مع خروج آخر جندي بريطاني من فلسطين في الخامس عشر من مايو عام ثمانية وأربعين، أعلن «ديفيد بن جوريون»، الرئيس التنفيذي للمنظمة الصهيونية العالمية، قيام «كيان إسرائيل» واحتلال الشعب اليهودي لما أسماه «أرضه التاريخية».. بدأت بعدها عملية «تطهير عرقي» واسعة تضمنت «الترحيل القسري» للفلسطينيين، بالقتل والترويع، وخلق جو من الرعب لدفعهم إلى الهروب، وفى خلال شهري يونيو ويوليو عام ثمانية وأربعين كان قد تمّ –تقريبًا- إخلاء القرى والبلدات العربية من ساكنيها بنزوح تسعمائة ألف فلسطيني منها..
وإزاء هذه التطورات قررت «جامعة الدول العربية» في الثاني عشر من أبريل عام ثمانية وأربعين إرسال جيوشها إلى فلسطين، على أن يكون هذا التدخل بعد انسحاب بريطانيا المزمع في الخامس عشر من الشهر ذاته، وهو ما تم بالفعل؛ إذ دخلت الأراضي الفلسطينية جيوش: مصر والأردن وسوريا ولبنان والسعودية والعراق، والتي كان قوامُها مجتمعة عند انتهاء الحرب نحو أربعين ألف جندي، مدعومة بثلاثة آلاف من المتطوعين، في مقابل مائة وستة آلاف جندي إسرائيلي.
دارت رحى الحرب إذًا بين الجيوش العربية من ناحية وعصابات ومنظمات الصهاينة التي توحّدت فيما يُعرف بـ«جيش الدفاع الإسرائيلي» من ناحية ثانية، واستمرت الحرب من مايو عام ثمانية وأربعين حتى مارس عام تسعة وأربعين.. في البداية استهدفت القوات العربية المستعمرات الصهيونية بقوة، لكنْ تصدت لها المنظماتُ اليهودية وتمكّنت من إيقافها، بل عَبَرَت الأراضي اللبنانية واقتحمت شبه جزيرة سيناء واستولت على صحراء النقب ووصلت إلى البحر الأحمر، وفي الحادي عشر من يونيو عام ثمانية وأربعين سرت هدنة بين الجانبين استغلّها اليهود في فرض سيطرتهم على مزيد من الأراضي وإعادة تمركز قواتهم واستجلاب المزيد من المؤن والأسلحة، في حين اكتفت الجيوش العربية بالشكوى من تلك الخروقات..
وتكررت الهدنة في الثامن عشر من يوليو عام ثمانية وأربعين، واستغلّها اليهود هذه المرّة في شن غارات جوية على القاهرة وعمّان ودمشق؛ ما أثّر سلبًا في معنويات الشعوب والجيوش العربية التي بدأت بالتسليم بالهزيمة.. ثم توقفت الحرب بشكل نهائي بعد اتفاقية «رودس» في الثالث عشر من يناير عام تسعة وأربعين، بعدما سقط من جنود العرب نحو سبعة آلاف شهيد وثلاثمائة أسير، في مقابل ستة آلاف قتيل من الإسرائيليين.. تم بعدها قبول «إسرائيل» عضوًا بالأمم المتحدة.
شاركت في هذه الحرب قواتٌ من متطوعي جماعة الإخوان المسلمين من كل من: مصر والأردن وسوريا وفلسطين والعراق، وقد أبلوا بلاء حسنًا، وكانوا سندًا لجيوشهم في كل العمليات القتالية، بل تميزوا على القوات النظامية كونهم يشنون عملياتهم على طريقة حرب العصابات؛ ما كبّد الصهاينة خسائر فادحة في أرواحهم وعتادهم.. وكان لإخوان مصر الدور الأكبر في تحرير واقتحام المواقع والمستعمرات التي عجز الجيش عن التعامل معها، وجاءت شهادات قادة الجيش فيما بعد لتثنى على هذه الروح الجهادية العالية..
خاض الإخوان أولى معاركهم مع العدو قبل وصول القوات النظامية بأكثر من شهر؛ حيث اقتحموا فجر يوم العاشر من أبريل عام ثمانية وأربعين مستعمرة «كفار ديروم» وسقط منهم ستة وأربعون شهيدًا، ثم توالى اشتراكهم في المعارك واقتحام التحصينات والاستيلاء على معدات العدو وحصد أفراده حتى صدرت أوامر حكومية في الرابع عشر من فبراير عام تسعة وأربعين بالتحفظ عليهم وسحب أسلحتهم وتجميعهم في أحد المعسكرات بمنطقة «رفح»؛ ليتم ترحليهم إلى بلدانهم كمجرمين، وكان هذا تهيئة لـ«اتفاقية رودس» التي وُقِّعت بعد شهر من التحفظ عليهم.