د. ياسر عبد التواب يكتب: الرسول صلى الله عليه وسلم وتشجيع الشباب
من تربية النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومن مظاهر عنايته بالشباب أنه كان يطمئنهم إلى جانب رزق الله -تعالى-، ويربيهم على محبة الله، وطلب ما عنده؛
فإن الشاب في مقتبل حياته يرى ما يستقبله من مهام مختلفة وكبيرة، فهو يرغب في الزواج ويحتاج إلى مال لحاجات مختلفة،
ويحتاج إلى عمل وغير ذلك؛ فربما أصابه هم من ذلك، فهنا يبرز دور المربي الحكيم الذي يقرب الناس إلى الله -تعالى-، وينقل إليهم ما خبره من لطف الله -تعالى-.
فقد روى احمد وابن ماجه من حديث سلام بن شرحبيل، قال:
سمعت سواءَ وحبة أبنى خالد يقولان: دخلنا على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وهو يعالج شيئًا، فأَعناه عليه،
فلما فرغ قال: “لَا تَيْأَسَا مِنَ الرِزْقِ مَا تَهَزْهَزَتْ رُؤسُكُمَا؛ فَإِنَّ الإِنْسَانَ تِلِدُهُ أُمُّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ قِشْرٌ، ثُمَّ يَرْزُقُهُ الله، عَزَّ وَجَلَّ”
فيذكرهم هنا بمن هو أدنى منهم حالاً وأضعف قوة، ذلك الوليد الصغير الذي لا يملك من أمره شيئًا، ومع ذلك يرزقه الله -تعالى-؛ فيهيئ له أمًّا حنون وأبًا عطوفا، فسبحان من يرزق الطير تغدو خماصًا، وتعود بطانًا.
وما أعظم نصيحته للشباب الذين قد يعتريهم اليأس من طلب الرزق والتقدم في الحياة
إسناد المهام الجليلة للشباب
وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسند للشباب مهاما جليلة تقديرا منه لمواهبهم ويدافع عن اختياره للأكفاء من الشباب، للقيام بما يعرفه من قدراتهم من مهام، فاختياره لهم بُني على أساس كفاءتهم، وقدرتهم على إنجاز ما يطلب منهم حتى لو كانت أعمارهم أقل من غيرهم، كان أغلب كتبة وحيه شبابا كعلي ومعاوية وزيد بن ثابت وغيرهم
وجل قادته وسفرائه كانوا شبابا بدأ من مصعب ومعاذ مرورا بجعفر وزيد وابن رواحة وخالد وغيرهم
ففي البخاري عَنْ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: أَمَّرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُسَامَةَ عَلَى قَوْمٍ فَطَعَنُوا فِي إِمَارَتِهِ فَقَالَ: (إِنْ تَطْعَنُوا فِي إِمَارَتِهِ فَقَدْ طَعَنْتُمْ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلِهِ، وَايْمُ اللَّهِ لَقَدْ كَانَ خَلِيقًا لِلإِمَارَةِ، وَإِنْ كَانَ أبوه لمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَه).
التجاوز عن تقصير الخدم الشباب
وفي معاملته لمن هم تحت يده من الخدم الشباب وغيرهم قدوة.. أيما قدوة؛ فيعرف حاجتهم للعب ويتجاوز عن بعض تقصيرهم، ان كان يمكن احتماله وليس من حقوق الله تعالى أو حدوده
فعن أنس بن مالك خادم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا، فَأَرْسَلَنِي يَوْمًا لِحَاجَةٍ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لا أَذْهَبُ، وَفِي نَفْسِي أَنْ أَذْهَبَ لِمَا أَمَرَنِي بِهِ نَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَخَرَجْتُ حَتَّى أَمُرَّ عَلَى صِبْيَانٍ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي السُّوقِ؛ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ قَبَضَ بِقَفَايَ مِنْ وَرَائِي. قَالَ: فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَضْحَكُ فَقَالَ: (يَا أُنَيْسُ أَذَهَبْتَ حَيْثُ أَمَرْتُكَ). قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ أَنَا أَذْهَبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. (رواه مسلم).
وقال -أيضًا-: “خَدَمْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَشْرَ سِنِينَ مَا دَرَيْتُ شَيْئًا قَطُّ وَافَقَهُ، وَلاَ شَيْئًا قَطُّ خَالَفَهُ رِضَاءً مِنَ اللهِ -تَعَالَى- بِمَا كَانَ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ لَتَقُولُ: لَوْ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا، مَا لَكَ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا؟ يَقُولُ: دَعُوهُ، فَإِنَّهُ لا يَكُونُ إِلاَّ مَا أَرَادَ اللَّهُ، وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ مِنْ شَيْءٍ قَطُّ إِلاَّ أَنْ تُنْتَهَكَ لِلَّهِ حُرْمَةٌ، فَإِذَا انْتُهِكَتْ للَّهِ حُرْمَةٌ؛ كَانَ أَشَدَّ النَّاسِ غَضَبًا لِلَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَمَا عُرِضَ عَلَيْهِ أَمْرَانِ قَطُّ إِلاَّ اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ فِيهِ سَخَطٌ، فَإِنْ كَانَ لِلَّهِ فِيهِ سَخَطٌ؛ كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ” (رواه الطبراني في “المعجم الأوسط،” )
وعن مهاجر مولى أم سلمة قال: “خدمت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سنين فلم يقل لشيء صنعت لم صنعته، ولا لشيء تركته لم تركته” (رواه الطبراني في المعجم الكبير).