الأمة الثقافية

قرأتُ لك: “الاستيطان.. قصة الأرض المسروقة”

يمثل الاستيطان الإسرائيلي في فلسطين جرحًا نازفًا في قلب الأمة العربية والإسلامية، يعكس أعمق أشكال الظلم والعدوان، فمنذ بدايات القرن العشرين، ومع انطلاق الحركة الصهيونية، بدأت موجات الاستيطان تتوالى على الأراضي الفلسطينية، لتصل إلى ذروتها بعد حرب عام (1967م)، وهذا الاستيطان ليس مجرد تغيير ديموغرافي، بل هو محاولة ممنهجة لاقتلاع الهوية الفلسطينية وتدمير نسيجها الاجتماعي والثقافي، وتتعدد دوافع الاستيطان بين دينية، وسياسية، وأمنية، يسعى المحتلون من خلاله لتحقيق حلمهم التاريخي بإقامة دولة يهودية على كامل أرض فلسطين، غير مبالين بالقوانين الدولية وقرارات محكمة العدل الدولية التي تعتبر هذه المستوطنات غير شرعية، في المقابل، يقف الفلسطينيون صامدين أمام هذا العدوان، متمسكين بحقهم في أرضهم ومقدساتهم، رغم كل الصعوبات والتحديات.

لكن ما هو جوهر الفكر الاستيطاني؟ وما هو تاريخه والدوافع الخفية التي تقف وراءه؟ هذا ما نسعى لبيانه في هذا المقال.

بدايةً يجب أن نُقّر أن (الاستيطان) هو مصطلح إيجابي يدل على عملية بناء وطن جديد، لكنه هنا في حالة فلسطين، فهو احتلال مسلح واغتصاب للأرض وتهجير للشعب، لكننا سنجاري استخدام مصطلح (الاستيطان) الذي أصبح شائعا في هذه القضية، مع استصحاب دلالته الحقيقية.

يُعرّف الاستيطان لغةً بكونه: عملية اتخاذ موطن من الأرض.

ويُعرّف في علم الاجتماع على أنه: عملية اجتماعية اقتصادية، يتم فيها تهجير جماعات من البشر من أرضهم إلى أرض أخرى، بهدف القيام بعملية بناء لمجتمعات بشرية مستحدثة.

وعملية الاستيطان في ذاتها تمر بمجموعة مراحل أساسية سعياً لإلباسها ثوب الشرعية أمام العالم، وهذه المراحل هي:

مرحلة تبلور المفهوم: يتم من خلالها طرح الفكرة، والأهداف الأساسية من ورائها، والأساليب المتبعة من أجل تحقيقها، والمصالح التي تترتب عليها.

مرحلة التخطيط: تتم عن طريق إجراء الأبحاث الجغرافية، والدراسات الاجتماعية التي تحدد خصائص السكان الأصليين، ومن ثم إنشاء نظام إداري لنقل المهاجرين، وأخيراً تحديد الأنماط التنظيمية الخاصة بالمجتمع الجديد.

مرحلة التنفيذ: يتم من خلالها تكوين النظام الإداري، ووضع معايير اختيار المستوطنين والعمل على إقامة علاقة متوازنة بينهم بهدف خلق تماسك في المجتمع الجديد.

مرحلة المتابعة: تهدف بشكل أساسي إلى التعرف على مواطن الضعف ومواطن القوة، فتعالج الأولى وتتغلب عليها، وتعزز الثانية وتطورها.

وللاستيطان نمطان أساسيان، الأول: وهو الاستيطان الطبيعي (التلقائي) الذي يأخُذ شكله النهائي وفق ما تمليه الأحوال الطبيعية، والاجتماعية، والاقتصادية على مجموعة من الأفراد لترك موطنهم الأصلي، والتوجه إلى مواطن جديدة، ويتميز بأن النتائج التي تترتب عليه لا تكون وفق خطة معينة.

الثاني: وهو الاستيطان المخطط، والذي يتم وفق أهداف محددة، وخطة واضحة المعالم، يعتمد في أساسه على تهجير السكان الأصليين، واحتلال موطنهم دون وجه شرعي، قد يصل إلى إنكار وجودهم في الأصل، ويتم ذلك من خلال استخدام الاستيطان العسكري الاستعماري، يتبعه استيطان صناعي وحضاري، ويكون المستوطنون فيه بين خيارين: إما حرية اختيار المكان الذي يرغبون في الإقامة فيه، أو الإجبار من خلال مجموعة من الأوامر يتبناها أصحاب السلطة.

من خلال فهم ما سبق، يمكن بسهولة التعرف على نوع الاستعمار الاستيطاني الذي يقوم به الكيان الصهيوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة والذي بدأ مع هزيمة كل من مصر، والأردن، وسوريا أمام القوات الإسرائيلية في حرب (1967م)، ونتج عنها احتلال قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء من مصر، الضفة الغربية (بما فيها القدس الشرقية) من الأردن، وهضبة الجولان من سوريا

وقد عرّف المؤرخ الإسرائيلي البارز والناشط الاشتراكي (إيلان بابيه) -الذي يعتبر واحداً من أبرز منتقدي السياسات العنصرية للكيان الصهيوني- الاستعمار الاستيطاني بكونه: «حركة قام بها الأوروبيون المضطهدون في قارة أوربا، لأسباب مختلفة قد تكون ثقافية، أو اقتصادية، أو سياسية، نتج عنها شعورهم بخطر يهدد وجودهم في قارتهم، جعلهم يسارعون في البحث عن موطن آخر، والانتقال إلى خارج أوروبا، والسعي إلى توطين أنفسهم فيها مع الاحتفاظ بهويتهم كأوروبيين، وقد ساعدتهم الامبراطوريات الاستعمارية على تحقيق ذلك، ووفرت لهم العديد من المساعدات، ولكن المهاجريين لم تكن لديهم نية الانضمام إلى هذه الامبراطوريات، أو أن يصبحوا جزءاً منها، مما دفعهم في وقت لاحق للانتفاض ضدها، واعتبار أنفسهم شعوباً جديدة بشكل كامل، ولكن كانت المشكلة التي واجهت المستوطنين الأوروبيين هي السكان الأصليين للمناطق التي رغبوا في استعمارها، وكان السبيل الوحيد أمامهم في ذلك الوقت ليصبح لهم موطن جديد هو اتباع أسلوب الإبادة، وإزالة السكان الأصليين، وهي الحقيقة التي تمت من قبل جميع المستوطنين البيض في البلاد التي اختاروا السكن فيها، وقد حدث ذلك في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي كندا، وفي كل من أمريكا الوسطى والجنوبية، ومن هنا جاء الإلهام الإسرائيلي، فمنذ عام (1948م)، أصبح منطق الكيان هو ضم الأرض دون الشعب، واستخدم في سبيل ذلك أساليب متنوعة مثل القيام بطرد السكان، أو القيام بوضعهم في جيوب محاصرة تقيد حركتهم وتسلُب حريتهم، وأحياناً يكون الحل الأمثل هو اللجوء إلى الفصل العنصري، بحيث لا يملك المواطنون الفلسطينيون حقوقهم كاملة، فأساس ما يشغل دول الاستيطان الاستعماري، يرتبط بشكل مباشر بالسكان الأصليين والكيفية التي يمكن من خلالها ضمهم لحدود الاستعمار دون السماح لهم بلعب دور ذي قيمة يتحكم في مصير البلاد أو سياستها».

كيف كانت البداية؟

سجلت معظم كتب التاريخ تواجد اليهود في الأراضي الفلسطينية منذ الخلافة العثمانية، ومع بلوغ القرن السادس عشر كانت نسبتهم في مدينة القدس وحدها قد بلغت (12%) من إجمالي السكان نتيجة ارتفاع معدل هجرة اليهود الأوروبيين في ذلك الوقت، ومع أن هذه النسبة لم تحافظ على نموها بل أخذت في التراجع بشكل ملحوظ نتيجة الظروف والأزمات الاقتصادية، والسياسية، إلا أن اليهود في تلك الفترة  تمكنوا من التوغل بين السكان، وبدأوا في ممارسة حياتهم بشكل طبيعي، فأصبح لهم مدارسهم، ودور العبادة الخاصة بهم، وكانت أرواحهم وأموالهم محفوظة لا تتعرض للضرر، ومع الوقت زادت رغبة التملك والجشع لدى البعض منهم –ممن كانوا يصفون أنفسهم بالتجار أو المستثمرين- فعمدوا إلى الاستيلاء على الأراضي القاحلة، أو الأراضي التي هجرها أهلها، أو تلك التي تقع في مناطق متطرفة، وتحويلها إلى مزارع تعود ملكيتها إليهم، ولم يكن الضرر الناتج عن ذلك ملحوظاً في ذلك الوقت.

مع بلوغ القرن التاسع عشر زادت حدة التنكيل باليهود الأوروبيين من قبل الروس، وأصبحت الغالبية العظمى منهم راغبة في الهجرة وترك بلادهم سعياً للحفاظ على أرواحهم، وقد توافقت هذه الحالة مع أهداف بريطانيا في ذلك الوقت التي كانت متمثلة في الدعوة لذهاب اليهود إلى فلسطين، فعمدت إلى الضغط على الدولة العثمانية لتحقيق ذلك، زاعمةً أن ذلك من سبيله الإعلاء من شأنها في الأوساط الأوروبية الداعمة لليهود، والتي تجمع بين القوة والثراء، مما سيعزز من قوة السلطنة -التي كانت تشهد في ذلك الوقت تهديدات قوية من روسيا- فما كان من قادة الخلافة في ذلك الوقت إلا الموافقة والخضوع للرغبة البريطانية.

وكانت بداية استيطان اليهود البريطانيين الحقيقي في فلسطين في العام (1835م) على يد الثري اليهودي المعروف (موسى مونتفيوري)، الذي عمد إلى إنشاء سلسلة من البنوك في العديد من المناطق الفلسطينية، بهدف تكوين قوة اقتصادية متينة، تكون حجر الأساس لقيام اليهود وتمكينهم من الأرض في وقت لاحق، كما قام ببناء العديد من المستوطنات الزراعية في كل من (الجليل) و(يافا) تحت مسمى المشاريع الاستثمارية، وبحلول العام (1854م) حصل (مونتفيوري) على إقرار من السلطان العثماني، مكنه من شراء أرضٍ كبيرة المساحة في مدينة (القدس) أقام عليها أول حي يهودي سكني أُطلق عليه اسم حي (مونتفيوري)، وجَعل المشرفين عليه من اليهود الأجانب، وحصل لهم على مختلف الامتيازات التي ترتبط بالمشاريع الصناعية، يُذكر أن أعداد اليهود في فلسطين قبل نشاطات (مونتفيوري) كانت لا تزيد عن (1500) يهودي، وقد تنامى هذا العدد ليصل لعشرات الآلاف في نهاية الخلافة العثمانية كان معظمهم يهوداً وافدين من مختلف الدول الأوروبية.

بعد الانتهاء من حفر قناة السويس في العام (1879م)، زادت أهمية الشرق الأوسط استراتيجياً، واقتصادياً في أنظار الجميع، خاصةً أصحاب المطامع، في ذات الوقت كانت المنظمة الصهيونية العالمية في أوروبا قد تشكلت وظهرت للعلن، إلى جانب العديد من التنظيمات الأخرى مثل: الصندوق القومي لليهود، والوكالة اليهودية وغيرهما، أعلنت جميعها أن هدفها الأساسي هو السعي الحثيث لتهجير اليهود إلى فلسطين، والعمل على شراء مجموعات واسعة من الأراضي، والبدء في إقامة مستوطنات تكون مساكن لليهود المهاجرين، ليصحبوا بذلك سكاناً دائمي الإقامة، ولتكون هذه الخطوة هي البداية التي مكنت اليهود من فلسطين، حيث وصلت ملكية اليهود خلال عهد الدولة العثمانية إلى (2%) من الأراضي الفلسطينية، وبحلول عام (1914م) تجاوز عدد المستوطنات اليهودية الـ(40) مستوطنة.

كانت هجرة اليهود الأوروبيين إلى فلسطين هي حجر الأساس الذي قامت عليه الحركة الصهيونية، واتخذت من خلالها سبيلاً لتحقيق أهدافها الاحتلالية في فلسطين، وقد تمت موجات الهجرة -التي يصل عددها إلى ست موجات- من خلال دعم العديد من الدول الغربية المستعمِرة في ذلك الوقت بما يخدم مصالحها الشخصية، وعلى رأسها بريطانيا بكونها السلطة المنتدبة عن فلسطين في ذلك الوقت، ثم الولايات المتحدة الأمريكية، وقد بذلت المقاومة الفلسطينية في وقتها جهوداً كبيرة للحد من تدفق اليهود إلى أراضيها، إلا أن قوتها لم تكن كافية، وباءت محاولاتها بالفشل، كان ذلك في ظل تغافل السُلطة –المتمثلة في الدولة العثمانية– والدول العربية المحيطة عن اتخاذ أي موقف دفاعي حاسم لوقف هذا التدفق الجائر الذي مكن اليهود من فلسطين فيما بعد.

الموجة الأولى

قسم المؤرخون الموجة الأولى إلى دفعتين، امتدت الأولى منهما بين عاميّ (1882-1884م)، نتيجة الاضطهاد الذي كان يعاني منه اليهود من قبل روسيا، وكان معظم أعضائها من جماعة منظمة الـ(بيلو – Billu) التي تم تأسيسها على يد مجموعة من الطلاب اليهود في العام (1882م) في روسيا، من أجل تشجيع اليهود على العودة إلى فلسطين، وقد كان لهؤلاء الأعضاء دور بارز في عمليات الاستيطان الصهيوني الأولى.

الدفعة الثانية بدأت في العام (1891م)، واستمرت بشكل متقطع حتى العام (1903م)، وقد كانت حصيلة المهاجرين اليهود خلال هذه الدفعة ما يقارب من (1500) يهودي، كان معظمهم قادماً من روسيا، وبولندا، وقد وطنوا احتلالهم للمدن الفلسطينية من خلال إنشاء (10) مستوطنات جديدة.

الموجة الثانية

بدأت هذه الموجة عام (1904م) واستمرت حتى عام (1918م) –أي قرابة (14) عاماً– ونتيجة لطول المدة، كان من الطبيعي أن تتضمن العديد من الأحداث الهامة، كان من أبرزها صدور وعد بلفور في عام (1917م) –الذي أُعلن من خلاله عن دعم بريطانيا لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين- وترتب عليه حصول الحركة الصهيونية على صلاحية الإشراف على عملتي الهجرة والاستيطان لليهود في فلسطين.

كانت حصيلة مهاجري هذه الموجة (40.000) يهودي، قاموا بالاستيلاء على (418) دونماً من الأراضي الفلسطينية –أي ما يعادل (418.000) متراً مربعاً- بالإضافة إلى بناء (44) مستوطنة جديدة، وكان السبب في توقف هذه الموجة هو دخول القوات البريطانية إلى فلسطين خلال الحرب العالمية الأولى، وإعلان الانتداب البريطاني فيها الذي تضمن العديد من الوعود بمساعدة اليهود للعودة إلى وطنهم حسب ما يزعمون.

الموجة الثالثة

سهّل دخول بريطانيا إلى فلسطين أمور الهجرة على اليهود بشكل كبير فحصلت هذه الموجة على كافة الخطوات والإجراءات المرخصة، وقد كانت بدايتها في العام (1919م) وحتى العام (1923م)، ووصلت حصيلة المهاجرين خلالها إلى (35.000) يهودي، بمعدل (8.000) يهودي تقريباً لكل عام، كان معظمهم شباباً عاطلاً عن العمل، لا يمتلك شيئاً من المال، وكان معدل الانتحار بينهم شديد الارتفاع.

قامت حكومة الانتداب البريطاني خلال هذه الموجة في عام (1922م) بإجراء عملية تعداد سكاني في فلسطين، والذي أظهر أن عدد اليهود قد بلغ (83.790) شخص، وهو ما يساوي (10%) من عدد السكان الكلي، لكن ذلك لم يكن كافياً في نظر الحكومة البريطانية فعمدت إلى توزيع العديد من تذاكر السفر عن طريق مكاتب (الوكالة اليهودية) في الدول الأوروبية من أجل حثهم على التوجه إلى فلسطين.

الموجة الرابعة

تراوحت فترة هذه الموجة من العام (1924م) وحتى العام (1931م)، وكانت حصيلتها هجرت (78.898) يهودي إلى الأراضي الفلسطينية، وقد استخدمت (الوكالة اليهودية) العديد من الأساليب الملتوية لزيادة أعداد المهاجرين بعيداً عن أعين الانتداب البريطاني، كان من ذلك إقامة معارض خاصة بالبضائع اليهودية على الأراضي الفلسطينية، ليتمكن اليهود من الدخول في صورة مشتركين، أو منظمين، أو عارضين، أو حتى مشترين، وقد استمر ذلك لعامين كاملين، وخلال ذلك دعت المؤسسات النسوية الصهيونية لإعطاء النساء اليهود نصيباً من تذاكر الهجرة، ورفع المنع عنهم.

كان من أبرز المعوقات التي واجهت هذه الموجة ما حدث في عام (1927م) من تدهور الحالة الاقتصادية لليهود في فلسطين –لأن معظمهم كان من الشباب العاطل المفلس كما أوضحنا- وهو الأمر الذي دفع بحكومة الانتداب للتدخل والعمل مع (الوكالة اليهودية) على تقديم القروض المالية للعاطلين من اليهود، كما ساهم أثرياء اليهود من خلال تبرعاتهم المالية في فتح العديد من المشاريع، وتوفير عدد كبير من فرص العمل، وكان الحدث الأبرز خلال هذه الموجة هو تنظيم (الوكالة اليهودية) لدورة الألعاب الأولمبية للفرق اليهودية (المكابية – Maccabia)، وتحت ستار المشاركة فيها دخلت أعداد كبيرة من اليهود لفلسطين.

الموجة الخامسة

مثلت الموجة الخامسة ذروة عمليات الهجرة والاستيطان اليهودي في فلسطين، فمن العام (1933م) وحتى العام (1939م)، وصل إلى الأراضي الفلسطينية ما يقارب من (250.000) يهودي، وبلغ عدد تذاكر السفر التي وفرتها الحكومة البريطانية (1600) تذكرة تم توزيعها من قبل (الوكالة اليهودية).

وخلال العام (1933م) قامت الوكالة بعقد اتفاقية مع الحكومة الألمانية عرفت باسم (التحويل هعفارا – Haavara Transfer)، التي كان هدفها الأساسي تنظيم هجرة اليهود الألمان إلى فلسطين، وفي سبيل ذلك تم إنشاء شركة مالية مخصصة لتولي إدارة وتطوير النشاطات التجارية والمالية الخاصة بهم، وقد كانت صلاحية هذه الاتفاقية خمس سنوات، وقد تمكنت الوكالة عن طريقها من تحويل (2 إلى 3) مليون جنيه إسترليني من أموال اليهود في ألمانيا.

شهد العام (1935م) من هذه الموجة هجرة عدد كبير من أعضاء الكوادر العلمية، كما عملت الوكالة على جمع الأطفال الذين تقل أعمارهم عن (16) عاماً من المعابد والملاجئ المنتشرة في أوروبا ونقلهم إلى الأراضي الفلسطينية.

وعلى الرغم من كونها الموجة الأكبر، إلا أن هذه الموجة كانت الفتيل الذي أشعل الثورة الفلسطينية الكبرى في عام (1936م)، وقد ترتب عليها إعلان الانتداب البريطاني قانون الطوارئ؛ سعياً لاحتواء الثورة ومنع اتساع مداها، إلا أن ذلك زاد من تصميم الفلسطينيين على استكمالها وشارك فيها مختلف فئات الشعب جنباً إلى جنب، من أجل التغلب على التواطؤ البريطاني مع اليهود، والتصدي للأعمال العدائية التي كان يقوم بها اليهود تجاه العرب.

احتاجت القوات البريطانية لمزيد من الدعم من أجل التصدي للثورة الفلسطينية، فقامت بسحب جزء من قواتها المتواجدة في مصر، وتم عقد اتفاق مشترك مع (الوكالة اليهودية) لإعادة تنظيم أفراد (الفيلق اليهودي) ليصبحوا أفراداً داعمين للقوات البريطانية على الأرض، وما زاد الاتفاق الفلسطينيين إلا ثباتاً خضعت له حكومة الانتداب في نهاية الأمر، وتم إعلان اتفاقية (الكتاب الأبيض) التي سعت لتنظيم العلاقة بين العرب واليهود في الأراضي الفلسطينية في عام (1939م)، والذي كان بنده الأبرز هو العمل على الحد من الهجرة اليهودية إلى فلسطين.

لم تخضع (الوكالة اليهودية) للبنود المتفق عليها، بل قامت بسن قانون جديد عُرف باسم (جمع الشمل)، يمكن من خلاله للمستوطنين اليهود دعوة زوجاتهم وأبنائهم من الخارج للإقامة معهم في فلسطين، بل والحصول على الجنسية الفلسطينية، ترتب على ذلك كثرة الزواجات الصورية بين اليهود -وهو ما فسر ارتفاع معدلات الطلاق في السجلات اليهودية في ذلك الوقت- فبمجرد حصول أي من الطرفين على الجنسية الفلسطينية، تتم عملية الانفصال، ويصبح كلا الطرفين قادرين على دعوة أفراد آخرين من اليهود في الخارج للقدوم لفلسطين، والحصول على الجنسية والإقامة فيها بشكل دائم.

الموجة السادسة

كانت بداية الموجة الأخيرة من الهجرة اليهودية في عام (1939م)، وقد استمرت لـ(9) سنوات حتى الإعلان عن قيام الوطن القومي لليهود في عام (1948م)، وشهدت هذه الموجة نوعين من الهجرة، الأولى هي الهجرة التي تتم مباشرة عن طريق إحدى الدول المحايدة، -تركيا ومنطقة البلقان وقبرص- والحصول على جوازات الدخول، يليها الانتقال إلى فلسطين براً أو بحراً.

وعُرفت الهجرة الثانية غير المرخصة أو السرية، والتي كانت تتم من خلال استخدام المراكب البحرية للوصول لشواطئ الأراضي الفلسطينية، وقد كان عدد هذه المراكب ما يقارب من (21) مركبا، مكنت (15.000) مهاجر يهودي من الدخول إلى فلسطين.

وفي عام (1943م) تم إصدار تعليمات للسفارة البريطانية في تركيا من أجل منح اليهود المهاجرين -الذين سبق لهم الهرب من الهجمات الروسية- التصاريح اللازمة للدخول للأراضي الفلسطينية، ومع بلوغ عام (1945م) قرر الرئيس الأمريكي (هاري أس ترومان) المطالبة بتنفيذ مقررات المؤتمر الصهيوني الذي عقد في عام (1942م)، والذي كان يطالب بالاعتراف بحق الشعب اليهودي في فلسطين، ومنح اليهود الحق في تشكيل قوة عسكرية رسمية بهدف حفظ الأمن اليهودي، ومساعدة الحلفاء –كما سبق لها الفعل في الحرب العالمية الأولى حين شكلت الفيلق اليهودي– بالإضافة إلى الرفض الكلي لما جاء في (الكتاب الأبيض) الذي أصدرته بريطانيا في عام (1939م) وتفويض (الوكالة اليهودية) بكافة الصلاحيات التي تمكنها من إدخال اليهود المهاجرين إلى فلسطين، بل واختيار أماكن الاستيطان الخاصة بهم، وكان الهدف من وراء ذلك؛ هو فتح الباب لهجرة اليهود إلى فلسطين دون وجود أي نوع من القيود أو العقبات، وكان ذلك هو نقطة التحول في علاقات الحركة الصهيونية الدولية.

مراحل بناء المستوطنات الاستعمارية في فلسطين

بشكل رسمي مرت عملية الاستيطان اليهودي في الأراضي الفلسطينية منذ عام (1967م) بأربع مراحل أساسية وهي:

المرحلة الأولى (1967-1976): استمرت هذه المرحلة (10) سنوات، كان إنشاء المستوطنات خلالها يتم بصورة انتقائية، حيث اعتمد اليهود في وقتها على سياسة الكيف لا الكم، وقد تركزت عملية البناء في مناطق محددة وهي (مدينة القدس، وغور الأردن) اتباعاً لخطة (يغآل ألون) أحد القادة العسكريين الإسرائيليين الكبار في حرب (1948م).

المرحلة الثانية (1977-1984م): توصف هذه المرحلة بأنها ذروة العملية الاستيطانية اليهودية في فلسطين واستمرت لـ(7) سنوات، ويرجع ذلك لكونها شهدت تغيرات سياسية كبيرة، من أبرزها وصول حزب الليكود للحكم في إسرائيل، وازدياد ملحوظ في نفوذ حركة (غوش إيمونيوم) -حركة دينية قومية استيطانية غير برلمانية كانت تدعو لفرض السيادة الصهيونية على الضفة الغربية- وتوقيع اتفاقية (كامب ديفيد) التي نتج عنها إخلاء المستعمرات اليهودية من شبه جزيرة سيناء؛ ونتيجة لذلك تم إقامة تكتل استيطاني يقطع الضفة الغربية بشكل طولي من الشمال إلى الجنوب، ويمتد منه قطاعات عرضية واسعة، وكان الهدف من ذلك هو تحقيق خطة (متتياهو دروبلس) التي تسعى لبناء (50) مستعمرة، يتم فيها إسكان ما يقارب من (120.000) يهودي، وتم التركيز على المناطق التي تم إهمالها في وقت سابق، خاصةً تلك التي تقع بالقرب من التجمعات السكنية للفلسطينيين، تحت مزاعم وجودها في مدن ومواقع تاريخية قديمة خاصة باليهود.

المرحلة الثالثة (1985-1990م): انخفضت وتيرة بناء المستعمرات الاستيطانية خلال هذه المرحلة، وكان السبب وراء ذلك هو حدوث تضارب كبير في المصالح بين كل من (حزب العمل) و(حزب الليكود) بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية شديدة القوة التي كانت من نصيب اقتصاد الكيان المحتل.

المرحلة الرابعة (1991-2018م): على الرغم من توقيع اتفاقية إعلان المبادئ (أوسلو)، شهدت هذه المرحلة زيادة في وتيرة بناء المستوطنات في الضفة الغربية، وزادت أعداد المستوطنين إلى أربعة أضعاف وفق تقارير مركز أبحاث الأراضي التابع لجمعية الدراسات العربية، فأعداد المستعمرات التي كانت تبلغ (144) مستعمرة قبل (أوسلو) أصبحت (515) مستعمرة بعده، ووصلت أعداد المستوطنين من (252.000) مستوطن إلى (834.000) مستوطن بحلول عام (2018م)، وبلغت مساحة الأراضي التي تم اغتصابها من الفلسطينيين بعد الاتفاق (500.000) دونما أي ما يعادل 5 مليون متر من الأراضي الفلسطينية وهي زيادة تقدر بثلاثة أضعاف ما كانت عليه قبل الاتفاقية، كما تم إنشاء جدار الفصل العنصري، وتركيز الجهود على تقطيع أوصال الضفة الغربية من خلال نشر ما يقارب من (839) حاجز عزل بين التجمعات السكنية الفلسطينية فيها.

دوافع الكيان الصهيوني من العملية الاستيطانية

يسعى الكيان الصهيوني منذ بداية عملياته الاحتلالية لإظهار نفسه في صورة صاحب الحق الذي يسعى لاستعادة ما سُلب منه، ويجد في ذلك مبرراً كافياً لعمليات السرقة، والانتهاك، والاستيلاء على مساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية عنوة من أهلها، ويندرج تحت الأحقية المزعومة مجموعة أخرى من الدوافع، من أبرزها:

الدوافع الدينية: الفكر الصهيوني في ذاته فكر قائم على ضرورة إيجاد دولة يهودية نقية، تكون ملاذاً لليهود من مختلف دول العالم، ولما وقع اختيارهم على الأراضي الفلسطينية لما لها من مميزات مختلفة، أصبح من الضروري إقامة مساكن (مستوطنات) يمكنها استيعاب أعداد اليهود المهاجرين، ولكن العقيدة الصهيونية في جوهرها لا تعتبر الديانة أو اللغة هي أساس الرابط القومي بين اليهود، ويرجع ذلك لكون الحريصين على العبادات الدينية من اليهود الصهاينة هم قلة محدودة، وأن اللغة العبرية لم يكن لها وجود في الواقع قبل نشأة الحركة الصهيونية، مما يجعل الساتر الديني الذي تستخدمه إسرائيل في الترويج عن نفسها للعالم، ستاراً واهياً غير ذي قيمة، ومزاعمها بأن لها حقوقاً تاريخية في الضفة الغربية (منطقة يهودا، والسامرة)، ومحاولاتها لإعادة إحياء هذه المواقع والأماكن الأثرية، ما هي إلا مبررات واهية لمشاريعها الاستيطانية تحت غطاء ديني تاريخي.

الدافع التاريخي: يرتبط الدافع التاريخي بالدافع الديني ارتباطاً وثيقاً، ويرجع مكمن هذا الادعاء إلى وجود اليهود في الأراضي الفلسطينية منذ ألفي عام، فوفق مزاعم الصهيونية كان لليهود مملكتان الأولى في الجنوب وكانت تعرف باسم (يهوذا)، وعاصمتها (أورشليم)، والثانية هي (السامرة) وعاصمتها (شكيم)، ومن ذلك جاء مبررهم المزعوم بأنهم مُلاك الأرض وأصحاب الحق فيها.

السعي لخلق حقائق استيطانية جديدة: بناء المستوطنات وتوسيع رقعة الاستيطان لعب دوراً هاماً في إعادة رسم حدود دولة الكيان الصهيوني، وظهر ذلك جلياً في خطط الكيان في تقسيم الأراضي الفلسطينية، والتي تم تنفيذها على أرض الواقع بعد صدور قرار التقسيم في عام (1947م)، مما ساهم في تثبيت قواعد الكيان المحتل وجعل من عودة الفلسطينيين إلى أرضهم –في الوقت الحاضر– أمراً مستحيل التحقق.

الدوافع الأمنية: برز هذا الدافع بشكل جلي في المواضع التي عمدت الحكومة الإسرائيلية إلى اختيارها من أجل إقامة المستوطنات، ومواقع النقاط العسكرية في المناطق المرتفعة، والحواجز التي تنتشر على امتداد جدار الفصل العنصري في صورة أحزمة دائرية شكلت سوراُ أمنياً محكماً يصعب اختراقه من الخارج، ولكنه في ذات الوقت يُمكّن المستوطنات المختلفة من التواصل مع بعضها البعض ومع العمق الإسرائيلي بشكل يسير؛ محققاً لإسرائيل مفهومها الخاص بالحدود الآمنة.

الدافع الاقتصادي: استغلال الموارد والخيارات التي تمتاز بها الأراضي الفلسطينية من أبرز الدوافع الاستيطانية للكيان؛ لأن ذلك يساعد بشكل كبير في إنشاء نظام اقتصادي إسرائيلي قوي البنية، كما أن الدافع الاقتصادي يتكامل مع الدافع الأمني خاصة في المناطق الحدودية؛ لأن كل عمل زراعي يتم فيها، يرجع ربحه بشكل كلي إلى الحكومة الإسرائيلية، ويضمن الجيش النظامي للكيان تحقيق ذلك.

الدافع السياسي: قيام الكيان الصهيوني بإحكام سيطرته على مساحات كبيرة من الأراضي الفلسطينية، وتوسيع رقعة الدولة الجغرافية، يساعد في إكساب الدولة الإسرائيلية مركزاً سياسياً ذا هيبة وقوة أمام دول العالم، والحل لتحقيق ذلك هو سرقة الأراضي والعمل على بناء أكبر قدر ممكن من المستوطنات، يتم استخدامها في وقت لاحق كورقة مساومة للضغط على الطرف المقابل في أي من عمليات المفاوضات.

وكافة الدوافع السابق ذكرها تصب في النهاية في خدمة الدافع السياسي وإحكام السيطرة الاستعمارية على الأراضي الفلسطينية، فكما قال عضو الكنيست (يشعياهو بن فورت):

في طليعة السابع من أكتوبر للعام 2023م، قامت (كتائب القسام) بعملية هجومية مباغتة على قوات الاحتلال الإسرائيلي أطلقت عليها اسم (طوفان الأقصى)، رداً على الانتهاكات المتكررة التي يقوم بها اليهود في المسجد الأقصى، والاعتداءات المتكررة في حق الفلسطينيين، وقد بدأت العملية بإطلاق عدد كبير من الصواريخ الجوية قارب عددها 5 آلاف صاروخ باتجاه المستوطنات الإسرائيلية المجاورة لقطاع غزة، أدت إلى حدوث خلل كبير في “القبة الحديدة” -نظام الدفاع الإسرائيلي الجوي الذي يتباهى الكيان الصهيوني بقوته وصعوبة اختراقه- ونشر الرعب في أوساط المستوطنين والجنود الإسرائيليين الموجودين في حدود قطاع غزة.

في ذات الوقت؛ وأثناء انشغال قوات الدفاع الإسرائيلية بصد الصواريخ الجوية، تمكن ما يقارب من (1200) مقاتل من (كتائب القسام) عن طريق الدراجات النارية، والشاحنات صغيرة الحجم، بالإضافة لبعض القوارب البحرية، والطائرات الشراعية المزودة بالمحركات من اختراق السياج الحدودي الفاصل بين القطاع والمستوطنات، وقاموا بالهجوم على خمسين موقعاً داخل الأراضي المحتلة منها العديد من القواعد العسكرية، مما خلف مئات الضحايا من جنود قوات الاحتلال.

شكلت العملية الهجومية صدمة كبيرة للمجتمع الإسرائيلي بشكل عام، ولحكومة الاحتلال وجيشها بشكل خاص، فـ(الكيبوتس) الإسرائيلية -خاصة تلك التي تقع على حدود القطاع- تُعرف بقوة تحصينها، وبتواجد أقوى أفراد الجيش الإسرائيلي لحمايتها والدفاع عن سكانها، ولكن وقع المفاجأة ترك الجهاز الأمني الإسرائيلي في حالة من الصدمة والعجز، مكنت مقاتلي (كتائب القسام) من مهاجمة العديد من المستوطنات الرئيسية مثل: يني وبئيري، ونيريم، ونير عوز، ونير يتسحاق، ونيتيف هاسارا، وكفار عزة، والقضاء على ما يقارب من (700) إسرائيلي، وإصابة (2200) آخرين، بالإضافة للحصول على ما يقارب من (251) رهينة إسرائيلية من بينهم عدد من جنود جيش الاحتلال تم نقلهم إلى داخل قطاع غزة.

لم يضرب تأثير (طوفان الأقصى) أسطورة الجيش الذي لا يقهر فحسب، بل تمكن من هز القواعد التي قام عليها الكيان الصهيوني من الجذور، فمنذ قيام الدولة الإسرائيلية، وبدئها في بناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية، وهي تصور ليهود العالم أن هجرتهم إليها هي خيارهم الأول في حال الرغبة في الحصول على وطن خالص، يوفر لهم المسكن، وفرص العمل، والحياة الكريمة الآمنة،  وتحقيق ذلك لا يتطلب إلا التقدم بطلب للهجرة عبر مقراتها المعتمدة، والخضوع للفحوص الطبية المطلوبة، ليصبح المتقدم بعدها في الأراضي الإسرائيلية قبل مرور (24) ساعة، وحتى السابع من أكتوبر كان نظام حماية المستوطنات -خاصة تلك الواقعة على حدود قطاع غزة- أمراً لا يمكن التشكيك فيه مما شجع العديد من يهود العالم على الهجرة إليها والاستقرار على أراضيها جيلاً بعد جيل.

أما الآن وبعد مرور عام على الطوفان، أظهر أحد استطلاعات الرأي الحديثة التي قامت به هيئة البث الإسرائيلية أن ما يقارب من (86%) من اليهود الإسرائيليين يرفضون بشكل قاطع العودة للعيش في المستوطنات المجاورة لحدود قطاع غزة، حتى وإن تم التوصل لتسوية سياسية وإنهاء الحرب القائمة.

النتيجة السابقة لم تكن أمراً صعب التوقع، بل يمكن القول بأن حكومة الكيان الإسرائيلي استطاعت التنبؤ بها منذ السابع من أكتوبر، مما يفسر الرد الوحشي الذي شنته القوات الإسرائيلية على قطاع غزة بعد ساعات فقط من تنفيذ الهجوم، في محاولة منها لإثبات قوتها، واستعادة هيبتها التي فُقدت أمام شعبها أولاً، وأمام العالم ثانياً، وعلى الرغم من مشاهد الدمار وأعداد القتلى والجرحى التي أصبحت صعبة العد والحصر، لا يستطيع أحد إنكار أن «أسطورة الكيان الذي لا يهزم» قد انتهت.

فأحداث السابع من أكتوبر، كانت بمثابة زلزال هز أركان الحركة الاستيطانية الإسرائيلية في فلسطين، ولا يمكن اعتبارها مجرد مواجهة عابرة من قبل (كتائب القسام)، بل هي صرخة مدوية في وجه الاحتلال، أكدت على قوة وصمود الشعب الفلسطيني في وجه الظلم والعدوان، وأظهرت للعالم أجمع مدى هشاشة وضعف القوة الأمنية التي يتفاخر بها الكيان ويزعم استحالة اختراقها أو التغلب عليها، وأعادت تجديد روح المقاومة، وأججت نار العزيمة بين أبناء الشعب الفلسطيني، وأكدت للعالم أجمع أن الحق والأرض إنما تسترد بالتضحيات والصمود، وأن المغتصب سيرحل والأرض لأهلها ستعود.

في النهاية: إن كان الاستيطان هو أهم ركائز المشروع الصهيوني في فلسطين، إلا أن تركيبته البشرية هشة للغاية، شراذم من بلدان وثقافات وأعراق شتى لا يجمعها إلا الفكرة الخاطئة الكاذبة حول حلم (الوطن اليهودي) الآمن الرغيد، لكن مع كل صورة من المقاومة، والشعور بالخوف من الموت، سرعان ما يفر هؤلاء، فبحلول شهر يونيو 2024 ذكرت صحيفة (تايمز أوف إسرائيل) أن نصف مليون إسرائيلي غادروا بالفعل دولة الاحتلال ولم يعودوا في الأشهر الستة الأولى من الحرب، ولا يُعلم ما إذا ما كان ذلك قرارا مؤقتا أم أنه سيتحول إلى هجرة دائمة.

رضوى التركي – موقع تبيان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى