مقالات

د. وليد عبد الحي يكتب: سيناريوهات ما بعد عباس

أما وأن محمود عباس بلغ عامه الـ87 سنة، فمن المنطقي أن تفكر إسرائيل في «خليفته»، وقد طرح «معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي» تصورا تفصيليا لذلك قبل أيام قليلة، وقد أنجز فريق بحثي هذا التصور الاستباقي للسلطة الفلسطينية القادمة تحت إشراف كل من يودي ديكيل ذو الخلفية العسكرية والاستخبارية والدبلوماسية الكبيرة، ونؤى شوسترمان وهي أكاديمية معنية بالشأن الفلسطيني والشرق الأوسط وحاصلة على منحة جامعية من وزارة الخارجية الأمريكية.

سيناريوهات ما بعد عباس: حددت الدراسة احتمالات ثلاثة، ثم ناقشت أبعاد كل منها:

أ‌- انتقال منظم للسلطة بعد عباس من خلال قيادي من داخل حركة فتح وهو البديل الأفضل لإسرائيل.

ويتم تطبيق هذا السيناريو باحتمالين:

1- أن يرشح عباس نائبا له من الآن وهو ما يعني انتقال مباشر للسلطة للنائب.

2- أن يقوم بتوزيع مناصبة الثلاثة الحالية (رئيس منظمة التحرير – رئيس السلطة الفلسطينية – رئيس حركة فتح) على «رجاله الموثوقين»

ب‌- وقوع صراع داخل حركة فتح يؤدي إلى تعزيز قوة حماس

ت‌- فوضى عارمة تؤدي إلى عودة إسرائيل لإدارة الشأن الفلسطيني.

وأمام هذه الاحتمالات ستواجه إسرائيل الأوضاع التالية طبقا للدراسة:

1- سلطة فلسطينية فاعله وتواصل التنسيق مع إسرائيل

2- سلْطة فلسطينية فاعله ولكنها معادية لإسرائيل

3- سلطة هشة وعاجزة

4- انهيار تام للسلطة

 ومن مقتضيات التعامل مع هذه الأوضاع، يجب أن لا يظهر الدور الإسرائيلي في هندسة النظام السياسي الفلسطيني بشكل مباشر، كما أن عليها أن لا تسمح بعودة الفوضى واضطرار إسرائيل لتحمل أعباء هذه النتيجة، وهو ما يعني أن التركيز على الاحتمال الأول وهو كيفية بناء سلطة فلسطينية فاعلة وتواصل التنسيق مع إسرائيل. هو الخيار الأنسب،

وللوصول إلى هذه النتيجة على إسرائيل مراعاة الآتي:

1- التنسيق في خطواتها مع الرباعية العربية (مصر والإمارات والأردن والسعودية)، والغرض من ذلك بشكل استراتيجي هو منع حركة حماس من السيطرة على السلطة

2- الموافقة من الرباعية على مساعدة السلطة الفلسطينية واستمرار تنسيقها الأمني مع إسرائيل.

3- تعزيز مساهمة الدعم الدولي في دعم السلطة

ويترتب على إسرائيل في حالة الوصول لهذا التوجه أن تسمح للفلسطينيين بمزيد من الإسكان في منطقة «ج» ونقل المزيد من الصلاحيات الإدارية للسلطة الفلسطينية مع تيسير الترابط الجغرافي بين مناطق الفلسطينيين.

أما ضوابط هذا الحل من الوجهة الإسرائيلية فهي:

1- الحيلولة دون تمدد النفوذ الإيراني أو حلفاء إيران إلى بنية السلطة أو المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية

2- منع حماس من تولي السلطة أو خلق الاضطراب فيها

أما إذا ساد السيناريو الفوضوي وانهارت السلطة فعلى إسرائيل أن تتخذ الخطوتين التاليتين:

1- تطبيق القانون الإسرائيلي على منطقة «ج» وبخاصة المناطق التي فيها مستوطنات او المناطق ذات الأهمية الأمنية لإسرائيل.

2- تقسيم الضفة الغربية لكانتونات وتسليم مقاليد الأمور فيها على أسس عشائرية (العشيرة الأقوى في الكانتون)

فإذا سارت الأمور طبقا لذلك، فان على إسرائيل ان تكون مستعدة للاعتراف بدولة فلسطينية على الحدود المؤقتة إلى حين الاتفاق على قضايا الحل النهائي..

التوصيات:

تشير الدراسة في ضوء الاحتمالات السابقة إلى 3 أشخاص هم الأكثر قربا من الموقف الإسرائيلي وهم: حسين الشيخ/ ماجد فرج/ ومحمد دحلان، ولكن الدراسة تنبه إلى أن ظهور إسرائيل في مشهد الدعم لأي منهم سيحوله في عيون الفلسطينيين إلى عميل لإسرائيل، أي أن على إسرائيل دعم احد هؤلاء الثلاثة (ويبدو أن حسين الشيخ ودحلان هما الأرجح لا سيما وان لهما روابط مالية وغير مالية مع إسرائيل).

وهناك احتمال آخر هو العمل على إطلاق سراح مروان البرغوثي (رغم صعوبة ذلك إسرائيليا)، على أن يتم إطلاق سراحه ضمن صفقة القبول بالحدود الأمنية لإسرائيل وان يتواصل الدعم المالي والاقتصادي للسلطة،

وقبيل ذلك على إسرائيل أن تضمن ما يلي:

1- تعزيز الحماية للمستوطنات في الضفة الغربية

2- لطرق الرابطة بين هذه المستوطنات

3- تعزيز أجهزة السلطة الأمنية و وتدعيم التنسيق الأمني معها

4- منع حماس والتنظيمات المعادية لإسرائيل من التمدد من غزة إلى الضفة الغربية

5- الحيلولة دون وصول المساعدات المالية العربية والدولية لعناصر حماس.

6- على إسرائيل أن تراعي في تنسيقها الأمني مع السلطة عدم «زعزعة شرعية السلطة» في عيون المجتمع الفلسطيني.

7- أن تغض إسرائيل الطرف عن المحاولات الفلسطينية لحشد التأييد الدولي لها لان ذلك يعطي انطباعا للمجتمع الفلسطيني بشرعية وجدية السلطة

8- في حالة الاتفاق على حكومة وحدة وطنية فلسطينية يجب أن لا يكون أيا من أعضاء حماس رئيسا لها ولا وزير داخلية أو مسئولا عن الأمن الداخلي.

ما الذي نستنتجه من هذا المخطط:

1- أن نموذج السلطة الفلسطينية الحالية هو النموذج الأمثل لإسرائيل، وأن أي نموذج قادم يجب ان يكون على غرار هذه السلطة القائمة حاليا.

2- أن خنق المقاومة أمنيا واقتصادية وتجفيف البيئة الاجتماعية من حولها هو هدف يجب أن تعمل إسرائيل والسلطة والبيئة الإقليمية العربية على تحقيقه، ومنع أي قوى إقليمية أو دولية من مساندة هذه المقاومة..

3- أن الأمن الإسرائيلي يعلو على أية مطالب فلسطينية.

4- أن الحدود ليست تفاوضية بل إنها سترسم لا على أساس الشرعية الدولية بل على أساس «رسم الحدود التي تضمن لإسرائيل الدرجة القصوى من الأمن».

5- أن موضوعات الحل النهائي ستبحث بعد أن تكون إسرائيل رتبت أوضاعها بشكل يجعل حرية الحركة والقدرة التفاوضية للسلطة الفلسطينية صفرا.

6- توظيف التمويه السياسي والإعلامي لجعل السلطة الفلسطينية القادمة تبدو «وطنية» في عيون الفلسطينيين ولكنها «وظيفية تماما» في المنظور الإسرائيلي.

د. وليد عبد الحي

أستاذ علوم سياسية، الأردن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى