عامر شماخ يكتب: «رابعةٌ.. قضيةُ دينٍ ووطن»
لم تكن «رابعة» -أبدًا- نتاج صراع سياسي بين حزبين متنافسين، ولا معركة بين فصيلين متباينين، ولا تراشقًا بين طائفتين مختلفتين، بل هو صراع بين حقٍّ وباطل، بين دين ومبغضين له، بين وطن يتطلع أبناؤه إلى مستقبل مشرق ومناهضين لهذا الوطن وإن تشدقوا بقيم المواطنة وهتفوا باسم مصر؛ إذ هم في الحقيقة تابعون أذلّاء يريدون دسّ أنف هذا الوطن وبنيه في التراب.
لو كان صراعًا سياسيًّا لاحتكموا إلى قواعد الديمقراطية ونتيجة الصندوق، ولنزلوا على رأي الشعب وكلمة الأمة، ولتركوا الرئيس الشرعي المنتخب انتخابًا شعبيًّا حرًّا نزيهًا لاستكمال مدته، لكنهم احتكموا إلى آلة الحرب وإبادة السلميين العزل الذين اعتصموا لأجل المطالبة باستعادة الشرعية التي اغتصبوها؛ فقتلوا منهم الآلاف، وأصابوا أضعافهم، بمن فيهم النساء والأطفال والشيوخ، وقد أجهزوا على الجرحى، وحرقوا الجثث وجرفوها، وعذّبوا الناجين، وقتلوا أعدادًا منهم من المسافة صفر.
كلُّ الشواهد تؤكد أن «رابعة»، وما سبقها من مذابح وما تلاها كانت حرب استئصال وإبادة؛ إبادة لكل من يقول ربي الله لا يرقبون فيهم إلّا ولا ذمّة، وخطتهم في ذلك منع أصوات الموحدين، والقضاء على شرائع وشعائر الدين، وخابوا وخسروا؛ إذ رغم ما فعلوه في القائد إبراهيم، ورمسيس الأولى والمنصة، وبين السرايات وغيرها –خرجت إليهم جحافل الموحدين السلميين بالملايين تهتف باسم الدين، وكانت «رابعة» أكبر تجمّع سلمي دفاعًا عن هُوية مصر وإسلاميتها، وحفاظًا على الوطن الذي بات يُخطط له من «تل أبيب».
وكانت «رابعة» أيضًا رسالة بالدمّ من جانب الهَمَجِ لشعب مصر، مفادها: أن من يقف في طريقنا ليس له إلا الرصاص، كانت رسالة تخويف وتهديد، وتكريس للقمع والاستبداد، لكنهم فوجئوا بأن شعبنا لا يخاف، ولا يُهدد ولا يثنيه القمع عن استرداد حقه والوقوف في وجه الطغاة المتغطرسين.. في الجمعة التي تلت «رابعة» (16/ 8/ 2013) خرجت مصر تقريبًا –إلا المخدوعين- إلى الشوارع تندد بما جرى يوم الأربعاء السابق (14/8) في «رابعة والنهضة»، وسقط أيضًا مئات الشهداء في مذابح جديدة استخدموا فيها الطائرات لضرب الثوار، كما جرى في رمسيس الثانية ومسجد الفتح، وسموحة والسويس والإسماعيلية ودمياط وبورسعيد وشتى محافظات الجمهورية.
ورغم كلّ هذا لم يتعلم المجرمون الدرس، ولم يتراجعوا عن فُجرهم وبغيهم، كما لم يفيقوا من غبائهم، ظنوا أن الإشكالية في جماعة الإخوان، فإذا بالشعب كله إخوان، لقد بات معلومًا لدى المصريين أن القضية هي قضية دين ووطن وإلّا لِمَ كل هذا القتل في الشوارع بعد حصار الإخوان بين شهيد وجريح وسجين ومطارد ومهاجر؟! بعد «رابعة» بشهرين وفي ذكرى انتصار السادس من أكتوبر عمّت المظاهرات المليونية أرجاء مصر؛ تنديدًا بما جرى في «رابعة وأخواتها»، وتحذيرًا للعسكر من مغبّة الاستمرار في تقتيل الشعب وقمعه، وتذكيرًا لمن بقي فيه منهم بضع وطنية بحالهم وقت انتصار العاشر من رمضان وحالهم الآن بعدما غيّروا عقيدتهم القتالية ووجّهوا بنادقهم إلى صدور مواطنيهم.. لكن كالعادة سقط المئات في هذا اليوم وقد تفجّرت أمخاخهم بالرصاص الحي والذخائر المضادة للدروع، وبتحالف شيطاني بين عناصر الجيش والشرطة والبلطجية.
من المؤكد أن شعبنا لم ينس ولن ينسى ثورته، لن ينسى يناير ومكتسباتها، ولن ينسى الديمقراطية والنزاهة والشفافية والتحضّر، وقد وقعت «رابعة» -بقدر الله- للحفاظ على تلك المكتسبات؛ من ثم لن يقبل هذا الشعب -مهما قتلوا منه- بهذا الإجرام وذلك التخلّف وإن كان يبدو ساكنًا، فإن تحت الرماد نارًا لا تنطفئ، وقنابل موقوتة قابلة للانفجار في أية لحظة، وهناك تارات، وحقوق، وقصاص، وإذا كان صوت الرصاص قد طغى على صوت العقل والحكمة؛ فإنما ذلك يكون لفترة لا تُحسب في عمر الزمن وإن طالت، مثل لحظات الوقت الضائع التي لا تفيد الحمقى والمنهزمين.