قد شغلت الأوضاع الخطيرة المؤسفة للغاية التي تعيشها الأمة الإسلامية وهي محصورة بها عقولَ المثقفين الواعيين والدعاة والعلماء وعامة المسلمين، بل حيّرتهم واذهلتهم هذه الأوضاع العسيرة التي أحاطت بها وجعلتها فريسة الغرب ومكايدها ودسائسها ولعبة عابثة مضحكة في أيديه، الجميع يسأل لمَ وصلت الأمة المسلمة إلى هذا الوضع الخطير؟ ما هي الأسباب التي دفعتها إلى حضيض الفشل والهزيمة والخنوع في كافة الأصعدة؟ أصبحت دولة الإسلام الكبيرة القاهرة دويلات ولقيمات صغيرة لا طاقة لها ولا إرادة لها ولا وزن لها أمام الأمم الكافرة؟ لماذا هذه الإمبراطورية الكبيرة الإسلامية التي كانت تحكم العالم كله وتسوده وتقوده عبر قرون متتالية أصبحت مقهورة مكسورة كئيبة مضطهدة؟ والأعداء الألداء يشنّون حروباً طاحنة مسجورة عليها كل يومٍ؟ اليوم أميركا هي التي تحكمنا وتسودنا وتنهب ثرواتنا وتحتل بلادنا وتدمرها وتمزقها دون أي مبرر شرعي وقانوني.
هذه التساؤلات المزعجة للخاطر، المثيرة للعواطف، تدور في أذهاننا وتدفعنا على الرثاء على حالنا، و البحث عن الأسباب التي دفعتنا إلى هذه الهزيمة النكراء المشؤمة، لأنّنا نعيش مرحلة خطيرة مؤلمة للغاية، مليئة بالمأزق والفخ والفشل والهزيمة، الأعداء البلداء الألداء كشّروا عن أنيابهم لمتزيقنا واستئصال شأفتنا من بكرة أبينا، الإرادة القيادة القاهرة انتزعت عنا، بل صرنا أمة مهزولة مقهورة مكسورة فاقدة للإرادة السيادية، فإعادة المجد، وإعادة إرادتنا القيادية، التي قهرنا بها الإمبراطوريات المدججة المرعبة المروعة، وبناء قيادتنا القاهرة الفاتحة من جديد، وإخضاع الأمم الكافرة والقوى العالمية لقضيتنا ومشروعنا الإيماني، يتطلب منا الإيمان القوي، والإرادة الفولاذية المستلهَمة من الكتاب والسنة والسيرة النبوية، والتضحية والفداء والزهد في الدنيا وزخارفها وثرواتها الباهظة الكاثرة، والرجوع إلى حظيرة الإسلام والامتثال بأوامره والخضوع لها، والإقبال إلى الكتاب والسنة واشعال حب الجهاد والاستماتة في سبيل الله، وايثار الآخرة على النفس.
الأمة التي تكالبت عليها الدنيا وزينتها وتجذرت في أحشاء أفئدتها وسحرتها وسلبت عقلها؛ فهي مهددة بالانقراض والاندثار والخضوع والخنوع للأمم الكافرة المعطشة للدماء، الصیحات التي تخرق السماء وتمزق الأكباد هي تهمس في أذن كل مسلم متحمس واعي يقظ؛ أين تبيت وتتسكع وغزة تباد وتندثر على مرأى ومسمع منك؟ غزة تباد وتتعرض لهزات عنيفة مأساوية ومصادمات قاسية مؤلمة مؤسفة فأين أنت منها يا مسلم؟
فهذه الصيحات والصرخات التي تدوي في أرجاء المعمورة وتحرّكها تتطلب منا الغيرة والرجولة والبسالة والقوة الإيمانية المتينة الوطيدة التي لا ننالها إلا بعد الرجوع إلى حظيرة الإسلام، والاطلاع على قيمه، والتمسك بها، الاستماتة في سبيلها، والتضحة والإيثار والتعامي عن الدنيا وزينتها وملذاتها، القوة المعنوية التي تشحذ هممنا، وتحرّك ساكننا، وتشعل فينا الغيرة والعاطفة الدينية، تذكّرنا بماضينا المفعم بالبطولات والانتصارات الباهرة، هي التي تخلو منها أفئدتنا وطغت عليها المادية الفاسدة والحضارة الباغية الغربية التي تسمِّم عقولنا وقلوبنا وتحول بيننا وعقيدتنا النقية المأخوذة من الكتاب والسنة.
تمس الحاجة الملحة إلى عودة المسلمين إلى حظيرة الإسلام من جديد، وإلى دراسة جديدة واعية للتاريخ الإسلامي والأسباب التي جعلتنا قادة ورواداً ومماليك وقضاة وحاملي راية الحضارة والثقافة والتمدن والوعي واليقظة في القرون الماضية المشرقة.