السبت يوليو 27, 2024
الزعيم عمر مكرم سير وشخصيات

أول من طالب بتطبيق الشريعة الإسلامية في العصر الحديث:

“عمر مكرم”.. الزعيم الإسلامي المجاهد

عُمَر مَكرَم بن حُسَين السيوطي (1750م – 1822م)

– وُلدَ “عُمر مكرم حسين السيوطي” في أسيوط، سنة 1750م.. ثم انتقل إلى “القاهرة” للدراسة في الأزهر، وانتهى من دراسته، وأصبح نقيبًا لأشراف مصر في زمنه، عام 1793م، وكان يتمتع بمكانة عالية عند العامة والخاصة.

1- عمر مكرم أول من طالب بتطبيق الشريعة الإسلامية في العصر الحديث:

– ظهر العالم العامل “عمر مكرم” كقائد شعبي عندما قاد حركة شعبية ضد ظلم المماليك، عام 1795م، ورفع لواء المطالبة بالشريعة والتحاكم إليها كمطلب أساسي، كما طالب برفع الضرائب عن كاهل الفقراء، وإقامة العدل في الرعيّة.

– تميّزَت حياة السيد “عمر مكرم” بالجهاد المستمر ضد الاحتلال الأجنبي، والنضال الدؤوب ضد استبداد الولاة وظلمهم، وكان ينطلق في هذا وذاك من وعي إسلامي عميق وفذ وإيجابي.

– عندما اقترب الفرنسيون من القاهرة سنة 1798م، قام السيد عمر مكرم بتعبئة الجماهير للمشاركة في القتال إلى جانب الجيش النظامي (جيش المماليك في ذلك الوقت)، وفي هذا الصدد يقول المؤرّخ عبد الرحمن الجبرتي:

(وصعد السيد عمر مكرم أفندي نقيب الأشراف إلى القلعة فأنزل منها بيرقًا كبيرًا، اسمته العامة البيرق النبوي، فنشره بين يديه من القلعة إلى بولاق وأمامه الآلاف من العامة)

ويعلق المؤرّخ عبد الرحمن الرافعي على ذلك بقوله: (وهذا هو بعينه استنفار الشعب إلى التطوع العام بعد هجمات الغازي المغير، والسير في طليعة المتطوعين إلى القتال).

– عندما سقطت القاهرة بأيدي الفرنسيين، عرض عليه الفرنسيون عضوية الديوان الأول إلا أنه رفض ذلك، بل فضّل الهروب من مصر كلها حتى لا يظل تحت رحمة الفرنسيين.

– عاد “عمر مكرم” إلى القاهرة، وقاد ثورة القاهرة الثانية التي اندلعت في عام 1800م.. فلما خمدت الثورة اضطر إلى الهروب مرة أخري خارج مصر، حتى لا يقع في قبضة الفرنسيين الذين قاموا بمصادرة أملاكه، وظل السيد “عمر مكرم” خارج مصر حتى رحيل الحملة الفرنسية، سنة 1801م، ولكنه كان يُحرّك تلاميذه ومحبيه، ويثوّرهم ضد الفرنسيين..

(تتاقضت جميع المصادر في المكان الذي تخفّى فيه عمر مكرم، وكان يدير المعارضة منه، فبعضهم قال لم يبرح مصر، وظل في حماية المصريين بالصعيد، والبعض قال ليبيا، وآخرون قالوا السودان)

– قاد عمر مكرم المقاومة الشعبية ضد حملة فريزر الإنجليزية، سنة 1807م، تلك المقاومة التي نجحت في هزيمة القائد فريزر في “الحمّاد” و”رشيد”، بمحافظة البحيرة، مما اضطر “فريزر” إلى الجلاء عن مصر.

2- عمر مكرم يطالب الشيوخ بترك الدروس وحمل السلاح:

يقول الجبرتي: (طالب السيد عمر مكرم الناس بحمل السلاح والتأهب لجهاد الإنجليز، وكذلك أمر المشايخ بترك إلقاء الدروس وحمل السلاح، قائلا: الجهاد أولا)

ويعلّـق المؤرّخ عبد الرحمن الرافعي على ذلك بقوله: (فتأمل دعوة الجهاد التي بثها السيد عمر مكرم، والروح التي نفخها في طبقات الشعب، فلقد دعا الشعب على التطوع لقتال الفرنسيين، ثم تأمّل دعوته الأزهريين إلى المشاركة في القتال وترك الدروس، لأنه كان يرى أن الجهاد أعظم وأهم)

– وفي إطار نضال السيد عمر مكرم ضد الاستبداد والمظالم، نجد أنه قاد النضال الشعبي ضد مظالم الأمراء المماليك عام 1804م، وكذا ضد مظالم الوالي خورشيد باشا سنة 1805م، ففي يوم 2 مايو سنة 1805م، بدأت الثورة بقيادة عمر مكرم، حيث عمّت الثورة أنحاء القاهرة، واجتمع العلماء بالأزهـر وأضربوا عن إلقاء الدروس، وأقفلت دكاكين المدينة وأسواقها، واحتشدت الجماهير في الشوارع والميادين يضجون ويصخبون، وفي يوم 13 مايو قرر الزعماء في دار الحكمة عزل خورشيد باشا وتعيين (محمد علي) بدلا منه بعد أن أخذوا عليه شرطًا: “بأن يسير بالعدل ويقيم الأحكام والشرائع، ولا يفعل أمرًا إلا بمشورة العلماء، وأنه متى خالف الشروط عزلوه”.

3- “محمد علي باشا” الممثل الداهية:

– استطاع “الممثل” الداهية الألباني (محمد علي) أن يتلاعب بهم جميعا، واستخدم أسلوب (التَّـقِـيَّة) الشيعي: (يُظهر عكس ما يُبطن)، حتى تمكّن من الحُكم والسيطرة على مصر كلها، فبدأ في تقريب بعض المشايخ وزيادة رواتبهم، فانفضّوا من حول عمر مكرم وباعوه، وصاروا لسان محمد علي ويده، وهذه عادة بعض مشايخ مصر على مر الزمان،

– في شهر يونيو من عام 1809م، فرضَ “محمد علي” ضرائب جديدة على الشعب، فهاج الناس واستنجدوا بالسيد عمر مكرم الذى وقف إلى جوار الشعب، وتوعّد بتحريك الشعب إلى ثورة عارمة، ونقل الوشاة الأمر إلى محمد علي، فاستغل محمد علي الفرصة، وخاصةً بعد أن رأى نفاق وانبطاح المشايخ، ومحاولتهم التقرب منه، بالإضافة إلى غَـيرة بعض الأعيان من منزلة عمر مكرم بين الشعب، كالشيخ المنافق محمد المهدي، والشيخ المنافق محمد الدواخلي، فاستمالهم “محمد علي” بالمال ليوقعا بـ عمر مكرم.

– أدرك “محمد علي” أن “عمر مكرم” خطر عليه، وعلى أحلامه في الاستفراد بحكم مصر؛ فمن استطاع أن يرفعه إلى مصافّ الحكام؛ يستطيع أن يقصيه، ومن ثم أدرك أنه لن يستطيع تثبيت دعائم ملكه وتجميع خيوط القوة في يده، إلا بعد التخلص من “عمر مكرم”.. وتحطيم شعبيته وتشويه سُمعته..

– عندما أعلن زعماء الشعب عن استعدادهم للخروج لقتال الإنجليز، قال “محمد علي” كلمته الشهيرة: (ليس على رعية البلد خروج، وإنما عليهم المساعدة بالمال لعلائف العسكر).. وكانت العبارة صدمة كبيرة لعمر مكرم؛ واتسعت الفجوة بينه وبين الوالي الجديد.

– عندما أعدّ “محمد علي” حسابًا ليرسله إلى الدولة العثمانية، يشتمل أوجه الصرف، (ميزانية الدولة) من الجباية والمنفوقات والضرائب، وطلب من زعماء المصريين أن يوقعوا على ذلك الحساب كشهادة منهم على صدق “الميزانية” ..وافق (علماء الوقت) كما وصفهم الجبرتي، بينما رفض عمر مكرم التوقيع، وشكك في الأرقام وقال: إنها كاذبة.. فأرسل إليه محمد علي يستدعيه لمقابلته، فامتنع عمر مكرم، ورفض المقابلة، فأعلن محمد علي خلع عمر مكرم من نقابة الأشراف، وتعيين الشيخ السادات.

4- خيانة شيوخ الوقت:

“شيوخ الوقت”.. تلك الكلمة الخالدة التي أطلقها المؤرّخ عبد الرحمن الجبرتي، على شيوخ السلاطين، المنافقين الذين يأكلون على كل الموائد، ويلعبون على كل الحبال، ويلوون ذراع “النَّص” ليتلائم مع ما يريده السلطان،، يحللون الحرام، ويحرّمون الحلال،، حسب اتجاه رياح الحُكم..

وقد ذكرَ عبدالرحمن الجبرتي تفاصيل خيانة شيوخ مصر، وما فعلوه بسيّدهم عمر مكرم، بعد أن رمى لهم محمد علي بالأموال والمناصب، وكان أولهم الشيخ محمد المهدي (نائب عمر مكرم) الذي طلب من “محمد علي” مكافأة جهوده في المؤامرات والقضاء على (عمر مكرم)، وطالب بوظائف السيد عمر مكرم، فأعطاه “محمد علي” ما أراد.

– لم يكتفِ شيوخ مصر بالتواطؤ مع محمد علي باشا، على الوقيعة بالسيد عمر مكرم، بل أخذوا بعد نفيه يعملون على النيل من سُمعته، وتشويه أعماله وجهاده، واتهموه بالخيانة والسرقة، وظلوا يهاجمون “عمر مكرم” في دروسهم في المساجد وعلى المنابر، وقالوا إنه مارق، ومن الخوارج، (لم تكن كلمات: متطرف، إخواني، إرهابي، داعشي، وهّابي، جهادي قد ظهرت)

– طغت شعبية عُمر مكرم في مصر، فكان القائد الشعبي والأب الروحي للشعب المصري، والتقت أحقاد بعض الشيوخ مع إرادة محمد علي في التخلص من عمر مكرم، ولم تخلو الساحة من الوشاة ونقل التهديدات بين الطرفين، وزيادة الفُرقة بينهما، حتى انتهى الأمر بعزل محمد علي لعُمر مكرم من نقابة الأشراف، ونفيه لدمياط لمدة 10 سنوات.

– عاد بعدها عُمر مكرم للقاهرة مرة أخرى، وأقام فيها قُرابة العام، ابتهج الشعب خلالها وتوافد إليه فرحًا بقدومه، وسرعان ما عادت شعبيته كالسابق، فخشى محمد علي من وقوع ثورة جديدة بوجوده، فنفاه مُجددًا إلى دمياط، عام 1822م.

– استمر (عمر مكرم) في منفاه، تدهورت حالته الصحية، ونالت منه السنون، وصار رجلا عجوزا، هَـدّه المرض، وقتلته الخيانة، وغدر المقرّبين من الشيوخ والأصدقاء، فاعتزل الناس، حتى رحل في سنة 1822م، وعمره 72 عاما

5- السؤال التاريخي الخالد:

(قبل عرض السؤال نعود خطوة للوراء لتوضيح الأمر: الدولة العثمانية كانت لا تضع (حُكامًا عرب) على بلادهم، فمن المستحيل أن يحكم مصر مصريا، أو الشام أي أحد من أبنائها، وهذا أيضا بالنسبة للبلاد الإسلامية في آسيا وأوروبا التي كانت تحت يد الدولة العثمانية.. أما ألبانيا ومقدونيا وقبرص في ذلك الوقت فقد كانوا في قلب الدولة العثمانية، وما زال الأتراك ينظرون لتلك الدول بأنها بلادهم المُختَطفة)

ويبقى السؤال الذي حيّر الباحثين والكتّاب طيلة العقود الفائتة:

– لماذا لم (يستولى) عمر مكرم، قائد الثورة المصرية ومحرّكها، وزعيمها الأوحد، على السلطة في مصر، بعد أن عزلَ الوالي خورشيد، في 1805م، وأعطى قيادة مصر لرجلٍ لا يعرف من اللغة العربية حرفا واحد، اسمه (محمد علي) الذي كان تاجرا للتبغ والأفيون ومهرّبا للآثار؟؟؟

– لماذا لم يحكم عمر مكرم مصر، وهو الأقدر على إقامة العدل والرفق بالشعب؟

– لماذا لم يعطِ قيادة مصر للمصريين؟

والواقع أن إجابة هذا التساؤل تجعلنا نعود لذلك العصر الذي لم ينظر إلى العثمانيين على أنهم (غزاة مغتصبون)، ولكن كان ينظر إليهم على أنهم حماة للإسلام، ومن ثم فالثورة على “خورشيد” كانت ثورة على الحاكم الظالم بصفته الشخصية، وليست ثورة على النظام السياسي، لذلك فإن تولّي “عمر مكرم” للحُكم من خلال هذه الثورة قد يفسّره العثمانيون على أنه ثورة ضد دولة الخلافة، أما اختيار “محمد علي” – وهو من جنس القوم – لتولّي حُكم مصر، فلن يثير غضب (الباب العالي) بدرجة كبيرة، ومن هنا تتضح حصافة الرجل الذي قال للزعماء صراحة: (لا بُد من تعيين شخص من جنس القوم للولاية).

الإجابة باختصار.. الشيخ عمر مكرم كان يُؤمن بالخلافة والوحدة، ولا يريد أن يسلخ مصر من كيان الأمة الإسلامية، ولذا لم يكن يرى الحاكم التركي، غريبا أو محتلا.. بل هو حاكم مسلم لدولة مسلمة.

——————————-

يسري الخطيب

المصدر:

سطور من موسوعة: (شموسٌ خلفَ غيومِ التأريخ – يسري الخطيب )

Please follow and like us:
يسري الخطيب
- شاعر وباحث ومترجم - مسؤول أقسام: الثقافة، وسير وشخصيات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب