عود أحمد:
إليها، العالمة المتحققة المستشرقة الإنجليزية كارين أرمسترونج، هي وإن تغلب عليها هويتها الدينية كراهبة مسيحية، وهذا طبيعي ولكنها تبذل جهدا جهيد لتقنع القارئ بمنطقها في فهم الأشياء، وهي من المفضلين لدي عن مستشرقين كثر ينقلون تيمات أصبحت من المسلمات لديهم منذ الرعيل الأول دون أن استشعر فيما يكتب عمق التحليل الذي خلص إليه وإنما استسهال فاضح كخادم لمن صدروه فيصبح بوقا يصيح بما يريدون دون أن يفرض شخصيته التي أثقلها بجهده الخاص فيصبح صناعة رديئة سرعان ما يتم التخلص منه إذا ما أنهى الدور المرسوم له.
الحرب المقدسة:
في مؤلفها «الحرب المقدسة» بدأت بأحداث 11/9/2001 وقد وصفته وصفا دقيقا بأنه هجوم غير وجه العالم إلى الأبد، وذكرت تصريح الرئيس جورج دبليو بوش الذي كان يعد حربا دولية على الإرهاب وأن هذا لا يعد حربا على الإسلام بأي حال من الأحوال كي يحصل على دعم الدول الإسلامية ثم تنتقده لأنه أطلق على حملة الانتقام هذه «حرب صليبية جديدة»، لما لها من وقع سيء على المسلمين، ففيها تذكرة بالحروب التي دارت رحاها في القرون الوسطى بإيعاز من البابا أوربان الثاني 25/11/1095 ثم قالت:
«إنما مازلت أعتقد بأهمية أن ينظر الناس في الغرب إلى الحروب المقدسة المعاصرة على ضوء ارتباطها بالحملات الصليبية، لأنها تذكرنا بذرعنا نحن، وتورطنا نحن، وتبعاتنا نحن» ثم تذكر حدوث تغيرات استثنائية في الشرق الأوسط منذ عام 1988 ما كانت تتخيل حدوثه، حيث قاد الغرب حملتين على نظام صدام حسين، ومع سقوط أول قنبلة على بغداد حتى أدين الهجوم في العالم العربي بوصفه «حربا صليبية جديدة»
الانتفاضة الفلسطينية:
والتي اندلعت عام 1987 وصفتها كارين بأن قادتها في البداية كانوا علمانيين ثم اتخذت لأول مرة بعدا دينيا بعد انضمام قادة حماس والجهاد الإسلامي إليها.
وذكرت دور الانتفاضة في تحريك ما يسمى بالسلام فقد ارتأت القيادة في الكيان الغاصب لفلسطين وبالطبع أمريكا أنه لا بديل عن حل الدولتين ولكن قتل رابين على يد يهودي متطرف أظهر أن للقضية بعدا دينيا لدى المسلمون واليهود على حد سواء بعد أن قتل السادات من قبل في أعقاب معاهدة السلام، ثم تقول أنها وهي تكتب كتابها هذا عام 2001 ترى بوادر فشل السلام من الجانبين لأن من يقودون عملية السلام من الجانبين هم علمانيون ومن الممكن أن تؤتي جهودهم ثمارها بينما المتطرفين من الجانبين اليهودي والإسلامي هم من يفسدون عملية السلام، فانتحاريو حماس يعتقدون أنهم يجاهدون في سبيل الله بروح صلاح الدين، أما عن اليهود فقالت:
«تحرك المستوطنين اليهود في الضفة الغربية، والعديد منهم قدموا من الولايات المتحدة الأمريكية، صهيونية دينية تذكرنا، لجهة إلتصاقها العاطفي الشديد بالأراضي المقدسة، بالروح الصليبية».
ولم يغب عنها ذكر الفعل ورد الفعل المتبادل من الجانبين، شارون الذي اقتحم المسجد الأقصى بثلاثة آلاف من جنوده عام 2000 مما تسبب في اندلاع انتفاضة جديدة، وقام الفلسطينيون برشق المصليين اليهود عند الحائط الغربي (حائط البراق) عندما شرع يهودي بوضع حجر الأساس للهيكل الثالث (الذين يريدون بنائه مكان المسجد الأقصى)
اعتراف نمتن له:
تعترف كارين أن أتباع الشرائع الثلاثة عاشوا معا في سلام لمدة 460 عام في ظل الحكم الإسلامي حتى جاءت الحروب الصليبية وأقامت مذبحة للمسلمين واليهود فقتلوا منهم أربعين ألفا (خانها التقدير لأنهم نحو مائة ألف) وهذا يعني أنه قتل على الهوية الدينية، كانوا ينتقون المسلمين واليهود، وتذكر أنه منذ ذلك الحين وأتباع الشرائع الثلاث أصبحوا ينظرون لبعضهم البعض بريبة وحذر، وهذا أيضا اعتراف مجدد منها أن أصحاب الشرائع الثلاث لم ينعموا بالسلام إلا تحت حكم إسلامي ثم تقول:
«كانت الحملات الصليبية حدثا فاصلا في الغرب أيضا، فقد جعلت من كراهية اليهود داء لا دواء له في أوروبا، وسينظر منذئذ إلى الإسلام على أنه العدو اللدود للحضارة الغربية، وما من شك في أن هذه التحاملات الغربية على الإسلام قد لعبت ومازالت تلعب دورا لا يستهان به في النزاع الحالي، وهي ما برحت تؤثر في الطريقة التي يرى فيها الغربيون الشرق الأوسط اليوم، وبأشكال هي غاية في التعقيد»
ثم تعترف مجددا أن الحروب الصليبية كانت حركة محورية في تشكيل الهوية الغربية التي كانت تتبلور آنذاك، وقدمت هذه الحروب صورة سيئة جدا عن الدين وهي تعني هنا المسيحية
ثم تعبر عن حزنها نظرا لمرور ألف عام على هذه الحروب ومازالت آثارها ماثلة باقية، فقد ارتأت أن دعوة البابا أوربان الثاني لهذه الحروب هي من أطلقت مشاعر الضغينة والريبة والتي مازالت تعتمل في النفوس وحتى يومنا هذا وليست تفجير البرجين عام 2001
وكأن هذا اعتذار ضمني من كارين على هذه الحروب التي آثارها مازالت ماثلة، ونحن بدورنا نمتن كثيرا لهذا الاعتذار التي لم تفعله الكنيسة مطلقا.
ولنا هنا وقفة:
منذ الحروب الصليبية وسلوك الغرب تجاهنا كمسلمين سلوك استفزازي وما حدث في 11 سبتمبر 2001 لم يكن إلا رد فعل على الكثير من الاستفزازات التراكمية، وهذا تحليل مجرد وليس تبرير، هذا باعتبار أن تنظيم القاعدة تمكنوا من تجاوز الإجراءات الأمنية المشددة والمتطورة جدا، وهذا ما يرتاب فيه الأمريكان أنفسهم.
عندما قال الرئيس الأمريكي أنه سيطلق حملة صليبية لم يكن رد فعل سريع بل إنه الصدق النابع من مخزون اللاوعي لديه في لحظة انفعالية نطق ما بداخله بشكل عفوي تلقائي دون ترتيب مسبق، وأن الحرب الدائرة منذ ذلك الحين هي حرب صليبية، وهو ما دعا كارين لأن تعترف بأن الغرب يحصد ما زرعوه، وما تورطوا فيه، وهذه هي من تبعات حروبهم الصليبية التي لم تتوقف إلى اليوم.
ثم قولها بأن مع سقوط أول قنبلة على العراق قال العالم العربي أنها حرب صليبية جديدة، وأنا بدوري أشك في هذا، أو ربما قيلت عرضا ثم تداركوا الأمر سريعا لأن النخبة في بلادنا لا يكرهون سوى الإسلام وتابعيه وكل ما يمت له بصلة.
قولها بأن قادة الانتفاضة كانت علمانية ثم أصبحت إسلامية بعد انضمام حماس والجهاد الإسلامي لها أيضا حديث إفك لأنه بعد حروب عدة ومنظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح، وجورج حبش ومعاهدة السلام، قبض الفلسطينيون على الفراغ حقا وحقيقة لم يحصلوا إلا على الوهم، وما مباحثات السلام التي قاموا بها إلا عملية احتواء الانتفاضة بينما هم كذبة لا يريدون أن يتنازلوا عن بوصة من الأرض التي احتلوها.
قام الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة حماس بتربية جيل جديد على أسس إسلامية بحتة منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي وهو من أطلق شرارة الانتفاضة وليس العلمانيون وبالطبع انضم إليهم حركة الجهاد الإسلامي، ومنذ ذلك الحين لم يتوقفوا، وهم من قادوا حركة المقاومة الآنية في غزة.
اعتبار كارين أن جهود العلمانيين من الجانبين يعرقلها المتشددون في الجانبين أيضا، هذا يعد من قبيل الهراء، لأن جهود العلمانيين بشأن القضية الفلسطينية سواء من قاموا بعمليات عسكرية أو سياسية لم تصب العدو إلا لمما بينما الذي أوجع شياطين الإنس في الكيان وأمريكا بالطبع هي المقاومة الإسلامية، لأنهم يجاهدون في سبيل الله، يسترخصون أرواحهم في سبيل الله، وبالتالي فإن الله حليفهم، وأيدهم بنصر فج من عنده لا يخطئه ولا يهون منه إلا كافر أو منافق.
الحرب الدائرة الآن في غزة هي امتداد للحروب الصليبية وهي حرب دينية، وقودها الناس من الجانبين وهم يألمون كما نألم ولكنهم لا يذكرون حقيقة قتلاهم ولا خسائرهم، مدفعون من قوى الاستكبار العالمي الذي يحركهم الشيطان رأسا، والنصر قادم لا محالة إن شاء الله وإن كانت التكلفة باهظة.
وللحديث بقية إن شاء الله
