الخميس أكتوبر 10, 2024
مقالات

رانيا مصطفى تكتب: المسكوت عنه في حرب غزة (4)

مشاركة:

بعد التخفف من الوزن السياسي العراقي والسوري والمصري عقب الانقلاب على ثورات الربيع العربي، زاد ثقل الدور السعودي في بحث حلول لأزمات المنطقة العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية.

لطالما رفضت السعودية مشروع تقسيم فلسطين، وحل الدولتين، فهي كغيرها من المستعمرات القديمة لم تتخلص من سيطرة بريطانيا العظمى التي لن تقبل بتقسيم يمحي خطها الملاحي المأمول (حيفا/ الخليج).

تربط السعودية البريطانية التأسيس تطبيعها مع الكيان بحل الدولتين، وكأنها تساوم نتنياهو الأمريكي الرأسمالي الدعم على قدرته على الخلاص من المقاومة، وهزيمة الصهيونية الشرقية ذات الرأس الإيراني، وتأسيس الدولة الفلسطينية الرمزية، في مقابل أن تسمح له بمشاركتها خطها الملاحي بضمانات وشروط تضعها المملكة المتحدة.

كان التطبيع السعودي الإسرائيلي يسير على قدم وساق ولم يوقفه سوى اندلاع معارك السابع من أكتوبر، لذلك لا يتعدى تأجيل التوقيع كونه مجرد حيلة لكسب الوقت.

سعى اشتراكيو العالم بقيادة بايدن ومعهم حركة حماس لعقد هدنة أقصى أمانيها أن يعود الوضع لما قبل السابع من أكتوبر، لكن نتنياهو رفضها.

في انتظار فوز ترمب، وحماية جمهوريي ورأسماليي البيت الأبيض، يماطل نتنياهو في قبول الهدنة ليحافظ على غنائمه، ويساوم النظام السعودي ليحظى بأعلى مكاسب مستحيلة من صفقة التطبيع.

تنادي دول العالم بحل الدولتين، فهل اتفق الجميع على حل واحد يحمل نفس الأهداف؟

يهدف حل الدولتين الرأسمالي (صفقة القرن) إلى السيطرة الكاملة لصهاينة الغرب على فلسطين، ولذر الرماد في العيون، قبلوا تعيين سلطة شرطية فلسطينية تابعة للكيان، وطالبوا بتطبيع شامل مع العرب يمثل تنازلا نهائيا منهم عن القضية الفلسطينية، ما يعني أن حل الدولتين في حقيقته هو حل الدولة الواحدة.

يرمي حل الدولتين الاشتراكي إلى تقسيم فلسطين إلى دولتين، إحداهما تحت سيطرة الصهاينة الغربيين الرأسماليين بقيادة يهودية، والأخرى تحت سيطرة الصهاينة الشرقيين الاشتراكيين تحت حكم فلسطيني منتقى، بحيث لن تتوقف الدولة الفلسطينية الاشتراكية عن تهديد الجزء الفلسطيني المحتل رأسماليا؛ وبمرور الوقت سيسمح هذا الحل -من وراء حجاب- بتوسيع الاستيطان البطيء حتى يتحقق الحلم الصهيوني الشرقي وهو تكوين الدولة اليهودية من البحر إلى النهر.

ماذا حدث في السابع من أكتوبر؟

استغلت روسيا والصين أطماع إيران، وخذلان حكام المسلمين اللامحدود للقضية الفلسطينية، وتعطش حماس لرد قوي على الانتهاكات المتبجحة والمتكررة للمسجد الأقصى، وعلى السطو المسلح للأرض، وعلى الضغوط الدولية لتصفية الحركة، فسكتتا عن خطط إيران، ودعمتا الطوفان سياسيا حتى حين.

لم تغير حماس مسارها المعتاد ولا مصدر دعمها الإيراني، وقررت أن تغامر بعد أن أوشكت القضية الفلسطينية على الزوال، فراهنت على حشد الرأي العام العالمي ضد الكيان المغتصب، وانتظرت أن يتحرك العالم الإسلامي من أجلها.

لا يؤثر تضامن الشعوب في قرارات أصحاب الثروات والمصالح والساسة، ولا في تحركات قادة العالم الإسلامي. كان أمرا غريبا أن تراهن حماس على ضمير الحكومات العربية وكأنها لم تجرب خذلانها من قبل، أو أن تنتظر فوران الشارع المسلم وهي تعلم أنه محكوم بالحديد والنار!

كانت ضربات حماس موسعة هذه المرة، أي أن قيادتها العسكرية دقت طبول حرب ولم يكن حراكها مجرد هجمات تقليدية، كما أن حجم جاهزية مقاتليها يدل على أنها بيتت النية وتوقعت رد الفعل؛ لكنها لم تتصور أن يتسع الحدث ليصل إلى العتبة الكارثية التي يجلس عليها أهل غزة اليوم محرومين من أبسط حقوقهم في الحياة.

ركزت وسائل الاعلام على مهارات السنوار التخطيطية والتنفيذية ورسمت صورته كداهية لا يستطيع الاحتلال التنبؤ بقراراته! لا أقلل أبدا من ذكاء الرجل، لكن لا يعقل أبدا ألا يدرك محتل حبسه لعشرين عاما وراقب حركاته وسكناته، كيف يفكر!

كان إطلاق سراح السنوار خطوة استباقية أقدم عليها الكيان ليتنبأ بتحركات حماس القادمة؛ وبتصفية أعضاء المكتب السياسي الراغبين في الهدنة والمبعدون عن المشاركة في اتخاذ القرار العسكري، صار السنوار وحده هو من يدير دفة العمل السياسي والعسكري معا.

نشط الطوفان ذاكرة شعوب العالم، وأيقظهم على حقيقة أنظمتهم الحاكمة ربما للمرة الأولى، وهز صورة مدنيتهم الحديثة، وكشف زيف شعارات الإنسانية المعلبة.

أرادت الصهيونية الشرقية أن تشعل فتيل الثورات مجددا في ميادين المنطقة العربية فربما يفلت الزمام وتحدث المعجزة، لكن ذلك لم يحدث فاعتمدت على اثارة الرأي العام العالمي.

اندفع بعض المتابعين للشأن الفلسطيني مادحين الحراك الشعبي الأجنبي دفاعا عن القضية، ومتهمين العرب السنة بالتخاذل والجبن؛ لم يفطن هؤلاء إلى أن الشعوب الغربية احتاجت لأطنان من الجثث لتتحرك مشاعرها، بينما كانت طلقة رصاص واحدة تصيب فلسطيني كفيلة بأن تفجر شوارع المسلمين، كذلك لم ينتبهوا إلى أن تلك الشعوب قد استفاقت للتو ولا يمكن التنبؤ بما إذا كانت يقظتها ستستمر أم ستختفي، وإلى أنها رضيت لعقود طويلة بما كان يجري عبر انتخابها أنظمة سياسية سجنت أسود المنطقة وأخلت الشوارع من الغاضبين للدم.

متجاهلين ثوابت التاريخ، يعكس بعض المحللين الآية فيجعلون القضية الفلسطينية الأصل الذي تتفرع منه كوارث المنطقة الإسلامية العربية، وينسون أن احتلالها يكون دائما نتيجة حتمية لسقوط مصر والشام والعراق.

حتى لا يستطيع أن يكون وجهة نظره الخاصة، تحاصر الجمهور شبكات اعلام اشتراكية تصيغ الأخبار وكأنها مانشيتات صحف عبد الناصر أثناء النكسة، وقنوات وبرامج رأسمالية تشوه قيمة القضية وشرف الدفاع عنها والموت من أجلها.

أرفض أن يسرق منا التاريخ، وأتمنى أن نملك يوما ثقافة كشف الحقائق بعيدا عن التبرير أو التخوين، وأن نفهم الواقع بشكل مجرد دون أن ننسج قصصا خيالية نغنيها على الربابة، أو أن نكسر سيف مقاتل.

المطلوب من الجمهور المسلم والعربي أن يفهم ويعي ويفكر، لا أن يصدر الأحكام وينصب المشانق، فالحقيقة الكاملة مازالت محبوسة داخل الغرف المغلقة.

لم أكتب هذا المقال لأقيم أداء حماس، أو لألعن قرارها أو لأثمنه، فالموقف الآن أكبر من كل الكلام، ودماء الشهداء أثمن من خوض أي جدل، وصرخات الألم أعمق من جميع الانتقادات، كل ما قصدته هو ربط الحقائق التاريخية علها تفيد بعد أن ينقشع الغبار.

حيا الله رجال المقاومة المخلصين، وكتب لهم النصر، وربط على قلوب اخوتنا في فلسطين، ومكر بأعدائهم وأعدائنا، وأعاد لأمتنا العزة بعد عقود من الذل.

انتهى.

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *