السبت يوليو 27, 2024
بحوث ودراسات

د. وليد عبد الحي يكتب: دلالات انضمام إسرائيل إلى القيادة الأمريكية المركزية

بعد أن تولى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وتحديدا في مايو 2017 السلطة الرئاسية للولايات المتحدة، بدأ الترويج لإنشاء ما اصطلح على تسميته «الناتو العربي»، وهي فكرة تعود جذورها الى عام 2003 عندما دعا المندوب الأمريكي نيكولاس بيرنز في مؤتمر الناتو في براغ إلى «أن على الناتو ان يوسع دائرة نشاطه جنوبا وشرقا ليشمل الشرق الأوسط الكبير»، كما ان الفكرة ليست منبتة الصلة بمشاريع الرئيس الأمريكي جيمي كارتر عام 1980 في أعقاب الثورة الإيرانية والتي تجسدت عام 1983 بتحويل قوة المهام المشتركة الأمريكية إلى قوات الانتشار السريع بخاصة مع استمرار المواجهة لتداعيات الثورة الإيرانية والتدخل السوفييتي في أفغانستان.

ثمة 11 قيادة عسكرية أمريكية إقليمية، أحدها هي القيادة المركزية التي مقر قيادتها الرئيسي في فلوريدا، وهي الموكل لها العمل في ثلاث مناطق هي الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وجنوب آسيا (القارة الهندية وأطرافها) ومقر قيادتها الإقليمية هي قاعدة العديد في قطر (إلى جانب القيادة الوسطى للبحرية الأمريكية التي مركزها في البحرين).

وأهمية هذه القيادات هي في التحكم بالتطورات الناتجة عن الثورة الإيرانية والتمدد السوفييتي إلى أفغانستان منذ البداية، ثم الحرب العراقية الإيرانية والهجوم العراقي على الكويت وما تلاه مضافا لذلك كله تمدد التنظيمات الإسلامية المسلحة الى القرن الإفريقي.

وفي عام 2013 تم إنشاء قواعد مؤقتة تابعة للقيادة المركزية (منها واحدة في الأردن) يعتقد أن سببها هو تطورات الوضع في سوريا، وشملت هذه القواعد الكويت والبحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان وباكستان وآسيا الوسطى والمملكة العربية السعودية، وكان وزير الدفاع الأمريكي الجديد لويد أوستن هو الذي تولى هذه القيادة من 2013 الى 2020.

أما الدولة الوحيدة حتى عام 2020 التي كانت خارج نطاق القيادة المركزية هي إسرائيل، بينما عدد الدول التي تشملها عمليات هذه القيادة هي عشرين دولة. وقد اعتبرت إيران القيادة المركزية تنظيما إرهابيا ردا على اعتبار الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية.

ونظرا لصعوبة تحقيق القيادة المركزية دمج إسرائيل في منظومتها الدفاعية في ظل عدم وجود علاقات عربية إسرائيلية مع أغلب الدول العربية، فإن التنسيق كان متعذرا نظرا لرفض الدول العربية كما يقول تشوارتزكوف في كتابه إقامة هذا التنسيق.

أما إسرائيل فقد كانت تابعة للقيادة الأوروبية والتي تعد ذراعا للناتو، ولكن تركيز هذه القيادة كان منصبا على ضبط النشاط الروسي في أوروبا، وفي عام 2018 و2019 قام بعض قادة القوة المركزية بزيارة إسرائيل للمرة الأولى (مثل جوزيف فوتيل وغيره) ثم جاء التطبيع العربي من الخليج والسودان والمغرب إضافة للتطبيع السابق مع مصر والأردن والسلطة الفلسطينية (مع ملاحظة أن السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة كانت ملحقة بإسرائيل في التبعية للقيادة الأوروبية) وهو ما جعل الإسرائيليين يفكرون في أن المجال أصبح مفتوحا للاندماج في القيادة المركزية الخاصة بالشرق الأوسط.

ويعتقد الخبراء الإسرائيليون أن إلحاق إسرائيل بالقيادة المركزية يحقق لإسرائيل مكاسب استراتيجية تتمثل في الجوانب التالية:

1- تحرير إسرائيل من قيود الحركة والمناورة العسكرية باتجاه المنطقة الأكثر أهمية لإسرائيل من الناحية الأمنية والاستراتيجية.

2- جعل التنسيق الأمريكي الإسرائيلي أكثر يسرا من حيث لجم التهديدات وإدماج القوات الإسرائيلية مع العربية والأمريكية بخاصة كمخزون استراتيجي ولوجستي وكمنطقة عمليات.

3- أن دمج إسرائيل في القيادة المركزية وإبعادها عن القيادة الأوروبية يخفف الأعباء عن الفرع الأوروبي للقيادة كما حدث عام 2007 عند إنشاء القيادة الإفريقية التي كانت تابعة للقيادة الأوروبية.

4- يرى رئيس المعهد اليهودي للأمن القومي (Michael Makovsky) وهو الاكثر قربا من نيتنياهو، أن انتقال إسرائيل للقيادة المركزية يمثل تطورا طالما طالب به ويراه تحولا استراتيجيا لمواجهة إيران بالتعاون مع دول الجوار الإيراني من العرب الذي طبعوا مع إسرائيل، علما أن أمر نقل إسرائيل إلى القيادة المركزية هو امر سابق في طرحه على موضوع التطبيع، ويتعزز هذا الدور للجم إيران من خلال تطور العلاقة الإسرائيلية مع أغلب الجمهوريات السوفييتية السابقة في آسيا الوسطى والقوقاز بخاصة أذربيجان التي كان آخر تعاون لها مع الناتو عام 2017 من خلال مكتب التعاون العسكري الدولي الناتو حول تنفيذ وثائق «عملية التخطيط والتحليل» و «خطة عمل الشراكة الفردية» المتعلقة بوزارة الدفاع بجمهورية أذربيجان.

5- سيجعل الانتقال الإسرائيلي من مهمة التعاون العراقي الإيراني أكثر تعقيدا لاسيما مع وجود حوالي 2500 جندي أمريكي في العراق يتبعون هذه القيادة التي أصبحت إسرائيل من ضمنها.

6- وصول المعلومات إلى إسرائيل عن طريق المؤسسات العسكرية الخليجية بشكل أوثق وأدق وأوسع نطاقا، إلى جانب نقل ما يعرفه الخليجيون عن الدول العربية الأخرى.

إن نقل إسرائيل إلى منطقة عمليات القيادة المركزية الأمريكية من شأنه أن يعزز التنسيق بين الولايات المتحدة وإسرائيل والعرب في مجالات العمليات العسكرية والتخطيط الاستراتيجي والإنذار المبكر وحماية البنية التحتية الحيوية، بما في ذلك ضد التهديدات النووية والتقليدية وكل ما يعتبرونه «إرهابا».

كما أنه سيمكن الولايات المتحدة وإسرائيل من توسيع إنجازاتهما التشغيلية والتقنية في مجال الدفاع الصاروخي لتشمل بقية الشرق الأوسط – وهو اعتبار أساسي وسط انتشار الصواريخ على مستوى المنطقة من قبل إيران وسوريا وحزب الله والمقاومة الفلسطينية في غزة ولدى أنصار الله في اليمن ولدى الحشد الشعبي في العراق.

7- لما كانت القيادة المركزية تعمل مع القيادات الاقليمية للجيش الأمريكي، فإن ذلك سيمكن البنتاغون من التعاون والتنسيق مع الشركاء الإقليميين بشأن الإستراتيجية والتدريب والعقيدة واللوجستيات والاستخبارات والتكنولوجيا والمشتريات والعمليات، وهي أمور تعزز المكاسب الاسرائيلية.

8- معلوم أن القيادة الأوروبية تعمل تحت مظلة الناتو وهو ما يجعل القرار الأمريكي موازيا للقرار الأوروبي، وهو امر ترى إسرائيل ان مكاسبه متواضعة لها، لكن الانتقال للقيادة المركزية يجعل القرار الأمريكي هو الأعلى، ومعلوم أن المواقف الأوروبية من السياسات الإسرائيلية اقل تناغما مع هذه السياسات من التناغم الأمريكي مع إسرائيل، وهو ما يعني التحرر الإسرائيلي من الاشتراطات الأوروبية بين الحين والآخر، لاسيما أن الرأي العام الأوروبي يصنف إسرائيل في المرتبة الرابعة بين أسوأ 17 دولة في العالم (وهو ما نشرته مجلة الإكونوميست وغيرها منذ عام 2014 وحتى الآن).

9- تحرير إسرائيل من الضوابط الأوروبية مستقبلا خلال الهجمات على لبنان وغزة، وهو ما ظهر في عام 2012 و2014 و2018 عندما كانت مرتبطة بالقيادة الأوروبية.

10- إن الهجمات المحتملة من إسرائيل على غزة (الهجمات الواسعة) قد تضع بقية دول القيادة المركزية العربية في دائرة الاتهام من قبل الفلسطينيين وبقية الدول العربية غير المطبعة وهو ما يزيد التشقق في الجدران العربية بقدر يسمح لإسرائيل بالتسلل من هذه الشقوق في الجسد السياسي العربي والعمل على توسيعها.

11- من المؤكد أن انخراط إسرائيل في القيادة المركزية مع الدول العربية سيجعل نفقات المواجهة مع الخصوم من الزاوية الاقتصادية والخسارة البشرية أقل كثيرا نظرا لتوزيع الأعباء على العرب والأمريكيين والإسرائيليين بدلا من أن يلقى العبء على الكتف الإسرائيلي فقط.

أخيرا: إن التطور في هذا الموضوع بدءا من مشروع كارتر عام 1980 إلى الآن يكشف عن أن الطرف غير العربي يبني سياساته على اسس المدى الزمني البعيد وعلى عدم التخلي عن المشروعات الكبرى ببساطة، بينما الطرف العربي ينتهج سياسة قائمة على مبدا لحركة الهيبز (Hippies) في ستينات وسبعينات القرن الماضي يقول: «عش ليومك ودع الغد للقدر».

Please follow and like us:
د. وليد عبد الحي
أستاذ علوم سياسية، الأردن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب