عامر شماخ يكتب: القضيّةُ الفلسطينيّةُ.. فتاوَى شرعيّةٌ [1]
منذ بدء القضية الفلسطينية توالت فتاوى العلماء والتي تحرِّم التفريط بالبيع أو التنازل ولو بشبر من أرض فلسطين؛ ففي يناير عام ألف وتسعمائة وخمسة وثلاثين اجتمع في بيت المقدس: المفتون والقضاة والمدرسون والخطباء والأئمة والوعاظ والعلماء من أهل فلسطين، وتدارسوا في حكم بائع الأرض لليهود ومن يعاونونه في ذلك، وأفتوا بعدم الصلاة على هؤلاء، وألّا يُدفنوا في مقابر المسلمين، وتجب مقاطعتُهم ولو كانوا آباء أو أبناء أو إخوانًا أو أزواجًا؛ لاتخاذهم اليهود أولياء من دون المؤمنين، ولإعانتهم على إخراج المسلمين من ديارهم، ولخيانتهم لله ورسوله.
وفي منتصف الثلاثينيات أفتى الشيخ «رشيد رضا» بـ: (أن من يبيع شيئًا من أرض فلسطين وما حولها لليهود أو للإنجليز فهو كمن يبيعهم المسجد الأقصى، وكمن يبيع الوطن كله؛ لأن ما يشترونه وسيلة إلى جعل الحجاز على خطر، فرقبةُ الأرض في هذه البلاد هي كرقبة الإنسان من جسده، وهي بهذا تعد شرعًا من المنافع الإسلامية العامة، لا من الأملاك الشخصية الخاصة، وتمليك الحربي لدار الإسلام باطل، وخيانة لله ولرسوله ولأمانة الإسلام).
وفي كل يوم يذكّر علماؤنا بحرمة الإقرار لليهود على أرض فلسطين؛ ومن الفتاوى المعاصرة ما جاء في الفتوى الصادرة عام ألف وتسعمائة وتسعين ووقع عليها ثلاثة وستون عالمًا وداعية ومفكرًا منهم الشيخ الغزالي والدكتور القرضاوي والدكتور الزحيلي وغيرهم وأكدوا فيها أنّ: (الجهاد هو السبيل الوحيد لتحرير فلسطين، ولا يجوز بحال من الأحوال الاعتراف لليهود بشبر من أرض فلسطين، وليس لشخص أو جهة أن تقرَّ اليهود على أرض فلسطين أو تتنازل لهم عن أي جزء منها أو تعترف بأي حق لهم فيها، وإنَّ هذا الاعتراف خيانة لله ولرسوله وللأمانة التي وُكّل إلى المسلمين المحافظة عليها)..
وكذلك ما جاء في فتوى لـ«اتحاد علماء المسلمين» عام ألفين وعشرة، من توكيد على أنّ (فلسطين أرض وقف إسلامي إلى يوم الدين لا يجوز التفريط فيها.. وأن أي مفاوضات تتجه نحو التنازل عن أي شبر من فلسطين غير شرعية ومخالفة للنصوص الصريحة الورود والدلالة والإجماع على حُرمة التنازل عن أرض الإسلام والمسلمين)..
وفي يوليو ألفين وثمانية عشر أصدر المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية الشيخ «محمد أحمد حسين» فتوى بتحريم بيع الأراضي للصهاينة، جاء فيها: (بيع الأرض للأعداء والسمسرة عليها لهم يدخل في المكفِّرات العملية، ويعتبر من الولاء للكفار المحاربين، وهذا الولاءُ مخرجٌ من الملّة، ويعتبر فاعله مرتدًّا عن الإسلام خائنًا لله ورسوله، ودينه، ووطنه).
وتوكيدًا لما قررته عشرات الفتاوى السابقة؛ أصدرت «رابطة علماء فلسطين»، في يناير عام ألفين وسبعة، فتوى بتحريم التنازل عن حق عودة الشعب الفلسطيني إلى أرضه؛ معلّلين أن المتنازل عن حق العودة يلغي وقف أمير المؤمنين لأرض الشام على ذراري المسلمين، وهو (حق مقدس لا ينبغي لفلسطيني أن يهاجر من بلاده مختارًا بدون حق ولا وجه شرعي، أو أن يتنازل عن هذا الحق، وأن يرضى بتعويض أو توطين في مكان آخر، ومن اعتقد حِلّ ذلك فهو كافر مرتد)، مؤكدين أنّ (تحرير فلسطين والقدس وإعادة ملايين اللاجئين لا يتمّ عن طريق المفاوضات السلميّة الذليلة وإنما عن طريق الجهاد والمقاومة).
وفي سياق متعلق بمسألة الولاء لليهود من جانب بعض المنحرفين صدر العديد من الفتاوى التي تحرّم ذلك وتنبّه إلى خطورة التعاون مع الصهاينة، ومنها ما جاء في موسوعة «مجمع البحوث» التابع للأزهر الشريف، من أنّ (الجاسوس الذي يرشد الأعداء على المجاهدين، ويسعى في الأرض فسادًا، إن عُرِفَ هذا منه واشتهر به، فإنَّه يُقْتَل ويثاب قاتله، وأمَّا إذا لم يُعْرَف هذا عنه، فأمره موكول لحاكم المسلمين وأهل الحلّ والعقد؛ فإن رأوا قتله قُتِل، وإن رأوا تعزيره عُزِّر، فيتخيروا ما هو أصلح للمسلمين).
[يتبع إن شاء الله تعالى].