- من الحصافة ألا يُظهر الإعلامي كل الأمور عن المقاومة
- الاحتلال يسيطر بأذرعه على صُناع القرار الذين يوجهون الإعلام
- ليس لدينا حرية كافية والدول التي تدعي الحرية على المحك
- أطلق الحرية بشكل منضبط للإعلام تجد مُجتمعًا واعيًا
- «الدحدوح» إنسان أصيب وابتلي في أحب الناس إليه ويجب مُراعاته نفسيًا وبدنيًا
- «الجزيرة» أفضل الوسائل الإعلامية في تغطية العدوان على غزة
- الإعلام بات يعمل بمقولة «من يدفع للزمّار يختار اللحن الذي يناسبه»
- كلمة الحياد فضفاضة في كليات الإعلام وهناك قضايا لا يصح فيها الحياد
الأمة| كم وسيلة إعلامية باتت تُخصص الوقت الكافي لتغطية مُعاناة الفلسطينيين داخل قطاع غزة ورصد الانتهاكات والمجازر البشعة للكيان الصهيوني كأول أسبوع من العدوان؟.
سؤال ربما تكون إجابته واضحة على شاشات التلفاز والنشرات الإخبارية والمواقع الإلكترونية وحتى صفحات الجرائد الورقية أو الراديو، فالتغطية التي كانت بعد عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023 ليست كما هى بعد أكثر من 8 أشهر على العدوان.
«الأمة» أجرت لقاءً مع المفكر الإسلامي والخبير الإعلامي الدكتور ياسر عبد التواب، الذي تحدث باستفاضة عن دور الأجهزة السيادية وصناع القرار في تحريك وسائل الإعلام العربية والغربية بشأن قضية غزة، وفيما يلي نص الحوار:
■ بحكم خبرتك في الإعلام على مدار العقود الماضية.. كيف رأيت تغطية وسائل الإعلام العربية «الحكومية والخاصة» للعدوان على غزة؟
■■ الإعلام هو الصورة الحقيقية للحرية، ويجب أن تتمتع المجتمعات بحُرية حقيقية ورغبة لأن تصل الكلمة إلى المتلقي حتى يكون شريكًا في الحكم كما هو المطلوب، والشورى التي تُعد مبدأ رئيسيًا لقيام حكم رشيد تقوم على توفير الحرية ومن ضمنها حُرية «الرأي والتناول والتنقل والفكر والتعبير وغيرها» وهذا كله يُعبر عنه بشكل كبير وسائل الإعلام.
والجميع يتحرك من خلال جهات ما، وهناك مسؤولية على الإعلامي بأن يتحرك من جهة ويظهر المعلومات الصحيحة والحقيقية من جهة أخرى، وأن يتحرى جيدًا ويسعى لتكوين المصداقية بين الناس ولا يُجبر على منع معلومات هي من حق الناس أن تصل إليهم، وقد يكون من الحصافة أحيانًا ألا يُظهر الإعلامي كل الأمور بشكل يعلمه الجميع لأن حجبها قد يكون به فائدة أكبر حتى للجهة المظلومة، كعلمنا بأن المقاومة لها قوة ما أو لديها نقطة انطلاق من جهة معينة أو وعوود ما، ثم نفرح بأن نحدث سبقًا ونسارع بإظهار هذا الأمر للعالم، لذلك يجب ألا نُحدث الناس بكل ما نعلم تجنبًا لأي إشكاليات.
ونستطيع القول، بأن هناك جهات «تأمر وتطلب وتنهى» وجهات أخرى تصف المقاومة بـ«المتهورة» إذا كانت وجهة نظر الحكومة نفسها ترى ذلك وهناك من يصفها بـ«البطولية»، كما يُقال المصطلح الشائع حاليًا «إعلام السامسونج» الذي يتأثر بالجهات الموجهة.
وهناك قاعدة معروفة في الإعلام وهي «طول التعرض للرسالة يزيد من الإقناع بها»، ويجب أن نتساءل: هل المؤسسات الإعلامية والجرائد والفضائيات لديهم اهتمام بالعدوان على غزة؟.
ببساطة شديدة، عليك أن تفتح الصفحة الأولى في أي جريدة وسترى من العناوين الرئيسية حجم الاهتمام بالقضية الفلسطينية وغزة، وقم بعدها واقسمها على عدد أخبار الصفحة الأولى ستصل إلى نتيجة اهتمامهم سواء بنسبة 25% أو 30% وهكذا، بمعنى لو لدينا 10 أخبار أساسيين في الصفحة الأولى سنرى إذا كان منهم 5 يصبح الاهتمام بنسبة 50% لو منهم 7 يصبح الاهتمام بنسبة 70% وهناك أيام تختلف عن أيام أخرى، هنا نأخذ متوسط الأسبوع لكي نعرف اهتمامهم العام، فلو كانوا 10 في 7 أيام بالأسبوع يصبح العدد 70، وانظر إلى النسبة لأنها كما ذكرنا تختلف من يوم لآخر حسب الأحداث ستعرف كيف تُكمل هذه النسبة.
وهناك جرائد ووسائل إعلام تهتم بالشأن المحلي فقط لكن تُسلط الضوء أيضًا على الأخبار العالمية كغزة التي باتت جُزء من الشأن العالمي لأن هناك تغيرات وأحداث عالمية أخرى ستنجر إليها المناطق أو العالم بأسره ربما يتحول إلى جزء منه الصراع العالمي بسبب أحدث غزة.
ويمكن أن تحسب نسب الأخبار الغير محلية وتجري عليها النسبة التي ذكرناها، واهتمامات الجريدة تظهر من خلال الصفحة الأولى، سنعرف عدد الأخبار غير المحلية بها لو كانت الجريدة المحلية ستنشر مثلًا نسبة 5 أخبار لأحداث عالمية أساسية فكم خبر منهم عن غزة وأماكن أخرى وبنفس الطريقة نستطيع حساب نسبة الاهتمام في الأجزاء كلها.
وعند تعميم هذا المقياس على مجموعة من أهم القنوات والجرائد -نفس الفكرة- ستجد كم نسبة الاهتمام بالشأن العالمي والمحلي وقت الذروة والتي تُقدر بـ 5 ساعات تقريبًا من السابعة مساءً إلى الثانية عشر منتصف الليل، وهذا يختلف عن عمل مثل «الجزيرة» كمثال، لأنها تهتم بشؤون العالم ككل، وفي التوقيت الحالي تتفرغ بنسبة لا تقل عن 80 أو 90% من الأخبار حول غزة.
ولو قمنا بقياس ذلك على المواقع العالمية الأخرى مثل «بي بي سي» و«فرانس 24» وغيرها، ستصل ببساطة إلى أهمية هذا الموضوع بالنسبة لأي من هذه المؤسسات، فلو كانت مؤسسات صحفية سننظر إلى كم من الأعداد والعناوين الرئيسية التي تهتم بغزة في الصفحة الأولى وإذا كانت جريدة محلية سنرى اهتمامها بالأخبار العالمية المؤثرة وغيرها من الأخبار وإذا كانت قناة عالمية سننظر في تغطيتها العامة ومدى اهتمامها بأخبار غزة وإذا كانت قناة محلية سننظر ما الذي خصصته للأحداث العالمية لكي نقارن شأن غزة بهذا الموضوع.
■ ما وجه المقارنة بين وسائل الإعلام الغربية والعربية في تغطية العدوان على غزة؟
■■ الحقيقة اتضحت من كل الأحداث، كيف تتحكم الأجهزة السيادية أو المخابراتية والمؤثرة في الاختيار وهو مّا لمسناه الآن من اضطهاد حتى للذين تحمسوا للدفاع عن غزة من عامة الناس والطلاب والموظفين الحكوميين وبنفس المنطق يتم التعامل من قبل هذه الأجهزة مع وسائل الإعلام.
نحن نتحدث عن مجتمع ككل، والإعلام يمثل جزء كبير وطريقة لإبداء الرأي وعندما نجد الاضطهاد للرأي وقمع الطلاب والمتظاهرين بهذه الطريقة تعرف أن هذه الدولة مُسيطر عليها حتى لو كانت دولة كبرى كأمريكا مثلًا التي تدعي أنها أم الحريات وإنجلترا وفرنسا وألمانيا، وجميع هذه الدول سيطروا على الإعلام فلا يخرج منه إلا ما توافق عليه تلك الدول. وبإختصار، أصبحت وسائل الإعلام الغربية والعربية تغطي العدوان على غزة انطلاقًا من وجهات نظر الدولة والأجهزة المسيطرة عليها.
وبهذه الطريقة، علينا فهم الأمر ولا نُسهب في جلد الذات باعتبار أن ليس لدينا حرية كافية لأن الدول التي تدعي الحرية أصبحت على المحك وأظهرت كل وسائل القمع والإيذاء لما يخالف أراء الناس وهذا في النهاية يعطينا تصور كيف سيطر الكيان الصهيوني وأذرعه الاقتصادية والسياسية على القرار في الدول.
■ ما الذي ينقص الإعلام في مجتمعاتنا العربية حتى الآن؟
■■ الإعلام بأكمله ينقصه الحرية المسؤولة، فإذا أطلقت الحرية بشكل منضبط وراعىَّ كل من يعمل به مسؤوليته تجاه توعية المجتمع ومراعاة خصوصية الناس والحفاظ على أخلاقهم وعدم إيقاعهم في فخاخ التمويه والتخدير وتغيبب الوعي، فكل هذه مسؤوليات واقعة على الإعلام جنبًا إلى جنب مع مؤسسات أخرى تؤثر في الفكر كالمؤسسة التربوية الأسرية والتعليمية والدينية وهذه المؤسسات جميعًا تتكاتف من أجل تحقيق الوعي أو الثقافة للمجتمع وإذا خان بعضها سيؤثر ذلك سلبًا على حركة المجتمع الواعي ويتحول الإعلام إلى مُضللًا.
■ كيف رأيت مغادرة وائل الدحدوح مراسل “الجزيرة” لقطاع غزة؟
■■ وائل الدحدوح إنسان وما يحدث له يؤثر على ظروفه، فهو أصيب وابتلي في أحب الناس إليه ويجب أن يراعىَّ نفسيًا وبدنيًا خاصة أن غزة فقدت كل أساليب الرعاية الصحية التي يجب أن يتلقاها.. الرجل لم يخرج في أول مرة من الإيذاء ولم يخرج في الثانية بل خرج مصابًا يبغي العلاج وليستجم قليلًا فالمحارب يستريح، وكما يُقال «إِنَّ الْمُنبَتَّ لا أرضًا قطعَ، ولَا ظهْرًا أبْقَى»، وهذا مثال على أن الشخص الذي يواصل السفر وبذل الجهد سيقع في يوم من الأيام.
■ ما هى أفضل 4 وسائل إعلامية عربية قامت بتغطية العدوان على غزة حتى وقتنا هذا؟
■■ المعروف الآن «الجزيرة» في المقدمة ويليها «الميادين» وبعض وسائل الإعلام الفلسطينية كـ«وكالة شهاب» و«وكالة القدس»، كُلِّ حسب إمكانياته وقدراته، والغريب أن هناك البعض أقرب ما يكون على استحياء ينقض وفقًا لأجندة الدول التي يعمل من خلالها أو بتمويلها وكذلك التمويل يتحكم في «الجزيرة» وغيرها وكل ذلك حسب رغبات الممول، فمن يدفع للزمّار يختار اللحن الذي يناسبه.
خلاصة الموضوع، يتحكم في وسائل إعلام مع الأسف الشديد أشخاص وجهات هى التي تمولها، لكن الحمد لله الآن تظهر الحقائق من خلال ما ذكرناهم من المؤسسات حتى لو كان هناك أصحاب رسالة ولا ننفي هذا وإن كان بعضهم لا يستطيع الخروج عن الخط المرسوم لهذه المؤسسة لكن في النهاية تُمرر الرسالة من خلالهم جميعًا.
■ تعلمنا في كليات الإعلام «الحياد» لكن على أرض الواقع باتت وسائل الإعلام «موجهة».. فما السبب وما الحل من وجهة نظركم؟
■■ كلمة الحياد فضفاضة في كليات الإعلام، لكن أحيانًا تجد قضايا لا يصح فيها الحياد كأن تتكلم عن ما يحدث في أطفال ونساء غزة والمظالم التي يتعرضون لها من قتل وتجويع وحصار هذا يتطلب ألا نكون محايدين بل يجب أن نكون مؤيدين لحق إخواننا، وإن كانت الأمور ترتبط بالحقوق الواضحة فيجب التأييد وإن كان هناك انتقاد أو محاولات لإساءة الحقوق هنا يجب المعارضة. والحياد في الأصل فيما يمكن الاختلاف حوله مثل مّا يحدث في الانتخابات والوقوف بحياد مع كل المرشحين.
■ الاحتلال يتعمد قنص واستهداف الصحفيين.. فما رسالتك التي توجهها إلى الزملاء المراسلين في قطاع غزة؟
■■ نسأل الله أن يعينهم، لأنهم جزء من هذا المجتمع الذي يتعرض لهذه المظالم ولا نفرق بين دم ودم أو مهنة وآخرى، فالأطباء يتعرضون للشدائد والموظفين وعامة الناس، ونسأل الله تفريج الكرب.
ورسالتي لإخواننا الصحفيين، باعتبارنا جُزء منهم وهم جزء منا، أقول لهم: امضوا في رسالتكم وطريقكم ولن تكونوا أقل إخلاصًا من إخوانكم الأطباء ورجال الدفاع المدني والمقاومين ولا تتركوا رسالتكم أيها الزملاء الكرام وإنا كنا ننصحكم بالحذر والبعد عن مواطن الإيذاء، وأسأل الله تفريج الكرب للأمة وأن يجعل من هذه الأحداث انطلاقة لنفريج كربات جميع من في الأرض.