كتب أحد الأخوة على صفحته أن الإشكالية الرئيسية للحركات الإسلامية العربية أنها لم تختر منطقة محددة تقيم فيها دولة الإسلام وتطبق فيها الشريعة الإسلامية، لتكون بداية للمشروع الإسلامي الكبير الذي هو عودة الخلافة الإسلامية، وضرب مثلا بالمشروع الصهيوني لأن هذا المشروع حدد فلسطين لإقامة دولته، وحشد وعبأ كل الموارد اليهودية والصهيونية لإقامة الدولة الصهيونية في فلسطين، واعتبر أن عدم اختيار بقعة معينة من الأرض أو دولة معينة لاستهدافها بإقامة الدولة الإسلامية لتكون نواة الدولة الإسلامية الشاملة التي هي دولة الخلافة هو الخطأ الرئيسي و السبب الرئيسي لعدم نجاح الحركات الإسلامية حتى اليوم في إقامة دولة إسلامية، و ألمح بشكل أو بآخر إلى أن مثل هذا التحديد سيأخذ في اعتباره الظروف الموضوعية والإقليمية والدولية التي ستسمح بنجاح مثل هذا المشروع، أي سيتم اختيارها بناء على كل هذه المتغيرات بمعنى اختيار البقعة الأسهل في النجاح لإقامة هذه الدولة.
الإسلاميون حكموا في أفغانستان والسودان وغيرهما
وواقع الأمر أنه رغم وجاهة هذه الفكرة إلا أنها غير صحيحة، لأن الحركة الإسلامية نجحت في الوصول للحكم في عدة دولة في فترات زمنية مختلفة، فمثلا كانت هناك دولة طالبان في أفغانستان، ولكنها سقطت في فترتها الأولى عبر الاحتلال الأمريكي/الأوروبي لأفغانستان، واستمر هذا الاحتلال 20 سنة، كما أقامت حركة إسلامية أخرى دولة أو سيطرت على الحكم في دولة مواردها كبيرة ومساحتها كبيرة وموقعها جيد، وهي دولة السودان عندما تولى عمر البشير الحكم عبر انقلاب في 1989 واستمر في الحكم حتى 2019، كما أن هناك دولة أخرى أقامها تنظيم داعش وهي ما سميت بـ”الدولة الإسلامية في سوريا والعراق” وكانت مساحتها أكبر من مساحة العديد من الدول ذات المكانة والصيت ولكنها أيضا سقطت.
فالمشكلة ليست في إقامه دولة أو السيطرة على إقليم معين أو دولة معينة والحكم فيها بالشريعة ودعوة كل المسلمين في العالم كله لمناصرتها، فهذا كله حدث في دولة «طالبان» بأفغانستان وفي دولة «السودان/البشير» وفي دولة داعش، وإنما المشكلة في عدم إدارة الصراع المحلي والاقليمي والدولي باحترافية من قبل القائمين في هذه الدول، ونستثني هنا حالة طالبان أفغانستان فحال الطالبان أفغانستان اتسم باحترافية سياسية واستراتيجية جيدة، ولكن الذي أوقعها في فخ “الاحتلال الأمريكي/الأوروبي” هو عدم الاحترافية السياسية والاستراتيجية التي أدار بها تنظيم “قاعدة الجهاد” صراعاته وأعماله في السياسة الدولية، فعدم الاحتراف هذا هو الذي أوقع تنظيم القاعدة ومعها طالبان أفغانستان معا في براثن التسلط الأمريكي/الأوروبي، وأوقع أفغانستان تحت وطأة احتلال أمريكي دام 20 عاما وسقط فيه أكثر من نصف مليون شهيد أفغاني فضلا عن أكثر من مليون مصاب ومعوق فضلا عن الخسائر المادية والمعنوية الأخرى الهائلة.
أما دولة عمر البشير في السودان وكذا دولة داعش في كل من سوريا والعراق فسبب سقوط كل منهما فهو عدم الإحترافية في إدارة السياسة المحلية والدولية، فهذا هو ما أوقع بالدولتين، وأدى إلى زوالهما.
الإشكالية الحقيقية المسببة لفشل الحركات الإسلامية المعاصرة
فالإشكالية هي في عدم الاحترافية السياسية ولدينا نماذج أخرى مثل نموذج حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان في تركيا، فرغم أنه فشل في أسلمة المجتمع التركي بالكامل أو في تطبيق الشريعة الإسلامية في تركيا بالكامل، ولكنه قطع شوطا كبيرا ومهما في تقريب تركيا وإعادتها الى العالم الإسلامي من جديد، وتسهيل وتمكين العمل الإسلامي والدعوة الإسلامية في المجتمع التركي، هذا المجتمع الذي تعرض لتغيرات وعلمنة شديدة التأثير وعميقة التأثير منذ إلغاء الخلافة العثمانية وسيطرة كمال أتاتورك على الحكم في الربع الأول من القرن العشرين أي منذ 100 عام.
أهمية المقارنة لنتبين الفرق بين الاحترافية والعشوائية
وإنما غرضنا من هذه المقارنة أن نبين أن الاحترافية تجعل النتائج مختلفة، ونفس الشيء يقال عن طالبان بعد الاحتلال الأمريكي/الأوروبي لأفغانستان حيث أنها تمكنت باحترافيتها السياسية والعسكرية من إجبار الولايات المتحدة على الانسحاب من أفغانستان، وعادت “طالبان أفغانستان” للحكم من جديد، وسيطرت على أفغانستان بشكل كامل أقوى من ذي قبل، لدرجة أنها سيطرت أيضا على كل بقاع أفغانستان حتى التي لم تكن تسيطر عليها في الماضي، أي تلك التي كانت في حالة تمرد مثل المناطق التي كان يسيطر عليها احمد شاه مسعود والقبائل التابعة له والعرقية التابعة له في الشمال، وكذا التي كانت يسيطر عليها حزب الوحدة الشيعي المدعوم من إيران والمرتكز على المناطق والقبائل الشيعية في أفغانستان، فكل هذا دخل في طاعة طالبان عام 2021 بسبب احترافية طالبان السياسية والعسكرية واحترافيتها في الاستراتيجية الشاملة، وهذا سبق أن افردناه بالعديد من الكتابات هنا، ومنها موضوع حديث نشرناها مؤخرا هنا بعنوان ” طالبان في أفغانستان انتصار في زمن الانكسار.. معالم رئيسة”.
إذن فالمشكلة هي غياب الاحترافية في السياسة وفي الاقتصاد وفي الشئون العسكرية والإعلامية وبشكل عام في الاستراتيجية الشاملة، وهذا كله يحتاج ظهير فقهي يعمق الرؤية وينير البصيرة مما يؤدي الى تحقيق مثل هذه الاحترافية، وربما في مناسبة أخرى إن شاء الله قد نكتب عن أسباب عدم الاحترافية هذه في كل هذه المجالات سواء بالنسبة للحركات الإسلامية أو الحركات السياسية غير الإسلامية في العالم العربي.
لماذا فقد الاخوان المسلمون الحكم في مصر؟
هناك أمر آخر مرتبط بهذه المسألة وهو ما يثار عن خطأ جماعة الإخوان المسلمين في مصر في عدم الاستماع الى أخينا الشيخ حازم أبو إسماعيل بشأن تحذيره لهم من قيام الجيش والقوى السياسية المتحالفة معه بعزل الدكتور محمد مرسي رحمه الله من الحكم، فالكثيرون يرددون هذا الكلام وكأن الاخوان كانوا في واد آخر ولا يدركون أن هناك انقلابا أو عملية عزل للدكتور محمد مرسي سوف تحدث، ويعتبر هؤلاء أن الوحيد الذي كان يعرف ذلك هو حازم صلاح أبو إسماعيل وأنه حذرهم وهم لم يستمعوا له.
وهذا الكلام لا واقع له على الإطلاق أي لم يحدث على الإطلاق بدليل عدة أمور:
فأولا هناك العشرات بل المئات من المحللين والمراقبين الإسلاميين والقادة الإسلاميين من كافه الفصائل كانوا يدركون أن عملية الانقلاب أو عزل محمد مرسي من منصب الرئاسة سوف يحدث، وكانوا يعرفون من الذي سيقوم به.
كما أن قادة الإخوان المسلمين أنفسهم كانوا يعرفون هذا بأكثر من كل هؤلاء المحللين وهؤلاء المراقبين وهؤلاء القادة بل بأكثر من حازم صلاح أبو إسماعيل نفسه، لإن الاخوان المسلمين كانوا يتكلمون مع الفريق عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع حينئذ كلاما مباشرا وهددهم تهديدا مباشرا في الفترة الأخيرة فضلا عن أنه كان أعطى تلميحات عديدة في الفترة الأولى، كما أن ضغوط السفيرة الأمريكية بالقاهرة عليهم ومصارحتها لهم بالعديد من الأمور كل هذا كان أمر مباشر ولا يحتاج الى تحليل، وكل هذه الأمور كشفها كل من الدكتور هشام قنديل في حوار له مع قناة الجزيرة بعد عزل محمد مرسي وبعد خروجه من المعتقل عام 2013، وكذلك حوار أجري مع المستشار أحمد مكي وزير العدل السابق في عهد مرسي حكى فيه ما كان يقوله الفريق السيسي ووزير الداخلية في الاجتماعات وما كان يدور في اجتماعات مجلس الوزراء.
إن هذا التوقع بعزل محمد مرسي من قبل حازم صلاح أبو إسماعيل ومئات من المراقبين والقادة الإسلاميين الآخرين كان موجودا لديهم وفقا لتحليلهم للأحداث الظاهرة للعامة، بينما هذا الأمر كان معروفا لدى القيادة العليا لجماعة الإخوان المسلمين وللدكتور محمد مرسي رحمه الله ولمستشاريه بحكم ما لديهم من المعلومات التي لم تكن لدى حازم ولم تكن لدى بقية الإسلاميين من غير جماعة الاخوان المسلمين، فجماعه الإخوان المسلمين كانت تعرف أن هناك عملية ستجري لعزل مرسي والانقلاب عليه بأكثر من ما يعرفه غيرها.
الخطاب الأخير للرئيس محمد مرسي
ومن أدلة ذلك الكثيرة خطاب محمد مرسي الأخير نفسه وما جاء فيه من تحذير مما يحدث وأهداف ما يحدث، ومن هنا فإن المشكلة ليست كما يصورها الجمهور العريض الكثير الآن من عدم استماع الإخوان المسلمين لتحذير حازم أبو إسماعيل، فكل ذي عقل وأولهم قادة جماعة الاخوان المسلمين كانوا يعرفون بمحاولة عزل مرسي وكانوا يحاولون عرقلتها أو منعها، وإنما المشكلة هي في عدم الاحترافية في التعامل مع هذه المعرفة فلا محمد مرسي ولا الإخوان المسلمين ولا حازم أبو إسماعيل ولا غيرهم من معارضي عزل مرسي لا أحد من كل هؤلاء تعامل مع مشكلة الانقلاب القادم باحترافية سياسية واستراتيجية، فالكل تعامل بأسلوب بدائي وساذج للغاية وبعيد كل البعد عن الاحترافية، فالمشكلة وسبب الفشل هو عدم الاحترافية أي عدم فهم الكيفية الموضوعية والعلمية والعملية الاحترافية التي يجب أن يتم التعامل بها مع المشكلات السياسية والاستراتيجية والأمنية.