد التي يلاحق قضائياً حولها في الفترة الحالية، والمتمثلة في «الرشوة، والتزوير، وخيانة الأمانة».

لقد اقترن بزوجته الأولى مريم وايزمن، التي تعرف عليها في «إسرائيل»، وهي متخصصة في الكيمياء، ثم ذهبت إلى الولايات المتحدة لاستكمال الدراسة في الوقت نفسه الذي كان نتنياهوهناك، وتزوجا في السبعينيات من القرن الماضي وأنجبا ابنة سنة 1978. لكنه أثناء حمل زوجته الأولى، تعرف في مكتبة الجامعة على فتاة بريطانية هي فلور كيتس وأقام معها علاقات،ية، وهوما دفع زوجته الأولى لطلب الطلاق، فتزوج نتنياهوعشيقته سنة 1981، التي أعلنت اعتناقها لليهودية، ولكنه طلقها بعد ثلاث سنوات. بعد ذلك تعرف على مضيفة طيران هي سارة أرتزي، وأنجبت منه ولدين.

وتتفق مختلف الدراسات على أن سارة، زوجته الحالية، معروفة «بسلوكها غير المنتظم وغير المستقر أحياناً»، إذ تتسم علاقاتها بالخشونة تقريباً مع خادمات المنزل، وقد تمت مقاضاتها من قبل العديد من المربيات، كما أن علاقاتها مع الصحف الصهيونية فيها قدر من الحديَّة. وتشير الدراسات في مواضع مختلفة إلى أنها تزوجت نتنياهووهي حامل لكنها لم تخبره لأنها كانت تخطط «لصيده»، بعد أن استشعرت أنه لا يعتزم الزواج منها. وتكرست شكوكها نحوه سنة 1993 كما سنرى.

في كل ما سبق يجب التنبيه إلى ممارساته الخيانية لزوجاته، فزوجته الأولى اكتشفت وهي حامل، وجود شعرة شقراء على ملابسه، وأصرت على معرفة مصدرها، لكنه راوغها مما دفعها لطرده من البيت لينتهي الأمر بالطلاق، لكنه عندما وضعت مولودها أرسل لها “باقة ورد” دون أن يزورها….

وفي سنة 1993، تلقت سارة اتصالاً هاتفياً يبلغها فيه المتحدث أن لديه شريط فيديوعن علاقات،ية لنتنياهو، يخونها فيه مع مستشارته للعلاقات العامة واسمها روث بار، وتضمنت المكالمة الهاتفية المجهولة تهديداً، مضمونه بأنه ما لم ينسحب نتنياهو من سباق زعامة الليكود سيتم توزيع الشريط للصحافة، وبعد عودة نتنياهو إلى المنزل، قامت سارة بمواجهته بالمكالمة، فاستسلم وبكى ندماً ثم ذهب إلى التلفزيون الصهيوني ليعترف أمام الملأ بأنه خدع زوجته سارة، ثم تبين لاحقاً أنه لم يكن هناك شريط فيديو للواقعة التي جرى تهديده بها، لكن نتنياهوأدرك خطورة تداعيات موضوع خيانته الزوجية على مستقبله السياسي، وقبل أن تتمكن «المافيا السياسية» التي صنعت فكرة الشريط بشكل مثير للدهشة من «ابتزازه»، تمكن بدموع البكاء على التلفزيون في أوقات ذروة الحديث عن موضوع خيانته، من التأثير على مشاعر أنصاره ومداراة جراح الزوجة، وهو ما أفسد خطة خصومه لمنع وصوله لزعامة الليكود، ودفع زوجته سارة للقول بأن «روث بار امرأة فاسدة وأن نتنياهو كان ضحية لها».

ويرى الباحثون في سيكولوجية نتنياهو، في هذا الجانب، أنه يتعامل مع زوجته سارة «بصبر وتسامح رغم الضعف الشديد في ارتباطهما ال،ي، وأن الدافع لذلك هو الخوف لديه أن يؤثر ذلك على هدفه المركزي وهو البقاء في قيادة الليكود».

ثانياً: انعكاس البنية النفسية على شخصية نتنياهو:

من الضروري الإشارة إلى أن هذا الجانب يركز على السلوك المتكرر في إطار البيئة الأوسع من الأسرة، أي نمط علاقاته مع البيئة السياسية والمجتمعية وغيرهما، وقد اتفقت الدراسات على الملامح التالية:

1- النرجسية:

وتتضح في المؤشرات التالية التي نرى فيها تماثلاً إلى حدّ بعيد مع نتائج تحليل شخصية الرئيس الأمريكي السابق ترامب، وهو ما يفسر جزئياً هذا التقارب والمديح المتبادل بين الشخصيتين:

وتتمثل مظاهر النرجسية عند نتنياهو في التالي:

‌أ- نجاحه الشخصي أهم من الاعتبارات الأيديولوجية.

‌ب- لديه أوهام القدرة على الإدراك أكثر من غيره.

‌ج- النزوع لاستغلال العاملين معه لمصلحته الذاتية.

‌د- من الصعب أن تجده يمتدح أي فكرة يطرحها الآخرون.

‌هـ- لا يميز بين شأنه الخاص والشأن العام خصوصاً في الجوانب السياسية.

‌و- غالباً ما يتأخر عن الاجتماعات، خصوصاً مع الزعماء، ولا يكترث بآثار سلوكه هذا على الآخرين، بالرغم من أنه يدرك تأثير ذلك ودلالته الدبلوماسية.

‌ز- يتقبل المساعدات من أي جهة بما فيها من يخالفونه الرأي، إذا وجد أن في ذلك مصلحة له.

‌ح- إصراره على أن يكون في المقدمة في أي ميدان، ولا يستسلم بسهولة لغير طموحه.

2- العدوانية والمراوغة:

فهو مقتنع أن ميدان العلاقات الدولية محكوم بقانون الغابة، ويرى أن من حقه استخدام أي أسلوب للوصول لأغراضه. ولا يتورع عن سحق خصومه حتى ممن معه في قيادة الحزب. ومن مؤشرات ذلك، التي ورد أغلبها على لسان من عملوا معه خصوصاً من مستشاريه:

‌أ- الهجوم الاستباقي على الشخصيات الحزبية التي يتحسس احتمال منافستها له مستقبلاً بطريقة مباشرة أوغير مباشرة.

‌ب- يتخلى عن حلفائه إذا استشعر أنهم سيؤثرون على مكانته.

‌ج- يستخدم موظفيه في أعمال قد تثير ردات فعل سلبية من الجمهور، فإذا نجحوا في المهمة التي كلفهم بها يستمر في توجهه، وإذا فشلوا يتخلى عنهم وينكر صلته بهم.

‌د- ارتباطه بالأشخاص مرهون بمدى استفادته الآنية منهم.

3- عدم المصداقية:

يميل للكذب والتنصل من أي وعود يقطعها لغيره وغير موثوق به، ويرى الخداع أمراً مقبولاً في السياسة. ولا يخالجه أي تأنيب ضمير، وحتى حين يقول الحقيقة فإنه يبدو«غير مقنع».

وقد أوردت المراجع المتخصصة، المشار لها في قائمة المراجع في هذه الدراسة، عدداً كافياً من التصريحات أو التسريبات عن كذب وغش نتنياهو لبعض الزعماء، مثل الرئيس المصري السابق حسني مبارك، والرئيسين الأمريكيين بيل كلينتون وباراك أوباما، والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، حيث أكد كل هؤلاء في مناسبات مختلفة أنه يكذب أو كذب عليهم.

4- براغماتية العلاقات الشخصية:

تتسم علاقاته الشخصية بأنها «نفعية»، ولا يميل للعلاقات الحميمية، وهو غير اجتماعي وانسحابي وغير مت، مع غيره، لا يقيم علاقات إلا مع من يتوسم فيهم المنفعة، فإذا انتهت المنفعة لا ضير لديه بإنهاء العلاقة، وهذا لا يعني أن ليس لديه أصدقاء، لكن صداقاته «قابلة للانتهاء سريعاً».

الشك: يغلب عليه الشعور بعداء الآخرين له وبأنه «ضحية»، ويميل لتفسير الأحداث بأنها «ضده» ثم يعممها على المجتمع، ويرى في أصدقائه «خونة محتملين»، وهوما يفسر نزوعه الدائم للقراءة والمتابعة العلمية والاعتناء بالتفاصيل طبقاً لنموذج هارولد لاسويل في تقسيمه للقادة السياسيين، وقد ورد في أوصافه على لسان بعض مستشاريه: «إنه ليس شخصاً عقلانياً جداً، إنه ضعيف للغاية، وغير موثوق، ومنغلق للغاية، لديه عدد قليل جداً من الأصدقاء المقربين ومن الصعب أن يثق بأحد حتى بزوجته»، وقال مستشار آخر «لديه نوع من عقدة النقص منذ مرحلة مبكرة، وهويحاول دائماً إثبات نفسه نتيجة شعور بنقص في الأمن في شخصيته، وخلال الوقت الذي عملت معه، كاد يرتكب أخطاء سخيفة في كثير من الأحيان، وفي بعض الأحيان عندما لم نقم بإيقافه، كان يرتكبها بالفعل».

ثالثاً: سماته الوظيفية:

1- العمل تحت الضغط:

يختلف سلوك بنيامين نتنياهو تحت الضغط من حيث الموقف الذي يواجهه. فإذا كان مصدر الضغط معروفاً له، فإن نتنياهو تتملكه مشاعر السيطرة، ومن غير المرجح أن يرتجل ويعمل على وضع عدد من الخطط البديلة.

وهو يظل هادئاً في مثل هذه الأزمات ويتعامل مباشرة مع المشاكل ويركز على القضية المركزية، ويغلب عليه في هذه الحالات الشعور بالقدرة على السيطرة على الموقف حتى في اللحظات الصعبة. كما أظهر في المقابلات التلفزيونية قدرة عالية على التعامل مع الأسئلة الصعبة وتوجيه المناقشات.

أما في حالة الظروف المفاجئة فإنه يكون أكثر قابلية للخضوع، (فمثلاً عند فشل محاولة اغتيال خالد مشعل في العاصمة الأردنية واعتقال الأردن لاثنين من الموساد بدا عليه الارتباك الشديد، بل إنه هو من اقترح إخلاء سبيل الشيخ أحمد ياسين، وهوأمر من غير الممكن أن يفعله في الوضع الطبيعي).

كذلك فإنه يكره العمل الروتيني لكنه يعكس ردود فعل عضوية في حالة مواجهته أزمة مستعصية، لكنه لا يعترف بالتعقيدات ويكبتها، مما يتسبب له في آلام عضوية خصوصاً في المعدة.

2- الأداء المعرفي:

إنه ذكي، لديه ذاكرة قوية وقدرة تحليلية عالية، قارئ واسع الاطلاع، يميل لدعم رأيه باقتباسات للمفكرين والشخصيات المرموقة. لديه حضور وتأثير على من يستمع له من خلال بعض سماته الكاريزمية وقدرته الخطابية، ولديه قدرة على الإقناع خصوصاً للجمهور المتحدث بالإنجليزية.

3- الحياة الترفيهية:

يميل للحياة المرفهة من كافة جوانبها وبشكل مفرط، خصوصاً من حيث السفر، والتنزه، والطعام، والمشروبات الروحية، واختيار المنتجعات والفنادق المكلفة جداً، وبعد أن أصبح رئيساً للوزراء أصبح ميالاً لاستثمار منصبه من خلال طلب الخصومات من الفنادق أوالأماكن التي يرتادها، معتقداً أن وجوده في هذه الأماكن يشكل نوعاً من «الدعاية التجارية» التي لا بدّ من حصوله على مقابلها، بل إن واقعة إحضاره وزوجته لملابسهما إلى مصابغ البيت الأبيض لتنظيفهما تعزيز لفكرة استثماره لموقعه السياسي إلى أبعد الحدود.

رابعاً: أسلوبه القيادي:

1- الإدارة وأسلوب العمل:

يميل للعمل المنفرد ولا يحبذ الاستعانة بالخبراء، يفوّض بعض المهام لبعض مساعديه لكنه حازم في إدارة العمل، ولديه نزعة قيادية حادة وغير ديمقراطية، لا يستشير الآخرين (باستثناء مستشاريه الشخصيين) ويستخدم المطيعين له «Yes Man»؛ وكثير ما يقطع وعوداً متضاربة، ويستخدم تكتيكات وراء الكواليس تتعارض مع وعوده (وكثيراً ما يصف خصومه الداخليين بأنهم حزب الله).

2- علاقاته بوسائل الإعلام:

 لديه قدرة على التلاعب وتوظيف وسائل الإعلام خصوصاً التلفزيون.

3- المفاجآت تربكه كثيراً في اتخاذ القرار:

وهو ما لاحظناه في واقعة محاولة اغتيال خالد مشعل في الأردن سنة 1997 التي أشرنا لها.

خامساً: موقفه في الصراع العربي الصهيوني:

اتضح لنا من خلال المؤشرات السابقة أن كراهيته للعرب ليست منفصلة عن كراهيته للآخر، ويقوم منظوره الديني والسياسي في الموضوع الفلسطيني على:

1- حق اليهود في العودة.

2- يستبعد أن ينتهي العداء العربي ل«إسرائيل» في الجيل الحالي.

3- لن يقبل العرب بـ«إسرائيل» إلا بالقوة.

4- أما دينياً فهو علماني تماماً، ولا يرى الدين إلا من خلال التاريخ اليهودي.

5- إن كراهيته للعرب ليست منفصلة عن التأثير الكبير للأب ذي النزعة الجابوتنسكية كما ذكرنا، والتي تتمثل في الميل للعنف مع الآخر دون أي رادع أخلاقي مستنداً على منظور دارويني مطلق، كما أن مصرع أخيه في عنتيبي عزّز عدوانيته.

6- إن مَيله للكذب سواء في نطاق علاقاته الزوجية أم في تعامله مع الرؤساء مؤشر على أن وفاءه بالوعود السياسية هو أمر ثانوي بالنسبة له، وتدل طريقة تفكيره التي أشرنا لها إلى أنه يصعب تغيير مواقفه وقناعاته، فهو يرى الكذب في السياسة أمراً مشروعاً، وهو ما يتضح في أن مراقب الدولة الصهيونية أورد في تقريره أن نتنياهو قد أخفي معلومات أساسية متعلقة بتهديد أنفاق قطاع غزة عن أعضاء المجلس الوزاري الأمني المصغر قبل حرب غزة في سنة 2014، يضاف لأكاذيبه تلك المواعيد المختلفة التي يحددها بين الحين والآخر عن الفترة التي سيكون فيها لدى إيران قنابل نووية، والتي تتغير في كل مرة بعد تجاوز تاريخ تلك المواعيد والاعتماد على ضعف ذاكرة الجمهور، ناهيك عن وقائع أخرى مثل الحديث عن مواقع مخازن أسلحة حزب الله قرب مطار بيروت…إلخ..

7- نظراً لعمق شكوكه في كل شيء، تجمع الدراسات على أنه غير قادر على تقديم أي حلّ للصراع العربي الصهيوني.

تنبؤات بناء على التحليل:

يستوجب عند تحليل شخصية نتنياهو، عدم إغفال دور المؤسسات السياسية في تطويع بعض سمات شخصية القائد السياسي، وهو أمر يعتمد بشكل كبير على طبيعة بنية النظام السياسي لكل قائد، لكن عدم وضع شخصية القائد ضمن تحليل النظام السياسي بمدخلاته ومخرجاته أمر يقود إلى خلل في التحليل. وعليه، من الضروري دمج المعطيات الواردة في هذه الدراسة مع البيئة المحلية، والإقليمية، والدولية للوصول إلى نتائج أكثر دقة.

أما بخصوص الجانب النفسي لنتنياهو، يمكن تحديد مؤشرات سلوكه المستقبلي في الآتي:

1- لن يتخذ قرارات إستراتيجية بخصوص حلّ الصراع إلا إذا كانت تدعم استمراره في منصبه.

2- أنه سيواصل السعي لتحقيق مشروعه الخاص بـ«الدولة اليهودية»، وكما أوضح البروفيسور أفيشاي مارغليت، وهو أستاذ في الفلسفة، أن نظرية “عدم الاتساق المعرفي تتزايد تطبيقاتها بين القادة مثل نتنياهو، وبين جمهور الناخبين الصهيونيين، فهؤلاء يؤمنون بقوة بفكرة أنهم يعيشون في دولة ديمقراطية من ناحية، ولكنهم من ناحية ثانية يقلّصون حدود الديمقراطية بنسبة عالية عندما يتعلق الأمر بحقوق العرب في أراضي 1948 أو حتى باليسار الصهيوني، ثم يستخدمون الحيل المعرفية من ناحية أخرى لتبرير استمرار تمسكهم بالظاهرة الاستعمارية التي أصبحت الآن تعبيراً عن مفارقة تاريخية.

3- أنه لن يمل من التشبث بالمنطق الميكافيللي في علاقاته الأسرية، والمجتمعية، والدولية على مختلف أشكال هذه العلاقات.

4- لديه قدرة وذكاء في النفاذ من المآزق المختلفة، لكنه إذا تعرض للمفاجآت الحادة فإنه يرتبك بشكل واضح ويعجز عن اتخاذ القرار المناسب.

نقلا عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات

د. وليد عبد الحي

أستاذ علوم سياسية، الأردن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى