كان القرار الأمريكي الذي قضى بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس والاعتراف بالكيان اللقيط كدولة واحدة هو بمثابة محاولة لإنهاء حقبة ما بعد الحرب العالمية واعلان نصر الرأسماليين على كل ألوان الاشتراكية وخضوع الكوكب مرة أخرى لنظام اقتصادي واحد.
لم يكن اجراء ترامب في 2017 وليد برنامجه، فبعد حرب 1947 صدر قرار بتقسيم فلسطين لثلاث كيانات يهودية وعربية ودولية (القدس)، وفي نهاية حرب 1948 قسمت مدينة القدس بين الأردن وإسرائيل.
في نهاية 1949 أعلن الأردن ضم الضفة الغربية والقسم الشرقي من مدينة القدس، إلى أن احتل جيش الاحتلال القسم الشرقي لمدينة القدس خلال حرب 1967.
في يونيو 1967، فرض جيش الاحتلال سيطرته على قطاع غزة، فقد كانت فكرة ترحيل السكان الفلسطينيين من المنطقة عنصرا ثابتا في الفكر الصهيوني.
في عام 1968م، بدأ تنفيذ خطة القدس الكبرى خارج أسوار المدينة القديمة بإنشاء المستوطنات على الأراضي المصادرة.
في 1980، صوت نواب الكنيست الإسرائيلي على قانون “أورشليم القدس عاصمة إسرائيل” وفق حدود 1967 التي أقرتها الحكومة كمبدأ في الدستور الإسرائيلي.
أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة سبعة قرارات أدانت محاولة المحتل ضم القدس الشرقية قوبلت بتجاهل من جانبه، وكرد فعل على قرار المحتل أعلنت فلسطين “القدس عاصمة لها في 1988.
أسس الاحتلال «سلطة تطوير القدس» في 1988 وهي هيئة رسمية ممولة تتمتع بصلاحيات وميزانيات لا حدود لها لإعداد المخطط الهيكلي الذي تناول بالدراسة مشروع «القدس الموحدة» الذي تم اعتماده في عام 2011، وأطلقت عليه تسمية «القدس 2000».
أطلقت إسرائيل مشروع القدس الكبرى في سنة 1993، وبموجبه جرى وضع خطة إقامة جدار الفصل العنصري، ويهدف المشروع إلى تخفيض عدد سكان المدينة من العرب بنسبة 55% بنهاية عام 2040 وذلك عبر عمليات التهجير والطرد وهدم البيوت والإنذارات ومصادرة الأراضي والعقارات والتغلغل داخل الأحياء العربية، وفي المقابل تشجيع الهجرة اليهودية في مقابل محفزات مادية واجتماعية.
في 1995، أصدر الكونجرس الأمريكي تشريع «سفارة القدس» والذي يعترف بالقدس عاصمة للدولة العبرية في موعد أقصاه مايو 1999، ويقضي بنقل سفارتها في الكيان إلى القدس بدلاً من تل أبيب.
في 2004 أعلنت لجنةُ تخطيط الاحتلال «خطةَ القدس 2020» كأول مخطط شامل ومفصل لها يستهدف مجالات عديدة كالتخطيط الحضري والآثار والسياحة والاقتصاد والتعليم والنقل والبيئة والثقافة والفنون.
في مقابل خطة فك الارتباط الأحادية الإسرائيلية في 2005 حصل الكيان على ضمانات تعترف بالكتل الاستيطانية الإسرائيلية الكبرى في الضفة الغربية، وترفض الانسحاب إلى حدود 1967، كما ترفض حق العودة للاجئين الفلسطينيين، لقد كان ذلك بمثابة إيذان بمزيد من الانتشار وتجميد لحقوق الفلسطينيين المستقبلية، وبعد الاجتياح الاسرائيلي الأخير لغزة تم إلغاء الخطة في 2024.
أصدرت سلطة تطوير القدس الحكومية خطة «ماروم» 2011/2016 التي تهدف إلى الترويج للقدس كمدينة عالمية رائدة في التجارة، جاذبة للطلاب اليهود والدوليين، كما رسمت خطة «هايوبيل» 2017/ 2023 على النحو المحدد في خطة «ماروم» وتشمل ثلاث مجالات رئيسية: هي السياحة والتشغيل عالي الجودة والتعليم العالي.
أطلق كيفن بيرميستر المبتكر التكنولوجي والمستثمر العقاري الأسترالي خطة “القدس 5800” والمعروفة أيضًا باسم «القدس 2050» وهي مبادرة ترمي إلى الترويج لصناعة السياحة الإسرائيلية القائمة على تقييد صناعة السياحة الفلسطينية عبر عزل القدس الشرقية عن باقي الأرض الفلسطينية المحتلة، ولا سيما بعد بناء الجدار بهدف تهويد مدينة القدس نهائياً وإفراغها من الطابع الفلسطيني.
بحسب هذا المخطط الذي يعتبر القدس عاصمة لدولة يهودية واحدة، فإن «الكيان المحتل» سيصبح همزة الوصل بين أوروبا والشرق الأوسط بعد قيام «القدس الكبرى» بالمفهوم اليهودي، عبرة فصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها ما يعنى عدم إمكانية إقامة دولة فلسطينية ذات تواصل جغرافي.
بعد تأجيل عدد من رؤساء الولايات المتحدة تنفيذ تشريع الكونجرس الأمريكي الصادر في 1995، فلم يكن أمام دونالد ترامب بعد أن قاربت المهلة على الانتهاء سوى أن يلقي خطاب القدس ويعلنها عاصمة لدولة المحتل في 6 ديسمبر 2017.
في 2018، أقر «الكنيست» قانونا ذا مكانة دستورية أكد أن الكيان اللقيط هو «دولة قومية للشعب اليهودي»، وأعلن أن حق تقرير المصير داخل تلك المنطقة «خاص بالشعب اليهودي»، واعتبر «الاستيطان اليهودي» قيمة وطنية، ثم انتقلت السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، بالتزامن مع ذكرى احتفال المحتل بإعادة توحيد القدس (احتلال القدس الشرقية).
إن التفكير في إخلاء غزة ليس جديدا، فإسرائيل تسيطر مباشرة منذ 1967على المجال الجوي والبحري لها، وعلى سبعة من المعابر البرية، وعلى المناطق منزوعة السلاح، وعلى سجلات السكان الفلسطينيين؛ وكانت خلال الفترة الماضية تهيئ الظروف الملائمة والواقع الأمني المناسب وتستطلع مدى تعاون مصر في سبيل عقد اتفاق موثوق للتوصل لإمكانية إقامة ميناء بحري ومطار في قطاع غزة.
اهتم الكيان في البداية بالحفاظ على وجوده العسكري على طول الخط الحدودي الفاصل بين قطاع غزة ومصر (محور فيلادلفيا)، إلى أن تمكن بعد طوفان الأقصى من احتلاله في محاولة لنقل معبر رفح إلى نقطة «المثلث الحدودي» الواقعة جنوب موقعه الحالي ليصبح ثلاثي السيطرة بين مصر وفلسطين واسرائيل.
تعد سلسلة الاستفزازات الاسرائيلية المكثفة منذ عام 2020 هي شرارة بدء استكمال المشروع الصهيوني الغربي الذي يعتبر طريق حيفا/الخليج هو درة تاجه.
منذ أن وضعت بريطانيا أرض فلسطين تحت حمايتها وهي تعتبر طريق حيفا/الخليج هو تعويضها العادل عن قناة السويس التي تظل لفرنسا فيها اليد العليا باعتبارها الدولة المنشئة للمشروع، لذلك قررت بريطانيا أن تحول حيفا لمدينة صناعية، وصارت محطة دائمة للأسطول السادس الأمريكي، وأنشأت فيها ميناء يعد بمثابة مدخلا شرقيا للبحر المتوسط.
لا يمكن أن نغفل أثناء الحديث عن طريق حيفا /الخليج والمعارك التي تدور من أجله عن شروع الصين في تأجير وادارة ميناء الخليج في حيفا، وميناء أسدود في الجنوب لمدة 25 عاما ما أثار قلق واشنطن ذات الحكم الجمهوري الموالي لإنجلترا ودفعها إلى تحذير الكيان من اتخاذ هذه الخطوة، وربما انتهى بها إلى ما هو أكبر من ذلك.
وهنا يجب أن نلفت النظر إلى أن الصين منذ تغيير سياساتها بعد الماوية صارت تسير في ركاب الرأسماليين وان احتفظت بشكل الحكم الشيوعي التقليدي، وما كان الجانب الإسرائيلي ذو الإدارة الرأسمالية المتمثلة في رئيس وزرائها ليقبلها إلا إذا كانت تركب مع الرأسماليين ذات القطار.
لكل شيوعي سابق رأسمالي يدعمه، فمن يدعم الصين؟
ينقسم الصراع الحالي في العالم بين عدة اتجاهات، رأسمالي فرنسي ورأسمالي بريطاني، واشتراكي ثوري يتم تحجيمه تنتهي أطراف أعصابه عند الاشتراكي الفرنسي، بعد أن استطاعوا جميعا حبس الاشتراكي الإصلاحي.
يدعم الاتجاه الرأسمالي الفرنسي قيام الصين بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ليكون بمثابة المنافس الجديد للرأسمالي البريطاني، يتنافس الرأسماليون الفرنسيون والإنجليز لكنهم لا يصلون لمنطقة الصراع الحربي إلا في حالات نادرة، كضرب مرفأ بيروت مثلا الذي هرع على أثره رئيس فرنسا الرأسمالي إلى لبنان مستعمرة بلاده القديمة.
يمكنك أن ترى المنافسة في العالم العربي بين مستعمرات انجلترا وفرنسا في مصر المحتلة فرنسيا سابقا والسعودية المؤسسة بريطانيا، بل إنك يمكن أن تلاحظه فيما هو أصغر، فستجد مثلا أن مصر تهمل مشروع السكك الحديدية الذي أنشأته انجلترا في مقابل همة متناهية في انشاء مترو أنفاق وقطارات كهربية تشارك فيها فرنسا بقوة.
تتجلى اليوم مظاهر المنافسة الرأسمالية البريطانية (الحزب الجمهوري الأمريكي) من جانب / والفرنسية (الصين) من جانب آخر في أوضح صورها في حيفا، وتتضح محطات المعركة الاشتراكية الثورية الفرنسية (إيران) من جهة / والرأسمالية البريطانية (حزب الليكود ومن خلفة الحزب الجمهوري الأمريكي) من جهة اخرى في غزة كما لم تظهر من قبل.
يحاول البريطاني أن يرفع علمه في غزة هذه المرة ليقضي على أحلام الفرنسي بمشاركته طريقه التجاري.
لم تتغير قوانين اللعبة منذ الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم، بل من قبلها، وإن صور الاعلام الغربي غير ذلك، لكن هذا المستوى من اللعبة صعب على جميع الأطراف لأنه يقع عند نقط التماس الحساسة جدا، ففلسطين هي موضع الخلاف في التاريخ القديم، ومنذ تفكيك الدولة العثمانية، ووضع خريطة سايكس بيكو، لذلك لا يصل المتنافسون لحل أبدا، فهل سينجحون اليوم؟