تُعتبر رواية «فئران ورجال» (Of Mice and Men) للكاتب الأمريكي جون ستاينبك، الحائز على جائزة نوبل للآداب، واحدة من أبرز الأعمال التي عبّرت عن مأساة الفقراء والبسطاء في زمن الكساد الكبير بالولايات المتحدة. منذ صدورها عام 1937، حجزت الرواية مكانتها كتحفة من تحف الأدب العالمي، لما تطرحه من قضايا إنسانية كبرى، مثل العزلة، والاغتراب، وضياع الأحلام.
خلفية الرواية
كتب ستاينبك روايته في أوج أزمة الكساد الكبير التي ضربت الاقتصاد الأمريكي في الثلاثينيات، حين خسر ملايين الناس وظائفهم ومساكنهم، وتحوّل الحلم الأمريكي إلى سراب. ومن هذه الأرضية المظلمة نسج الكاتب حكاية إنسانية خالدة عن الفقر واليأس والأمل المجهض.
الحكاية وأبطالها
تدور الرواية حول عاملين جوالين:
جورج: رجل بسيط يحلم بامتلاك أرض صغيرة يزرعها بيديه.
ليني: صديقه الطيب الضخم، الذي يعاني من إعاقة عقلية تجعله يقع في المشكلات رغم براءته.
يمثّل الاثنان ثنائية متناقضة – العقل والقوة، الوعي والبراءة – لكنهما يتقاسمان حلمًا واحدًا بالاستقرار والحرية. غير أن المجتمع القاسي يبدّد أحلامهما، ليترك القارئ أمام مأساة إنسانية عميقة.
الرمزية والعنوان
يستعير ستاينبك عنوان الرواية من بيت شعري للشاعر الاسكتلندي روبرت برنز: “خطط الفئران والبشر غالبًا ما تذهب هباءً”. وهو ما يختصر فكرة الرواية: أن مصائر البسطاء تشبه مصائر الفئران، أحلامهم هشة، وتُسحق بسهولة تحت وطأة الظروف.
القيمة الأدبية والفنية
النص مكتوب بلغة بسيطة، لكنها تحمل معانٍ عميقة تجعل الرواية صالحة للتدريس في المدارس والجامعات.
يمكن تقسيم الرواية إلى مشاهد مسرحية، وهو ما جعلها مادة جاهزة لعروض برودواي والأفلام السينمائية.
يعكس العمل انحياز ستاينبك إلى الطبقات المهمشة، شأنه شأن رواياته الأخرى مثل «عناقيد الغضب».
الترجمة إلى العربية
نُقلت الرواية إلى العربية في أكثر من طبعة، ومنها ترجمة الدكتور سامي قبّاوَة، التي جاءت بلغة واضحة مكّنت القارئ العربي من النفاذ إلى روح النص الأصلي.
مقاربة مع الأدب العربي
إذا كانت رواية «فئران ورجال» قد تناولت مآسي المهمشين في أمريكا، فإن الأدب العربي قد عرف بدوره أعمالًا مشابهة، أبرزها:
نجيب محفوظ في روايات مثل بداية ونهاية وزقاق المدق، حيث صوّر حياة الفقراء في القاهرة، وأحلامهم المحطمة أمام واقع اجتماعي قاسٍ.
عبد الرحمن الشرقاوي في روايته الأرض، التي تناولت مأساة الفلاح المصري البسيط، وصراعه مع الظلم الاجتماعي.
يوسف إدريس الذي أبرز حياة المهمشين في قصصه القصيرة، وصراعهم اليومي من أجل الكرامة.
بهذا المعنى، فإن «فئران ورجال» لا تنفصل عن هموم القارئ العربي، إذ تلتقي عند جذر إنساني واحد: معاناة البسطاء حين تنهار أحلامهم.
الأثر الثقافي
تحوّلت الرواية إلى مسرحيات وأفلام عدة، أبرزها نسخة 1992 التي حظيت بتقدير عالمي.
لا تزال الرواية تدرَّس حتى اليوم، وتُقرأ بوصفها نصًا حيًا يفضح زيف الحلم الأمريكي، ويُظهر قسوة الرأسمالية حين تدوس الإنسان.
فئران رجال
«فئران ورجال» ليست مجرد رواية عن رجلين جوالين في زمن الكساد، بل هي مأساة إنسانية كبرى عن الأحلام المجهضة. إنها نص أدبي عابر للحدود، يجد صداه في القاهرة كما في كاليفورنيا، وفي وجع الفلاح المصري كما في صرخة العامل الأمريكي.