مقالات

عامر شماخ يكتب: «فيتنام مصر».. ذكرى انقلاب «السَّلَّال» [1]

صادف يوم (26 سبتمبر) ذكرى وقوع انقلاب «عبد الله السلال» باليمن، والذي كان من تداعياته تدخّل الجيش المصري للحرب في البلد الشقيق، وما جرّه على «المحروسة» من كوارث، على رأسها الهزيمة التاريخية عام 67، التي خففوا من وقعها على الأمة بتسميتها «النكسة»، والانهيار الاقتصادي، فضلًا عن ضحايا الحرب والتي قُدّرت بنحو خمسين ألف جندي مصري ما بين قتيل وجريح، حتى أُطلق عليها «فيتنام مصر»

وقع هذا الانقلاب في يوم الأربعاء 26 من سبتمبر عام 1962 ضد المملكة المتوكلية اليمنية، قام به العقيد «عبد الله السَّلَّال» ومعه ما سُمي بـ«مجموعة الضباط الأحرار»، تولى «السلال» في اليوم ذاته قيادة البلاد حتى أُطيح به في انقلاب عسكري في الخامس من نوفمبر عام 1967.

 كان من توابع هذا الانقلاب نشوب حرب أهلية في اليمن استمرّت لثماني سنوات وقعت أثناءها معارك ضارية، وتحزّبت فيها أطراف عدة خارجية؛ إذ تلقى الإمام «محمد البدر» وأنصار الملكية الدعم من السعودية والأردن، وتلقى «السلال» الدعم من عسكر مصر بقيادة «جمال عبد الناصر».

كان لانقلاب 1952 في مصر أثرٌ كبير في التخطيط لهذا الانقلاب؛ إذ رعته القاهرة منذ أن كان فكرة في عقول منفذيه، كان الدكتور «عبد الرحمن البيضاني» هو العقل المدني المدبِّر له، والذي كان يرى حتمية قيام الجيش لا غيره بالانقلاب، وبناء ميناء في الحُدَيْدة لاستيراد الأسلحة الثقيلة لإحداث فرق في العتاد بينهم وبين القبائل، ووجود دولة تساند الحركة، وإعلام قادر على التبشير بـ«مبادئهم»..

 سافر «البيضاني» إلى القاهرة، بعد تكوّن نواة في الجيش لهذا الغرض، وعرض خطته على «عبد الناصر» الذي وافق على دعم الانقلاب العسكري اليمني، كما وافق على خطتهم في التحرك لاحتلال العاصمة والقضاء على الإمام وأعوانه، ومن ثم القضاء على النظام الملكي وإقامة نظام جمهوري على غرار النظام المصري.

في 6 من مارس عام 1961 وقعت محاولة اغتيال للإمام «أحمد» في مستشفى «الحُدَيْدة»، قام بها ثلاثة ممن تسموا بمجموعة «الضباط الأحرار»، توفي بعدها متأثرًا بجراحه وذلك في يوم 19 من سبتمبر عام 1962، وتولى ابنه «محمد البدر» الإمامة من بعده، وقد وجدها العسكر فرصة للانقضاض على السلطة؛ ففي مساء يوم 25 من سبتمبر عام 1962، أي بعد أقل من أسبوع من وفاة «الإمام أحمد» جمع «السلال» شركاءه الضباط وأمرهم بالشروع في تنفيذ الانقلاب، فتحركت (13) دبابة وعدد من العربات المصفحة ومدافع مضادة للطائرات، فاستولت على قصر البشائر، الذي كان مقرًّا لـ«البدر»، بعد معركة دامية مع الحرس الملكي، تم خلالها قصف القصر بمن فيه..

 ثم استولوا على الإذاعة، ومخازن الأسلحة، وتم تأمين الطرق والجسور في العاصمة، وأعلنت الإذاعة في صباح اليوم التالي (26 من سبتمبر عام 1962) أنه تمّت الإطاحة بالإمام «البدر» وحلّت محله «حكومة ثورية» جديدة. وقد تمكّن «البدر» من الفرار إلى السعودية بمساعدة أنصاره من زعماء العشائر، وكانت قد سرت شائعة مقتله أثناء اقتحام الجيش للقصر. وفي اليوم ذاته نصّب «السلال» نفسه زعيمًا للبلاد.

بمجرّد إعلان الإذاعة اليمنية نجاح الانقلاب والإطاحة بالنظام الملكي، أعلن الأمير «الحسن»، عم الإمام «البدر»، أنه عائدٌ إلى اليمن من نيويورك حيث كان يترأس وفد بلاده في الأمم المتحدة ليتولى الإمامة خلفًا لـ«البدر» الذي ظنّ أنه قُتل وليقمع الانقلاب، وفي اليوم التالي مباشرة ظهر «الحسن» في قصر الملك سعود بالرياض؛ لتبدأ جولة طويلة من الصراع المصري السعودي على أرض اليمن؛ حيث يقف عسكر مصر إلى جانب الانقلابيين اليمنيين لصناعة أمجاد شخصية بتبليغ «أفكارهم الثورية» إلى دول المنطقة..

 أما السعودية فتقف إلى جانب الملكيين الذين أُطيح بهم لتنضم إليها الأردن لاحقًا؛ خشية وصول المد الناصري إلى عرشها. امتدت الحرب لثماني سنوات، من عام 1962 حتى عام 1968، أُزهقت فيها آلاف الأرواح، وأُنفقت فيها بلايين الدولارات، واستغلّتها القوى الكبرى في بيع السلاح وتأجير المرتزقة، واستفاد منها الصهاينة في إضعاف جيوش ومقدرات العرب لتقوم بضربتها الكبرى التي نكبت الأمة في يونيو عام 1967.

عامر شماخ
كاتب صحفي مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *