مقالات

رضا بودراع يكتب: تفكيك تركيا يمر عبر تفكيك القسام وإدلب

لقد فتح شياطين الحرب بابًا لم يستطيعوا فتحه منذ الحروب الصليبية الكبرى

إن تحريك أقوى جيوش الكتلة الأنجلوصهيونية المهيمنة، وهي في «حالة متمردة» على قوانينها وشعوبها، ومتجاوزة لأعراف عالم بذلوا أنفس ما عندهم لبنائه طيلة ٤٠٠ سنة 

وكلفهم حروب إمبراطورية طويلة وحربين عالميتين

ليس هدفه تفكيك القسام أو حماس وتنتهي اللعبة.

لن يتوقفوا حتى يحققوا إخضاعا تاما لـأمة الإسلام الثائرة والمتحدية لهم بهزائم كبرى في أفغانستان ومالي واستعصاء معجز في سوريا.

يرون أن إخضاع قلب الأمة فقط وحده كفيل بحفظ ماء وجوههم أمام أمم الكفر قاطبة

وتبرير بقائهم على قيادة رأس الهرم الدولي.

فما عجزت عنه الحرب العالمية على الإرهاب وقد تبين أنها على الإسلام

(وقد كانت منضبطة إلى حد ما بالقانون الدولي)

فسيقولون نعم كنا وحوشا و خارجين عن القانون

لكنا حققنا  ما عجزتم عنه في 100سنة الماضية

وخلصناكم من حتمية سقوطكم ورجوع الإسلام الذي أخضعهم لألف و300 سنة

يعني الآن هم يراهنون على شرعية المقاتل الفاجر عديم الأخلاق والمبادئ

فيشفع قتاله عن  شناعة سقوط أخلاقه.

ولو توقفوا عند غزة والقسام فلن يستطيعوا أن يحركوا جيوشهم مرة أخرى بهذا الشكل أبدا

وسيفقد اللص الأمريكي أهلية القيادة الدولية وسيفقد القواد الصهيوني معه القدرة على التأثير في صناعة التوازنات الدولية مستقبلا

وبالتالي فخروج أمريكا من التاريخ أمر حتمي..

ومصير الكيان أيضا متعلق بزوالها كقوة قاهرة.

ما نراه اليوم هو حركة يائسة من شرطي العالم الفاجر، لعلّه يصبح بطلا في أعين الكفر رغم فجوره ودناءته.

ولعلهم يستندون على نبوءة توراتية عندهم أن الرب سيمهد للمسيح الأرض برجل فاجر يقتل بني كنعان

كل الأطراف الراعية والضامنة شريكة في هذه الخطة أو على الأقل لديها معرفة وإدراك لأبعادها

لذلك كلهم متوترين لحساسيتها وإمكانية تغير خريطة المنطقة بشكل يفكك ذات الأطراف الضامنة خاصة المجاورة إيران وتركيا

بعد القسام حتما سيتوجهون لإدلب:

إذا نظرنا مليا في الخريطتين وأخرى كثير سأنشرها تباعا

ورسمنا عليها كل التموضع العسكري على طول الحدود الجنوبية بين سوريا والعراق 

فإن هذا اكبر خط إمداد لوجستي فتح منذ حرب العراق الثانية 2003

وهو خط لوجستي سيغذي عمليات تحميه مع القسام وإدلب

عبر معبرين رئيسيين 

1- المعبر الشمالي الذي لازال يؤرق تركيا وتعتبره الممر الإرهابي للتنظيمات الكردية التابعة لأمريكا

2- والممر الأمريكي الجنوبي الذي يفتح الآن

والذي كان مخطط له مع أول مشروع إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل تحت اسم معبر داوود عليه السلام أو المعبر العبري وكل يسميه حسب إستراتيجيته.

وما يتم الآن هو  تمتينه وتقويته لاختباره مع القسام

ثم تأكيد فعالية المعبرين مع إدلب

وتكون بادية الشام كتحصيل حاصل يساومون بها الروس والإيرانيين كما هو موضح في الخريطة باللون الأحمر

وكل هذا ما هو إلا تحميه للهدف الأكبر

التفاف كل القوى المتواجدة في أرض الشام وجنوب العراق الراعية والضامنة

مع قوة أكبر لها وزن إقليمي مؤثر جدا!

الكل يقوم بعملية تعمية متعمدة!

الكل يقول أن الحشد العسكري وخطاه اللوجستيين هو ضد محور إيران الشيعي 

وهذا هراء لا يمكن تصديقه بمجرد النظر لخرائط توزع القوى

لن يكون إلا ضد المحور السني، كل المحور السني

بل سيكون المحور الشيعي أهم مرتكزات العمل العسكري في إدلب وبشكل أكبر في حرب اقليمية كبؤى هدفها تفكيك تركيا كمركز سني محتمل التهديد.

مع الأسف، ففي الداخل التركي أرى تحضيرا عميقا من الطابور الخامس لذلك وهو يعمل على تهيئة الأرض وتقسيم الساحة السياسية بخطاب خطير يقوم على ثلاث ملفات شديدة الحساسية في تركيا وقد أحدثت انقساما غير مسبوق منذ قدوم اردغان  وهي الإسلام  العرب وفلسطين.

فالأطراف الخارجية ترتب الأوضاع الدولية وتحضر الأرض حول تركيا والطابور الخامس يشعل مساحات الاشتباك الداخلي!

إن المقال لا يكفي لعرض كل الأدلة وهي تتكشف وتتكثّف عند كل متابع شديد الرصد وقوي الربط ومرتكزاته المعرفية صلبة

والنتيجة تكاد تسطو على العيون

إنهم لا يريدون فقط تفكيك القسام

ولا يلوون فقط وجهة إدلب

لكنهم يريدون تفكيك المسألة الشرقية من جذورها هذه المرة يريدون تفكيك تركيا

إنه لمن المؤسف حقا أن تكون تركيا جزء من مخطط تفكيكها بغير خاصة عند النخب الحاكمة الصادقة منها

إنها الآن تقوم بأكبر خطأ استراتيجي يهدد وجودها.

إنه لاشك أن إشغالها بالشمال في حرب أذربيجان بمشاركة الكيان وتغطية الناتو وما تمخض عنها من تفاهمات آسرة في 23 أكتوبر 2023 شلّت الموقف التركي جنوبا تجاه الأقصى، وشل قبلة حركتها الفعالة تجاه خاصرتها في الساحة السورية.

كل ذلك ستكون نتائجه وخيمة جدا،

ليس فقط على النفوذ التركي الذي حققه في الـعشرينية من حكم اردوغان

بل على جود تركيا بشكل الدولة التي يعرفها هذا الجيل والتي يؤمن بها الإنسان التركي.

الإنسان التركي سيتعرض لأكبر صدمة في «إيمانه بالدولة الحديثة» قد تفوق صدمة الإنسان الياباني بعد انكسار الإمبراطورية الإلهية اليابانية في منتصف القرن الماضي.

على تركيا أن تنتقل سريعا من سياسة اليد المرتعشة إلى سياسة اليد الضاربة

القوى الغازية قدمه بدون أخلاق ولا قيم ولا تستند في أعمالها العسكرية لأي قانون أو عرف دولي.

وإن الاعتماد على الشرعية الدولية لإيقاف أحلاف كافرة بها يحتم اعتماد خطط أخرى تتكافأ مع هذه الطائفة المظلمة.

وإن السماح بتصفية القسام وتهجير غزة خطأ عقدي واستراتيجي فادح ستجده تركيا يتردد في تفكيك تركيا ذاتها وتقسيم كتلتها الديموغرافية خلف حدود الدم.

رضا بودراع

كاتب جزائري، وباحث في الشؤون الاستراتيجية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights