تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، القاضية بأنه سيعترف بالدولة الفلسطينيّة، اعتبره البعض الحدث الأبرز خلال الأيام الفائتة، وربما سرق الإحساس بالوجع تجاه الأوضاع المأساوية التي يعيشها الفلسطينيون داخل وطنهم المستباح، تصريح ماكرون جاء بعد امتلاء فاتورة الضحايا في غزّة، وبعد مدّة زمنيّة كبيرة من بدء العدوان الصهيو- أمريكي على القطاع الذي يعيش أحد أسوء فصوله منذ العام 1948.
اعتراف ماكرون الذي سيكون رسميا بعد أيّام معدودات، سوف لن يزيد للقضيّة الفلسطينيّة شيئاً مذكوراً، ذلك أنّ ثلثي المجتمع الدولي قد اعترف سلفا بها، ولكن من دون أن يقدّم لها يد المساعدة وهي في أمس الحاجة إليها، بل إنّه ابان عن صمت مطبق بل إنه امتد إلى درجة الاستباحة أو مساعدة العدو في عمليات القتل والترويع والتهجير، أو في رواية أخرى تقديم يد العون عسكريا ومعنوياً، وأنه قد أذعن غير ذي مرّة للسطوة الصهيو-أمريكيّة في المنطقة.
فرنسا الرّسمية التي تعتبر من بين أكثر دول المركز التي قدمت وبسخاء مساعدات عسكرية ولوجستية للكيان المغتصب، منذ بدء العدوان وحتى قبله، فرنسا التي قامت بتأييد كل الخطط الإسرائيليّة في المنطقة، تقوم اليوم بعملٍ كنّا نتمناه في وقتٍ سابقٍ غير هذا الوقت، وفي ظروف أخرى غير ظروف اليوم.
اعترافات الدول ببعضها اليوم لم يعد له تلك القيمة الوجيهة والمضافة التي كانت سائدة أيام زمان في العلاقات الدولية على الأقل، بل لنقل أن مثل هذه الاعترافات لم يعد لها وزن وزخم يدفع بالمعترف به أى فعل أو الاستفادة من أمرٍ ذا بال، وحتى الإجراءات القانونية وهي أسمى من مجرد اعتراف لم تعد لها كذلك نفس الوجاهة التي كانت تتمتع بها في وقت آفلٍ.
إن القضية اليوم تحتاج إلى أكثر من مجرد اعتراف، إلى مساعدة حقيقيّة للشعب الفلسطيني كي يستطيع على أقل تقدير العيش في سلام وطمأنينة حتى قبل أن نتحدث عن إجراءات دبلوماسية وأعراف وما شاكل، إنّ فرنسا الاستعماريّة التي خلّفت وراءها الويلات في الدول التي استباحتها في القرن الماضي، تستطيع اليوم أن تحاضر في العفاف، فرنسا التي كانت لها اليد الطولى في مساعدة الكيان على الحصول على التكنولوجيا النووية، و تشييد مفاعل ديمونة الذي يعتبر فخر التكنولوجيا النووية لها، وهو أحد الأسباب الجوهرية في القوّة التي تتمتع بها إسرائيل اليوم، وأحد الأسلحة الفتاكة التي تواجه بها خصومها في كلّ مكان، هي فرنسا نفسها التي تحاول الاعتراف بدولة ربما لم يعد لها وجود بعد ما فعلته إسرائيل في غزة، واستعدادها لضمّ الضفة الغربيّة قريبا، تماشيا مع تعاليم ملتهم التي تقضي بأن الضفة أهم من غزّة لأنها أرض التوراة والتلمود وهيكل سليمان وأرض الميعاد الأصل.
فرنسا اليوم تريد المزايدة، والاحتفال باعتراف سبقها إليه عشرات الدول، باعتراف صار لا يقدّم للقضيّة شيئاً، اللهمّ ما كان رمزيّاً وغير محدثٍ لآثاره الواقعيّة، تلك الآثار التي ردمتها الأحداث الجارية، ومجمل الأحداث التي شكّلت منظومة وسيرورة المجتمع الدولي الآن، وقسّمت من خلاله قوى العالم، إلى قوى تصنع الحدث وأخرى تقف بعيداً على الهامش منه.
هذا في الوقت الذي أصدرت فيه بعض الدول عن إجراءات اعتبرت أيضا محتشمة مقارنة بما تقترفه القوات الصهيونية في غزة، حيث أعلنت فيه الوكالة الوطنية للأمن في هولندا اليوم إدراج إسرائيل لأول مرة على قائمة الدول التي تشكل تهديد للبلاد، وفي بريطانيا التي قالت فيها صحيفة التايمز وفق استطلاع للرأي أنّ 48% من البريطانيين يرون رد إسرائيل العسكري بغزة غير متناسب و28% يرونه متناسب، وفي أستراليا التي صرّح فيها رئيس وزرائها لاية بي سي قائلاً: إنه من الواضح جدا أن وقف إيصال الغذاء لغزة انتهاك للقانون الدولي . وطبعا وفي ظلّ ردود الأفعال الشحيحة، قالت وزارة الصّحة بغزّة أنّ عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي ارتفع إلى 59,821 شهيدا و144,851 مصابا منذ 7 أكتوبر 2023، تاريخ بداية ما سمي بطوفان الأقصى.