1- في سنة 1981م، انتبه العرب على ضجة كبرى في إيطاليا، تناقلتها وسائل الإعلام العربية والأوروبية، وهجوم إعلامي إيطالي على فيلم سينمائي، اسمه: أسـد الصحراء ( Lion of the Desert) يحكي قصة شيخ المجاهدين عمر المختار .. وكان العامة خارج ليبيا، لا يعرفون مَن هذا الرجل؟
2- منعت الحكومة الإيطالية هذا الفيلم من العرض في إيطاليا، وقالت إنه يسيء للجيش الإيطالي، وظل الأمر هكذا، حتى زار العقيد معمر القذافي إيطاليا، في 10 يونيو 2009م، وهي الزيارة الأولى له إلى المستعمر السابق لليبيا، حيث حظيت بترحيب كبير من المسؤولين الإيطاليين ووُصفت بأنها تاريخية، وفي اليوم التالي للزيارة، أذاعت قناة “سكاي سينما” الإيطالية، الفيلم، لأول مرة للجمهور الإيطالي، بعد أن تمت دبلجته إلى اللغة الإيطالية..
أما النسخة العربية من الفيلم، كانت بـ اسم ”عمر المختار”
3- الفيلم من إخراج المخرج السوري العالمي: مصطفى العقاد، وبطولة “أنتوني كوين” والنسخة العربية كانت البطولة للفنان المصري: عبد الله غيث، وبلغت ميزانية الفيلم حوالي 35 مليون دولار أمريكي.
4- بدأ تصوير الفيلم في 4 مارس 1979م، في مواقع الأحداث الحقيقية بليبيا، وانتهى في 2 أكتوبر من نفس العام.
5- تم أول عرض عالمي للفيلم يوم 4 أبريل 1981م، في دولة الكويت، كما عُرضَ في نفس الشهر في الولايات المتحدة الأمريكية، وأجزاء أخرى من العالم..
وقد اشترك في الفيلم حوالي 250 ممثلاً، من عدة دول مختلفة: مثل الولايات المتحدة، وبريطانيا، وأستراليا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، واليونان، ويوغوسلافيا، وإسبانيا، ومالطة، ومصر، ولبنان، وتونس، والسودان، وليبيا، وسريلانكا، بالإضافة إلى أكثر من 5000 من الممثلين المساعدين “كومبارس”.
6- تلك كانت مقدمة لا بُد منها، لأن هذا الفيلم هو الذي جعل كل سكان كوكب الأرض، يعرفون شيخ المجاهدين “عمر المختار”.
7- تقول دائرة المعارف البريطانية إنه بعد احتلال الإيطاليين لليبيا عام 1911م، واجهوا مقاومة طويلة الأمد من قِبل السنوسيين في برقة، وهي المقاومة التي حرمت الفاشيين من السيطرة التامة على البلاد حتى عام 1931م، عندما أسروا وأعدموا قائد المقاومة السنوسية اللامع: عمر المختار.
8- كتب “أندرو نورث” في بي بي سي يقول: عندما قام الإيطاليون بغزو طرابلس عام 1911م، على أمل أن ينظر الليبيون لهم كمحررين من الحكم العثماني، لم يتوقعوا أن تندلع مقاومة ضدهم لمدة 20 عاما في المناطق المحيطة بـ (بنغازي) بقيادة عمر المختار.
9- يوضّح كتاب “عمر المختار” للمؤلف والمؤرخ الليبي محمد الطيب بن إدريس الأشهب، واقعة تكشف أنه وبحق أسد الصحراء العربية، ويحكي الكاتب، عن واقعة عاصرها للزعيم الليبي، حيث كانوا في قافلة بالصحراء، وبمجراد انحراف سير القافلة إلى أحد المضايق، فوجيء الجميع بأسد يتطلع إليهم، حتى إن أحدهم قال خوفا: “أنا مستعد أن أتنازل عن بعير، ولا تحاولوا مشاكسة الأسد”.
ويضيف الأشهب: “ولكن عمر المختار لم يعجبه ذلك، وتقدّم ببندقيته، ورمى الأسد بالرصاصة الأولى فأصابته، ولكنه لم يمت، واندفع الأسد يتهادى نحونا فرماه بأخرى صرعته، ونحن نرتعب من الخوف.. وأصر عمر المختار، على أن يسلخ جلده، ليراه غيرنا من أصحاب القوافل، فكان له ما أراد”.
10- وُلد “عمر بن المختار بن عمر المنفي الهلالي”، عام 1862م، في قرية جنزور (منطقة الجبل الأخضر ببرقة) شرقي ليبيا لأسرة تنتمي إلى قبيلة “المنفة”.
تُوُفي والده أثناء تأدية فريضة الحج بمكة، فتولى الشيخ حسين الغرياني (شيخ زاوية جنزور السنوسية) رعايته بوصية من أبيه، فأدخله مدرسة القرآن الكريم بالزاوية، فحفظ القرآن كاملا.
من هو عمر المختار ؟ (الدراسة والتكوين)
11- التحق عمر المختار بمعهد واحة جغبوب التي كانت آنذاك عاصمة للدعوة السنوسية شرقي ليبيا، فدرس فيه – مدة ثماني سنوات – العلوم الشرعية من فقه وحديث وتفسير.
وقد تميز بثقافة دينية عميقة، وبشخصية قيادية عززتها نشأته في الصحراء، حيث خبرَ القبائل وحروبها، وتعلم وسائل فض الخصومات البدوية، كما أصبح ماهرا بمسالك الصحراء.
ظهرت عليه علاماتُ النجابة ورزانة العقل، فاستحوذ على اهتمام ورعاية أستاذه السيد المهدي السنوسي؛ مما زاده رفعة وسموًّا، فتناولته الألسن بالثناء بين العلماء ومشايخ القبائل وأعيان المدن؛ حتى قال فيه السيد المهدي واصفًا إيَّاه: “لو كان عندنا عشرة مثل عمر المختار لاكتفينا بهم”
12- شقَّ عمر المختار طريقه نحو الزعامة مبكرا، حين حاز ثقة مشايخ الدعوة السنوسية، فأسند إليه محمد المهدي السنوسي (شيخ الدعوة) مشيخة “زاوية القصور” بالجبل الأخضر 1897م.
واختاره ليرافقه إلى تشاد، عندما قرر نقل قيادة الزاوية السنوسية إليها، سنة 1899م، ثم عُيّن شيخا لزاوية هناك، فساعد في نشر تعاليم الإسلام بتلك المناطق، ثم عاد إلى الجبل الأخضر سنة 1906م، فتولى مجددا مشيخة “زاوية القصور”، وفيما بعد أصبح قائدا لمعسكرات السنوسية بالجبل الأخضر.
جهاد عمر المختار:
13- شارك” عمر المختار” أثناء وجوده بدولة تشاد في المعارك التي خاضتها كتائب السنوسية (1899-1902م) ضد الفرنسيين الذين احتلوا المنطقة، وكانت لا تزال وقتذاك ضمن الأراضي الليبية.
14- عاش عمر المختار أيضا لسنوات في السودان، التي كان فيها حضور قوي للحركة السنوسية، نائبا عن المهدي السنوسي، حيث أقام المختار في “قرو” غربي السودان، ثم عـيّنه المهدي شيخا لزاوية “عين كلك”.
14- في سنة 1908م، دُعي للمشاركة في المعارك بين السنوسيين والقوات البريطانية على الحدود الليبية المصرية.
15- في 29 سبتمبر 1911م، أعلنت إيطاليا الحرب على الدولة العثمانية التي كانت ليبيا حينذاك جزءا منها، وبدأت السفن الحربية تقصف مدن الساحل الليبي..
سارع عمر المختار بالعودة إلى “زاوية القصور” لتنظيم حركة الجهاد ضد الغزاة الإيطاليين، فشارك في معركة السلاوي أواخر 1911م.
16- تولّى الشيخ عمر قيادة “المجلس الأعلى” للعمليات الجهادية الذى أدار أعظم المعارك في التاريخ الليبي ضد المحتلين الإيطاليين، خاصة بعد انسحاب الأتراك من البلاد، عام 1912م، بموجب معاهدة لوزان التي تخلّت فيها الدولة العثمانية عن ليبيا، وسحبت جنودها، وأصبحت ساحة المعركة بين الليبيين والإيطاليين فقط.
17- نجح المجاهد عمر المختار في تحقيق انتصارات تاريخية مريرة على الإيطاليين، واستطاع المجاهدون – تحت قيادته – تكبيد إيطاليا خسائر فادحة، وقتلوا مئات الضباط والجنود، وخاضوا مئات المعارك، في حروب استمرت عشرين سنة.
18- عندما انسحب السنوسيون من ليبيا إلى مصر، سنة 1922م، ظلت الحرب قائمة بقيادته، وعندما حاصره المحتلون سنة 1926م، في الجبل الأخضر، لجأ إلى حرب العصابات، فأجبرهم على طلب مفاوضته سنة 1929م، لكنه رفض مطالبهم بوقف القتال والخروج من البلاد، واستأنف قتالهم.
19- أرسل الشيخ عمر المختار، أسرته إلى مصر، عام 1927م، حين كان عُمر ابنه «محمد» 6 أعوام، ليتفرغ الأب للقتال والحرب، ومكثت أسرته في مصر 18 عاما، ما بين: “الحمّام” و”سيدي براني” و”مدينة مرسى مطروح” والإسكندرية، وغيرها من المناطق المجاورة، وتلقى محمد عمر المختار، تعليمه في مدرسة الشاطبي بالإسكندرية، وهناك جاءه خبر إعدام أبيه.
20- حاولت إيطاليا بواسطة عملائها الاتصال بالقائد عمر المختار، وعرضت عليه المُلك، وأن حكومة روما مستعدة بأن تجعل من عمر المختار الشخصية الأولى في ليبيا كلها، بشرط أن يلقي سلاحه، ويترك المقاومة، ويقطع علاقته بإدريس السنوسي، وظلت إيطاليا تكرر عرضها على “عمر المختار” لكنه كان يرفض مجرد مناقشة هذا الكلام، ويُصرّ على الجهاد وقتال المحتل الأجنبي..
21- في 11 سبتمبر من عام 1931م، وإثر اشتباك في أحد الوديان قرب عين اللَفو، جُرح حصان عمر المختار، فسقط إلى الأرض، وتعرّف عليه في الحال أحد الجنود المرتزقة الليبيين الذين يعملون مع الطليان.
22- يقول المجاهد “التواتي عبد الجليل المنفي”، الذي كان شاهدًا على اللحظة التي أُسر فيها القائد عمر المختار من قِـبل الجيش الإيطالي: “كنَّا غرب منطقة سلنطة… هاجمنا الأعداء الخيَّالة وقُتل حصان سيدي عمر المختار، فقدَّم له ابن اخيه المجاهد حمد محمد المختار حصانه، وعندما همَّ بركوبه قُتل أيضًا، وهجم الأعداء عليه.. فصاح أحد المجندين: يا سيدي عمر.. يا سيدي عمر.. فعرفه الأعداء وقبضوا عليه”.
23- في الساعة الخامسة مساءً، في 15 سبتمبر 1931م، جرت محاكمة شيخ المجاهدين، وفخر الأمة: عمر المختار، في مبنى (برلمان برقة القديم)، وكانت محاكمة صورية شكلًا وموضوعًا، إذ كان الطليان قد أعدوا المشنقة، وانتهوا من ترتيبات الإعدام، قبل بِدء المحاكمة، وصدور الحكم على الشيخ عمر المختار.
24- كانت آخر كلمات عمر المختار قبل إعدامه: (نحن لا نستسلم.. ننتصر أو نموت.. وهذه ليست النهاية.. بل سيكون عليكم أن تحاربوا الجيل القادم، والأجيال التي تليه.. أمَّا أنا.. فإن عمري سيكون أطول من عمر شانقي)
25- شيخ المجاهدين، وأسد الصحراء، وأشهر المقاومين العرب والمسلمين في العصر الحديث..
إنه الشيخ المجاهد، والبطل الثائر، والقائد الفذ، وأمير الجهاد الإسلامي.. الشيخ عمر المختار..حافظ القرآن الذي ترك “الكُتّاب” وتدريس علوم القرآن، وذهب لقيادة الجهاد الإسلامي..
المسكوت عنه:
26- الرجل الذي نفّذ مهمة الإعدام في الشيخ عمر المختار، (خائن ليبي) وليس ضابطًا إيطالـيًّا كما جاء في الفيلم.
27- الخائن العربي المجرم، اسمه: عبد السلام التاورغي، واسم الشهرة: (عبد السلام اللونقو)، واللونقو كلمة إيطالية معناها = طويل القامة.. وهو الذي وضع حبل المشنقة حول عنق المجاهد عمر المختار، ورَكَلَ المقعد الخشبي تحت قدميه.. وكان هذا الخائن الذي يعمل مع الإيطاليين، هو المسؤول عن شنق المجاهدين الليبيين.
28- بعض الليبيين كانوا يعملون مع الطليان، ضد بلدهم، وما زال أهل ليبيا يرددون أسماء هؤلاء الخَوَنة، والقبائل التي ينتمون لها.
29- عندما زحف الجيش السنوسي على (برقة) عام 1941م، حاول الجنود البحث عن الخائن: (عبد السلام اللونقو) لتمزيقه، ولكن القائد إدريس السنوسي منعهم، وأمرهم أن يتركوه، وهذا ما فتحَ “باب الظن” والتخمينات عن القبلية المنتنة، والكراهية والغيرة بين القادة، وبين قبائل الصحراء..
30- مات الخائن الليبي “عبد السلام اللونقو” سنة 1957م، بائسا وحيدا، مدمنا للخمر، في (زريبة مهجورة للحيوانات)، ولم يُكتشف موته إلا بعد تعفن جثته، وخروج رائحته الكريهة.
31- وكما كانت (جريدة الأهرام) في مصر تدافع عن الإنجليز وتهاجم رجال الحرية في مصر، أيضا كانت جريدة “برقة” الليبية، لسان حال الإيطاليين، لصاحبها محمد طاهر المحيشي المصراتي، وبتاريخ 18 سبتمبر 1931، كان مانشيت الصفحة الأولى: (القبض على عمر المختار زعيم العصاة في برقة).
32- أعلن قاضي قضاة طرابلس أن “عمر المختار” من الخوارج، وأن الجيش الإيطالي هو الإمام المتغلّب، وأيّده في ذلك الآلاف من مشايخ ليبيا، بل أقاموا حفلا للترحيب بقائد الجيش الإيطالي.
- ملحوظة: الجهاد الليبي هو أعظم جهاد في تاريخ الأمة العربية، من دون طنطنة أو بهرجة، ولم يكن جهاد حناجر وأقلام، وصالونات وسفريات ومقابلات وكلام جرائد، مثل معظم الدول العربية.
إنه أسد الصحراء، وشيخ المجاهدين، وفخر الأمة “عمر المختار” الذي رثاه أحمد شوقي:
خُـيِّرْتَ فـاخْتَرْتَ المبيـتَ على الطَّوَى
لـــم تَبْــــنِ جــاهًــــا أَو تَلُـــمَّ ثَــراءَ/
إِنَّ البطولــةَ أَن تمـوتَ مـن الظَّمـا
لــيس البطولـــةُ أَن تَعُــــبَّ المـــــاءَ/
إِفريقِيــا مَهْــدُ الأُســودِ ولَحْدُهـا
ضــجَّــــتْ عليــكَ أَراجـــلاً ونســــاءَ/
والمسـلمون عـلى اخـتلافِ ديـارِهم
لا يملِــكـون مـــعَ الـمُصَــابِ عَـــزاءَ/
والجاهليــةُ مــن وَراءِ قُبــورِهم
يبــكــون زَيْــــدَ الخــيل والفَلْــحـــاءَ/
فــي ذِمَّــة اللـهِ الكـريمِ وحفظِـه
جَسَــدٌ (ببـــرْقة) وُسِّــــدَ الصحــراءَ/
33- عندما قيل لأسطورة الجهاد، الشيخ عمر المختار: إيطاليا تملك طائرات نحـنُ لا نملكها.. قال: تلك الطائرات تُحلّق فوق العرش أم تحته؟ قالوا: تحته.. قال: “نحنُ معنا مَـن فوق العرش، فلا يخيفنا مَـن تحته”.
——–
المصدر:
(موسوعة “شموسٌ خلفَ غيوم التأريخ” – الجزء الأول – يسري الخطيب)
تابع قناة جريدة الأمة الإلكترونية في واتساب
تابع قناة جريدة الأمة الإلكترونية في يوتيوب