ربيع عبد الرؤوف الزواوي يكتب: في كل واد يهيمون (2)
قلت في المقال السابق إن قوله سبحانه وتعالى عن الشعراء أنهم (فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ) هو أصدق وصف وأبلغه؛ ذلك أنّ الشعراء يهيمون في كل وادٍ على الحقيقة.. وانتبه -رعاك الله- للفظي الوادي ويهيمون معنىً ودلالةً!
فمنهم -أي: الشعراء- من يهيم في وادي نفسه وذاته، ومنهم من يهيم في وادي قومه وقبيلته، ومنهم من يهيم في وادي ذكائه وعقله، ومنهم يهيم في وادي فصاحته، ومنهم من يهيم في وادي شِعره وقصائده، ومنهم من يهيم في وادي محبوبته ومعشوقته، ومنهم من يهيم في وادي شكله وجماله.. إلى آخر هذه الأودية التي لا تنتهي..
وسوف أدلّل على ذلك كله قدر استطاعتي من أشعارهم وبما يسمح به المقام.. ولكن قبل ذلك أود أن أطوّف بك سريعا حول لفظي الوادي ويهيمون..
فالوادي: كلُّ منفرَج بين الجبال والتِّلال والآكام؛ وسُمِّي بذلك لسيلانه، ولكونه مسلكًا للسّيل ومنفذًا، والوادي: اسم فاعل من الفعل ودَى؛ يُقال ودَى الشيءُ. أي: سال، ووَدَى الرجلُ: خرج وَدْيُه، والودْي: السائل الذي ينزل من الرجل؛ وهو معروف في باب الطهارة من كتب الفقه، ويقال: ودَى القاتلُ القتيلَ: أعطى وَلِيَّه دِيَتَه، ويقال: وَدَى الأَمْرَ: قَرَّبَهُ..
وخلاصة ما تقدم أن مادة ودي تفيد سهولة الحركة والانتقال؛ فالوادي قابل للسير فيه والسلوك في كل دروبه بسهولة، غير الجبل والتلّ والأَكَمَة وغير ذلك.
وأما يهيمون؛ فيقال تَهَيَّمَ الرَّجُلُ: مَشَى أحْسَنَ الْمَشْيِ. وتَهَيَّمَهُ الحُبُّ: حَمَلَهُ عَلَى الهُيَامِ، أيِ الجُنُون مِنَ الحُبِّ، ويقال تَهَيَّمَتْهُ الْمَرْأَةُ: جَعَلَتْهُ يَهِيمُ بِهَا، والهِيم: الإبل العِطاش؛ جمع أهْيَم.
فلعلك لمستَ الآن شيئا مما أردتُ دلالتك عليه وتنبيهك إليه من بعض ما يفيده اللفظان؛ الوادي والهيام.
أيضًا؛ لاحظ -رعاك الله- أن لفظ (واد) جاء نكرة، ليفيد العموم والشمول؛ أي وادٍ، وجاء لفظ (يهيمون) مضارعًا؛ ليفيد الاستمرار والدوام وعدم الانفكاك والتوقّف..
وفي المرة القادمة إن شاء الله أريك كيف يهيم الشعراء في كل ما تقدّم من أودية ذكرناها في أول هذا المقال.