ربما لا يعلم الكثيرون أن مكة قبل الإسلام كانت مركزا من مراكز التجارة العالمية تأتيها البضائع من كل مكان برا وبحرا، تأتي برا من اليمن ومن الشام ومن العراق في قوافل ضخمة قد يزيد عددها الى الفي بعير، وكان ميناء الشعيبة هو ميناء مكة الرئيسي قبل الإسلام (قبل ان يحوله عثمان بن عفان الى جدة)، كان ميناءً عامرا نشطا بالحركة التجارية تأتيه السفن التجارية من بلاد الروم ومن الحبشة ومن مصر ومن غيرها، وكانت الحركة التجارية قد بلغت حدا من الضخامة أن زاد عدد الأسواق في مكة وما حولها عن العشرة أسواق أشهرها سوق عكاظ، مجنة، دومة الجندل، ذي المجاز، المشقر، هجر، وهي أسواق كبيرة شبيهة بمهرجانات التسوق في هذه الأيام حيث يفد إليها التجار من جميع أنحاء العالم، من فارس والهند والصين والروم والحبشة ومن مصر، وحتى الملوك كانوا يهتمون بهذه الأسواق ويرسلون بضائعهم لبيعها فيها، مثال لذلك النعمان بن المنذر ملك الحيرة الذي كان يبعث في كل عام قافلة كبيرة إلى سوق عكاظ فتباع ويشترى له بثمنها العصب والبرود والأدم وسواها، وكانت جميعها اسواقا عامرة بالأنشطة الترفيهية والثقافية مثل السباقات وانشاد الاشعار وغيرها.
ونتيجة لهذا النشاط التجاري العالمي الكبير نشأت في مكة العديد من مراكز الصرافة التي تجتمع فيها معظم عملات العالم المتداولة في ذلك الوقت، وازدهرت الصناعات في مكة نتيجة لهذه الحركة التجارية الكبيرة فقد نشطت صناعات الغزل والنسيج بعدما نمت حاجات الناس إليها وتزايد الطلب على منتوجاتها، مثل الأثاث المنزلي والأرائك والفرش وسواها.
وتطورت صناعة الملابس فأدخلت عليها التقنيات المستحدثة والأصبغة النباتية لتلوين الاقمشة حيث كانت خامات الصباغ مثل (الورس والعصفر وقرف الأرطى والعصب) تأتي من اليمن،
كما نشطت صناعات مثل صناعة الأسلحة والأواني الفخارية وصياغة الحلي والمجوهرات وصقل السيوف والنجارة، وصناعة الأدوات الزراعية، وكان من العرب من يعمل في صناعة التعدين كالوليد بن المغيرة والعاص بن هشام أخي أبي جهل، وخباب بن الأرت الذي كان من صانعي السيوف.
ونتيجة لهذه الأنشطة المتعددة كانت بمكة جالية كبيرة من مختلف الجنسيات من تجار وعمال من الروم والفرس والهند والحبشة وغيرهم، كما استلزم هذا النشاط الكبير وجود عدد كبير من الرقيق كان منهم الأبيض والأسود واشتهر منهم الأحباش، الذين كان يتم استخدامهم في مختلف الأعمال وفي خدمة أسيادهم في البيوت، فقد كانت مكة مدينة عامرة تقول التقديرات إن عدد سكانها كان ما بين (الخمسة آلاف والعشرين أالفا) وهو عدد كبير قياسا إلى سكان العالم في ذلك الوقت، وكانت بيوت مكة بيوتا ثابتة مبنية من الطين والحجارة، وكانت مكة مخصصة لسكن القرشيين بعد أن أخرج منها قصي بن كلاب قبيلة خزاعة وبني بكر، ومن قريش من كان يسكن ببطن مكة حول البيت ويسمون قريش البواطن ومنهم من كان يسكن حول مكة ويسمون قريش الظواهر وكانوا بادية لمكة.
ما كان لهذا النشاط التجاري العالمي في مكة أن ينجح لو لم تكن تسنده اتفاقيات سياسية وعهود ومواثيق دولية، فقد كان لقادة مكة وسادتها علاقات ممتازة مع ملوك وقياصرة ذلك الزمان، ويرجع الفضل في ذلك إلى أبناء (عبد مناف – الجد الثالث لرسول الله) الذي قام أولاده الأربعة (هاشم، عبد شمس، المطلب ونوفل) بالسفر ولقاء الملوك والزعماء وعقد الاتفاقيات التجارية معهم وقد كان ذلك بزعامة هاشم (الجد الثاني لرسول الله ﷺ) الذي سافر إلى الشام والتقى بقيصر الروم، وسافر أخوه (عبد شمس) إلى نجاشي الحبشة وذهب (المطلب) الى ملك اليمن وسافر (نوفل) إلى ملك الفرس والتقى به.
وكان لـ هاشم فضل كبير على أهل مكة وزوار البيت الحرام حيث كان يقوم بسقاية الحجاج وإطعامهم وكان ينفق من ماله على ذلك إضافة إلى ما يتبرع به أغنياء مكة وهو تقليد وضعه جده قصي بن كلاب زعيم مكة وسيدها من قبل، وكان هاشم يستخدم أحواضا من الجلد يضع فيها الماء والزبيب للحجاج ويضع فيها طعاما يكفيهم طوال موسم الحج، وكان يشرف على إعداد الطعام للحجاج والفقراء بنفسه ويهشم الخبز بيديه فلقب بـ(هاشم) ليشتهر به واسمه الحقيقي هو عمرو بن عبد مناف، وبعد وفاة هاشم تولى السقاية والرفادة بعده أخيه المطلب لتعود منه مرة أخرى إلى ابنه وجد رسول الله (عبدالمطلب) وهو الذي حفر بئر زمزم التي لا نزال نشرب من ماءها حتى اليوم وكان قد نذر بأنه إذا رزق بعشر من البنين ليذبحن أحدهم قربانا، فلما رزق بهم وجمعهم وأخبرهم بنذره وافقوا على أن يذبح أحدهم وفاءً لنذره، وأقرع بينهم ووقعت القرعة على ابنه (عبدالله- والد رسول الله ﷺ)، ولما أراد أن يذبحه وأتى به عند إساف ونائلة (صنمان عند الكعبة)، احتج وجهاء قريش وأشاروا عليه بالذهاب إلى عرافة مشهورة بالحجاز التي أمرته بأن يضرب بالقداح بين ابنه وبين عشرة من الإبل (مقدار الدية)، ففعل وكان يزيد في كل مرة عشرة من الإبل حتى وقعت القرعة على الإبل، فكان فداءه مائة من الإبل، وتوفي (عبدالله) وعمره خمسة وعشرون عاما ورسول الله في بطن أمه لم يولد بعد.
لقد ولد رسول الله ﷺ في بيت زعامة وعز وشرف، فهو خير أهل الأرض نسبا على الإطلاق، ونسبه المتفق عليه بالأسماء حتى عدنان وما بعد عدنان اختلفوا في الآباء التي بين إسماعيل وبين عدنان هل هم خمسة، أو ستة، أو سبعة آباء، أو أكثر؟ واختلفوا في أسمائهم ولكن الذي لا خلاف فيه أن عدنان من ولد إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام وقال البغويُّ في شرح السُّنَّة بعد أن ذكر نسب رسول الله إلى عدنان (ولا يصحُّ حفظ النَّسب فوق عدنان).
والعرب على قسمان عاربة ومستعربة، العرب العاربة وهم القحطانية والعرب المستعربة وهم الذين لم يكونوا أصلا من العرب ولكنهم صاروا عربا بانفتاق لسانهم بالعربية، وذلك مثل العرب العدنانية من ذرية إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، سموا بالمستعربة لأنهم تعلموا العربية من العرب العاربة لما جاءت جرهم وهي من العرب العاربة، ونزلوا في مكة عند هاجر أم إسماعيل، فقريش هم من العرب العاربة ومنهم رسول الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. وقريش هو (النضر بن كنانة) وهو الجد الثاني عشر لرسول الله ﷺ وفي الحديث قال رسول الله (نَحن بَنو النَّضرِ بنِ كِنانةَ. الخ).
إن افضل الناس نسبا (أهلا) من كان أباءه وأجداده أكثر فائدة ونفعا للناس، وقد كان رسول الله ﷺ أفضل الناس نسبا فأباؤه وأجداده كانوا هم الأكثر نفعا على الإطلاق وقد اختصهم الله تعالى بالشرف ورفعة الذكر، فهو في نفسه كما هو معلوم كان أفضل الناس حتى من قبل أن تأتيه الرسالة ونذكر قول أم المؤمنين خديجة (والله ما يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق)، وجده (عبدالمطلب بن هاشم) كان عظيم مكة وكان المسؤول عن إطعام الحجاج وسقايتهم (السقاية والرفادة)، بل حتى أبيه (عبدالله بن عبد المطلب) الذي توفي في شبابه اختصه الله تعالى برفع الذكر في حادثة الذبح المشهورة بأن نجاه الله تعالى من الذبح بأن كان فداءه مائة من الإبل، أما (هاشم بن عبد مناف- الجد الثاني لرسول الله ﷺ) فهو صانع مجد مكة ويعود له الفضل في نجاح مكة التجاري والاقتصادي وهو الذي اتصل بالروم ووضع الاتفاقيات التجارية معهم وهو صاحب السقاية والرفادة والكرم الذي لا ينافس، وجد رسول الله ﷺ الثالث (عبد مناف بن قصى) هو صاحب الإيلاف الذي ذكره القران، ثم يليه جده الرابع (قصي بن كلاب بن مرة) وهو من أشهر زعماء مكة وهو الذي انتصر لقريش وأخرج قبيلة خزاعة وبني بكر من مكة وجعل سكنى مكة خاصة لقريش وكان صاحب السدانة والسقاية والرفادة والندوة ولواء الحرب، ويستمر هذا التسلسل البديع إلى أن نصل إلى الجد الثاني عشر لرسول الله (النظر بن كنانة) وهو الملقب بقريش وهو الذي سميت باسمه قبيلة قريش وكان أحد أولاد كنانة وأشهرهم وأكثرهم منعة، ويستمر هذا التسلسل المذهل الذي لا نظير له من أب عظيم إلى آخر حتى يصل نسب رسول الله ﷺ إلى إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام، نسب رفيع عظيم تنتقل فيه المكانة من أب لابن لينتهي عند رسول الله الذي لم يعش له ولد ذكر، وصدق رسول الله ﷺ حين قال (إنَّ اللهَ اصْطَفي كِنانةَ مِن ولَدِ إسماعيلَ، واصطَفي قُريشًا مِن كِنانةَ واصطَفي مِن قريشٍ بَني هاشِمٍ، واصطَفاني مِن بَني هاشِم).
ووالدة رسول الله ﷺ هي (آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة) حيث تلتقي مع والد رسول الله ﷺ في جده (كلاب بن مرة) ووالدها (وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة) – (جد رسول الله ﷺ لأمه) كان (سيد بني زهرة نسباً، وشرفا)، أما علاقة رسول الله ﷺ بالمدينة فمن (جده عبدالمطلب) فأمه (سلمى بنت عمرو) كانت من المدينة من بني النجار وهم من الخزرج، وقد أكرمهم رسول الله حين قدم المدينة حيث ورد عن أبي بكر الصديق، في حديث الهجرة، (فقدمنا ليلا فتنازعه القوم أيهم ينزل عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” «أنزل على بني النجار، أخوال عبد المطلب أكرمهم بذلك»). أما زوجة رسول الله حين الرسالة فهي أم المؤمنين خديجة بنت خويلد وهي أول من آمن به وصدقه، وأبوها (خويلد بن أسد)، كان سيدًا من سادات قريش، وهو من واجه آخر التبابعة ملوك اليمن، وحال بينه وبين أخذه للحجر الأسود، كما كان ضمن الوفد الذي أرسلته قريش إلى اليمن بزعامة (عبد المطلب بن هاشم) لتهنئة سيف بن ذي يزن عندما انتصر على الأحباش وطردهم من اليمن.
كان رسول الله ﷺ مباركا منذ ولادته، والبركة هي ثبوت الخير الإلهي في الشيء؛ فالبركة إذا حلت في قليل كثرته، وإذا حلت في كثير نفع والشيء المبارك هو الذي تحصل منه الفائدة الكبيرة والخير الكثير، ومن الأمثلة على البركة في حياتنا اليومية أنك تجد شخصا براتب صغير ومال قليل يعول أسرة كبيرة تعيش في نعيم وسعادة وتجد آخر براتب كبير ولكنه يعيش في ضيق وتعاسة وراتبه لا يكفيه حتى نهاية الشهر، فالبركة أمر حقيقي موجود وملاحظ في حياتنا اليومية وهي هبة ربانية لا يستطيع الإنسان أن يتحصل عليها بجهده دون عون الله مهما فعل، والبركة حتى فيما بين يديك من طعام وشراب فتجد أن نفس المقدار من الطعام الذي يكفي لشخص واحد يمكن أن يكفي لعشرة أو عشرين أو حتى مائة شخص بمقدار ما تنزل فيه من بركة، والبركة يمكن ان تكون في سيارتك وبيتك وتجارتك وفي عمرك ووقتك، ورسول الله ﷺ كان مباركا وما دعا لشيء بالبركة إلا حلت عليه، فالطعام الذي يأكله خمسة أو ستة أشخاص بدعاء الرسول كان يكفي السبعين والثمانين من الرجال، مثال ذلك ما حدث حين استضاف أبو طلحة رسول الله ﷺ في بيته وجاء عليه الصلاة والسلام ومعه سبعون أو ثمانون من أصحابه، فدعا في الطعام، ثم طلب منهم أن يدخل منهم في كل مرة عشرة يأكلوا ثم يخرجوا ثم يأتي غيرهم، حتى أكل الجميع وشبعوا من ذلك الطعام القليل، وفي غزوة تبوك أخذ الجوع من الصحابة كل مأخذ، فاستأذنوا الرسول صلى الله عليه وسلم في نحر رواحلهم، فطلب منهم أن يأتوه ببواقي أطعمتهم، فدعا فيه بالبركة، ثم قال: (خذوا في أوعيتكم)، فأخذوا في أوعيتهم، حتى ما تركوا في العسكر وعاءً إلا ملؤه، فأكلوا حتى شبعوا وحملوا ما بقي، وفي يوم الخندق أطعم رسول الله (ألف نفر) من شاة صغيرة وصاع من شعير، حينما دعاه جابر بن عبد الله رضي الله للطعام في بيته، والأمثلة الواردة في بركة رسول الله ﷺ كثيرة فقد ولد مباركا عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم فمنذ أن كان صغيرا في كفالة عمه أبو طالب كان أبو طالب يرى منه الخير والبركة، ولذلك كان يحبه حبا شديدا، فلا ينام إلا جنبه، ويخرج به متى خرج.
وكان قد أخذه معه في رحلة التجارة إلى الشام وكان عمره نحو اثنتي عشرة سنة في الرحلة المشهورة حينما قابل الراهب الذي تنبا بنبوءته، أما بركته عندما كان رضيعا فترويها حليمة السعدية التي أصبحت دابتها أسرع وأنشط من غيرها بعد أن صار معها، فقد كانت تركب على أتان (أنثى الحمار-حمارة) وكانت حمارة ضعيفة بطيئة تسببت في تأخير القافلة التي أتت معها من بني سعد، وما أن أخذت رسول الله ﷺ حتى نشطت الحمارة ودبت فيها العافية وصارت الأسرع، ودبت العافية في حليمة نفسها فجاد صدرها باللبن، وامتلاء ضرع ناقتها المسنة باللبن، وصارت غنمها سمينة تحلب اللبن الوفير وكثر عندها الخير وصدق زوجها حين قال لها لقد أخذت (نسمة مباركة).
لقد كان رسول الله ﷺ قمة في كل الصفات النبيلة، فقد كان أشجع الناس إذ يقول عنه أصحابه كنا نحتمي به إذا حمي الوطيس، وكان أكرم الناس، وقصة الأعرابي الذي اعجبته غنم رسول الله التي ملأت وادياً بأكمله، فسأله أن يعطيه كلّ ما في الوادي، فأعطاه إياه، ومن ذلك أيضا انه كان قد اتاه مالا كثيرا من البحرين، فقال (انثروه في المسجد)، وخرج إلى الصلاة ولم يلتفت إليه، فلما قضى الصلاة جاء فجلس إليه، فما كان يرى أحدا إلا أعطاه، وما أخذ منه درهما، وبلغ من كرمه أن أهل بيته تعلموا منه وأخذوا عنه الكرم وفي الحديث المشهور انهم ذبحوا شاة في البيت فتصدقت بلحمها أم المؤمنين عائشة ولم يتبقى منها إلا الكتف فلما جاء رسول الله وسأل عن اللحم وأخبروه الخبر قال (بقيت كلها إلا الكتف)، والحقيقة أن رسول الله ﷺ لم يكن فقيرا بل كان جوادا كريما.
وكان رسول الله ﷺ حليما غاية الحلم مثال ذلك عندما جذبه ذلك الأعرابي بشدة من ملابسه بدون أي احترام ولا تقدير وقال له (مر لي من مال الله الذي عندك) فالتفت إليه بلطف وأمر بإعطائه المال، وأيضا لما أراد زيد بن سعنة اليهودي أن يختبره قبل إسلامه وكان له مال عند رسول الله ﷺ وجاء لرسول الله وهو بين أصحابه فشده من ثوبه وأمسكه من ثيابه، وشتمه وشتم أهله قائلا (إنكم يا بني عبدالمطلب قوم مطل)، فانتهره عمر واسمعه كلاما قاسيا فابتسم رسول الله ﷺ له وقال لعمر (أنا وهو كنا إلى غير هذا أحوج منك يا عمر، تأمرني بحسن القضاء وتأمره بحسن التقاضي) وأمر عمر أن يقضيه ماله، ويزيده عشرين صاعًا لِمَا روَّعه فكان ذلك سببا في اسلامه، وقال زيد بن سعنة بعد إسلامه (ما بقي من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفتها في محمد إلا اثنتين لم أخبرهما يسبق حلمه جهله، ولا تزيده شدة الجهل إلا حَلمًا. فاختبرته بهذا، فوجدته كما وُصِف)، وقد كان رسول الله ﷺ رحيما بأصحابه سليم القلب تجاههم وهو القائل (لا يبلغني أحد من أصحابي عن أحد شيئًا، فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر)، وكان رسول الله ﷺ وفيا يعرف الفضل لأهل الفضل ويحفظ المعروف ولا ينساه أبدا، ومن ذلك وفاءه (لأبي البختري) وذلك انه كان (أكفَّ القوم عن رسول الله وهو بمكة وكان لا يؤذيه، ولا يبلغه عنه شيء يكرهه، وكان ممن قام في نقض صحيفة المقاطعة)، فكان الرسول يقول للمسلمين يوم بدر (وَمَنْ لَقِيَ أَبَا الْبَخْتَرِيِّ بْنَ هِشام فلا يَقْتُلْه)، وأيضا وفاءه للمطعم بن عدي الذي حماه وأجاره يوم أن عاد من الطائف وعزم القرشيون على منعه من دخول مكة فقال في أسارى بدر من المشركين (لو كان المطعم بن عدي حيا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له)، وكان مكرما لمرضعته حليمة السعدية ومما يذكر أنها اتته فقام لها وبسط لها رداءه فقعدت عليه.
والحقيقة أننا لو أردنا أن نحكي عن أخلاقه صلوات الله وسلامه عليه لاحتاج الأمر أن نحصي جميع الأخلاق الكريمة التي يعرفها البشر ونتحدث عنها الواحدة تلو الأخرى ولوجدنا أن الله تعالى قد اختص رسوله بمنتهاها، وقد لخصت لنا أم المؤمنين عائشة كل ذلك في قولها (كان خلقه القرآن)، وقد مدحه الله عز وجل في قوله تعالى {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}. (القلم:4).
ونواصل.