بقلم: شعبان عبد الرحمن
بوفاة الداعية العملاق والأديب والشاعر الأستاذ عصام العطار (97 عاما) أحد أبرز مؤسسي الحركة الإسلامية في سورية ورفيق درب الأستاذ مصطفى السباعي، ليلة الجمعة (٢٣ شوال ١٤٤٥ هـ / ٢ مايو ٢٠٢٤ م).. سجلت مسيرته التي تمثل ملحمة تاريخية ووطنية خالدة السطر الأخير من حياته التي شارفت على اتمام قرن من الزمان (1927-2024م)، قدم خلالها تضحيات جسام من حريته وعائلته وأمنه وصحته، وأرسى مع رفيق دربه دعائم حركة إصلاحية إسلامية.
• فقد زوجته السيدة بنان الطنطاوي -ابنة الداعية الأكبر الشيخ علي الطنطاوي- شهيدة علي يد مخابرات حافظ الأسد في ألمانيا عام 1981م التي قتلتها داخل بيتها في صباح 17 مارس 1981م بخمس رصاصات.. فصبر واحتسب ولم يرده ذلك عن مواصلة طريقه في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
• ولد ونشأ في العاصمة السورية دمشق عام 1927، وسط أسرة عريقة لها باع طويل في العلم الشرعي فقد كان أجداده من أئمة الشافعية، وعملت تلك الأسرة في علوم الحديث وفي نفس الوقت عرفت بثقلها الاجتماعي.
* قرأ وتأثر بأعلام الفكر والأدب في مصر مثل: مصطفى صادق الرافعي وأحمد حسن الزيات وإبراهيم المازني وطه حسين وأحمد أمين وعباس العقاد وفي سورية تأثر بالشيخ علي الطنطاوي وكانون يكتبون جميعا في مجلة الرسالة التي أصدرها أحمد حسن الزيات عام 1933، ولم يكن يبلغ حينها الـثانية عشرة من عمره.
* حضر مرة درسا في المعهد العربي الإسلامي عام 1954 في دمشق وكان المحاضر هو الشيخ علي الطنطاوي ولما حان وقت الأسئلة بعد انتهاء الدرس، تحدث العطار وعقّب على كلام الطنطاوي وخالفه في بعض آرائه، فأوقفه الطنطاوي عن الكلام ووقف من مقعده طالبا منه الجلوس مكانه فاستحى ورفض، فأقسم الطنطاوي أن يجلس قائلا: «أنت أحق بأن يتلقى عنك».. وتوطدت علاقتهما طويلا، حتى زوّج الطنطاوي ابنته «بنان» للعطار.
• عام 1951م هاجم بشدة حكم الرئيس السوري أديب الشيشكلي فصدر أمر باعتقاله فاضطر للجوء إلى مصر.. وهناك قابل المستشار حسن الهضيبي وعبد القادر عودة واستطاع مقابلة سيد قطب والبشير الإبراهيمي ومحمود شاكر وعبد الوهاب عزام.
*رفض قرار الانفصال بين مصر وسوريا قائلا: «كيف تريدونني أن أبارك حركة هدمت حلما يسكن أبناء الأمة منذ قرون، إنّ خلافنا مع نظام الوحدة شيء، وتمسكنا بالوحدة شيء آخر».
* ورفض المشاركة في حكومة انقلاب 1963م قائلا: «لا يمكنني القبول بالمشاركة في حياة تقول إنها ديمقراطية ولكنها جاءت بانقلاب عسكري، وهذه الانتخابات لن تعيش طويلا حتى يتم الانقلاب عليها من جديد».
* عندما تم تعيين اخته نجاح العطار نائبة للرئيس بشار الأسد عام 2014 م عرضت عليه العودة إلى سوريا فرفض، وقبل ذلك دعاه الرئيس السوري حافظ الأسد للعودة لكنه رفض وطالب بالحرية لوطنه وشعبه.
* بعد وفاة مصطفى السباعي عام 1964، تم منعه من دخول سوريا للمشاركة في تشييع رفيق دربه، فقرر مغادرة لبنان التي كان يقيم فيها إلى ألمانيا التي توفي ودفن فيها، وبعدها تم اختياره مراقبا لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا من المنفى، وبقي في منصبه حتى نهاية السبعينيات، لكن عندما صدر القرار 49 القاضي بإعدام المنتمين للإخوان خرج للإعلام وعرف بنفسه أنه المراقب العام للجماعة.
• التقيته في اسطنبول في منتصف عام 2012م خلال المؤتمر الأول لنصرة ثورة الشعب السوري المطالبة بالحرية، وقد تحدث في هذا المؤتمر علي امتداد جلساته، وأحدث تفاعلا ونشاطا كبيرا بآرائه وأشعاره عن حرية الشعوب واحترام حقوقها والتضحيات التي تمت في سبيل ذلك وفي كل مرة يتحدث كان حنينه للوطن المبعد عنه لمدة ستين عاما يفيض مشاعره حتي يصاب بالإغماء أكثر من مرة.
جلست إليه وتحدثنا في كل القضايا وركزت في حديني عن موعد إخراج مذكراته للأجيال وهي التي تعد سجلا للعصر ووثيقة مهمة من تاريخ سورية والحركة الإسلامية فأخبرني أنه يعدها.. اتمني ان تصدر قريبا.
• وفي ليلة الجمعة اختتم العملاق.. الشاعر والأديب والداعية والسياسي عصام العطار رفيق درب الأستاذ مصطفى السباعي مؤسس العمل الإسلامي في سورية اختتم الفصل الأخير من حياته موجها رسالة لكل من عرفه وللناس كافة: «أستودِعُكُمُ اللهَ الذي لا تَضيعُ وَدائِعُه، وأستودِعُ اللهَ دينَكم وأمانتَكم وخواتيمَ أعمالِكُم، وأسألُ اللهَ تَعالَى لَكُمُ العونَ على كُلِّ واجبٍ وخير، والوِقايَةَ مِنْ كُلِّ خَطَرٍ وشَرّ، والفرجَ مِنْ كُلِّ شِدَّةٍ وبَلاءٍ وكَرْب.. سامِحوني سامِحوني واسْأَلوا اللهَ تعالى لِيَ المغفِرَةَ وحُسْنَ الخِتام».
إنه عملاق بحق.. ومن الجبال الرواسي التي قامت عليها الدعوة الإسلامية في العصر الحديث..
فرحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة.