لكي نعيش في هذا العالم كأمة قوية ذات حضارة يجب أن يكون لنا وجودنا وكياننا ونظام حياتنا المستقل والمميز عن غيرنا
وقد كان الشرع الإسلامي بكافة توجيهاته المتنوعة حريصا على هذا التميز بين نظام حياتنا وبين نظم غيرنا
فلن تبرز الأمة ولن تمارس دورها الحضاري إلا حين تتمايز صفوفها ونظمها عن غيرها وأن تعتمد على نفسها علميا واقتصاديا وسياسيا وقانونيا
وتنشئ مؤسساتها المستقلة الحقيقية لا الشكلية الخادعة كالأمم المتحدة المتحكم فيها
وهذا ما أمر به الإسلام في كافة توجيهاته في كل أوجه الحضارة
قال تعالى:
(ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) سورة النساء
اي لن يحوج الله تعالى المسلمين إلى غيرهم
ورسولنا صلى الله عليه وسلم كان حريصا على زرع التميز والتمايز في الفكر والتعامل العام حتى السلوكيات العامة والسلام واللباس والاذان والعبادة
أي زرع فينا كل تمايز نفسي وفكري اضافة لتمايز العبادات ونظم التقاضي والقوانين
وقد صاغها في الحديث بمنطق عام؛ علامته (خالفوا المشركين)
ونهى عن الاختلاط بهم والمفضي إلى الذوبان فيهم
ولئن كان هذا على مستوى الأفراد والشأن الاجتماعي والنفسي فإنه على المستوى العام والدولي لن يتحقق إلا بالسعي للكفاية والاستقلال
ولا يعني هذا حصرنا وحصارنا ولا أننا سنعيش في مكان مغلق بالطبع
فإننا أمة منفتحة حقا – لسنا كأمة اليهود لا تعنى إلا بنفسها وفقط – ولدينا رسالة عالمية وتوجيهات تحملنا المسؤولية عن توصيل الدعوة وتمثيلها أمام البشر
لنحقق شيوع الرحمة ولنقوم بواجب الدعوة وكل ذلك لا بتحقق إلا بأن يكون للأمة كيانها وفكرها وحضارتها المتمايزة والواضحة على كافة الأصعدة والمجالات
وهذا يجب أن يشمل كافة أوجه الحياة اجتماعيا وثقافيا وسياسيا وقانونيا واقتصاديا
إن الخروج من منظومة السيطرة الأمريكية وغيرها وأي بديل آخر يخلفه أو ينافسه هو واجب الوقت للدول التي ترغب بالنهوض والاستقلال
وهذه ليست شعارات ترفع بل مشاريع يجب أن تتبنى وأن نسعى لها وأن نخطط لها
لن يكون لنا كيان مستقل ما لم يكون لنا نظاما سياسيا مستقلا ونظاما قضائيا مستقلا ونظاما اقتصاديا وتعليميا واجتماعيا مستقلا
وهو ما كان لدى الأمة إبان خلافة المسلمين
فضمن لها كينونة وضبط كيانها واستقلالها وميزها عن غيرها
على سبيل المثال فإن النظام الاقتصادي المستقل وغير الربوي ولا القائم على الاستغلال ولا الخداع
سيقوم على العدل والانتاج الحقيقي ويرعى تدفق الأموال بشكل طبيعي ويتبنى التنمية والتوازن
ويقوم على نظم تداول وعملة مستقلة عن نظام النقد الحالي ونظم تحويل الأموال (السويفت مثلا)
ان اقتصادنا يجب ان يعتمد على الاقتصاد التنموي غير الخادع ولا الربوي
اقتصاد يقوم على العلم ويرسخ الإنتاج في كافة المجلات الزراعية والصناعية والتقنية
اقتصاد يسعى لكفاية الأمة من غذائها ومن سلاحها ومن دوائها ويضمن استقلالها في كل ذلك
ولا مانع من التعامل والتعاون مع غيرنا من الأنظمة فنحن أقوياء لسنا تابعين ولسنا منغلقين كذلك
كل ما ذكرناه سابقا هو ما فقدناه بالفعل مع سقوط الخلافة وتقسيم بلداننا واحتلالها
وفي الحديث الشريف: لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة فأولهن نقضا الحكم وآخرهن الصلاة)
لأننا بفقداننا هذه الأنظمة صرنا تابعين ومتحكم فينا
ولنلاحظ هنا كذلك ان للأمة ولا يزال نظامها الاجتماعي متمثلا في نظام الأسرة والعفة والتكافل
ولها كذلك ثقافتها وعلمها ونظام تعليمها المميز
إن ربانية التوجه واستقلالية التحاكم هما جناحي حضارتنا ويجب السعي لتنميتها وتقويتها اضافة لاستعادة ما اندثر منها
فكل ما ذكرناه من الاستقلال وتحقيقه هو من الحكم المشار اليه في الحديث (لتنقضن عرى الإسلام) وهو مع غيره يخبر بواقع يكون ولا يدعو للتراخي ولا لعدم التغيير
ففي الحديث المشهور: إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليفعل
حيث الآن ولله الحمد لم يصل الأمر في اي مرحلة او نظم مما ذكرناه إلى الفوضى التامة
وانما إلى فقدان الاستقلال وتجاوز وتجاهل احكام الشرع في كل تلك المجالات وهو ما يمكن اعادته وترميم ما يمكن ترميمه
فاستعادتنا لإرادتنا كأفراد وجماعات ودول وتعاوننا في كل ذلك وسعينا للاستقلال على كافة الأصعدة هو ما سيحقق لنا الحضارة التي تليق بنا
وهذا لعمري مطلب كبير يجب أن تبذل الدول والجماعات والكيانات والأفراد كل الجهد له
وتقرير النظم نظريا وعمليا والتدرج في الوصول للأهداف من غير توان ولا نكوص
وخطواته الكبيرة بداية من التعليم ومرورا بالاقتصاد والقوانين وانتهاء باستقلال الحكم والحاكمية
فلنبدأ