بقلم: علاء أبو بكر
في عالم السياسة، تتعدد الأسباب التي تقود الزعماء إلى النجاح أو الفشل، ولكن تبقى قضية تحرير الرهائن واحدة من أكثر القضايا حساسية وتعقيداً، والتي يمكن أن تكون نقطة تحول في مسار الزعماء السياسيين.
هذا ما حدث لكل من جيمي كارتر وجو بايدن، اللذين عاشا تجربة مشتركة بإخفاقهما في تحرير الرهائن ، مما أدى إلى فقدانهما مقعد الرئاسة في معركة الانتخابات الأمريكية.
كارتر وإيران: أزمة الرهائن التي أسقطت الرئيس
في نوفمبر 1979، اقتحم متظاهرون إيرانيون السفارة الأمريكية في طهران واحتجزوا 52 دبلوماسياً وموظفاً أمريكياً كرهائن. وعلى مدار 444 يوماً، ظل هؤلاء الرهائن تحت رحمة النظام الإيراني الثوري، في أزمة أصبحت رمزا لفشل إدارة الرئيس جيمي كارتر في التعامل مع التحديات الخارجية، حاول كارتر بكل الطرق الممكنة، بما في ذلك المفاوضات السرية، والعقوبات الاقتصادية، والضغط الدولي، بل وحتى عملية عسكرية لإنقاذ الرهائن، والتي انتهت بفشل ذريع إثر تحطم الطائرات والمروحيات المشاركة في العملية داخل الصحراء الإيرانية.
كان إخفاق كارتر في تحرير الرهائن ضربة قاسية لسمعته وأدى إلى تآكل ثقة الناخبين في قيادته، مما ساهم بشكل كبير في هزيمته أمام رونالد ريغان في انتخابات 1980، ثم أُفرج عن الرهائن في اليوم الذي أدى فيه ريغان اليمين الدستورية، وهو مشهد أظهر كارتر بمظهر الرئيس العاجز عن حماية مواطنيه واستعادة كرامة بلاده.
بايدن وغزة: إخفاق في تحقيق انفراج
على الرغم من اختلاف الزمان والمكان، يبدو أن المشهد يتكرر بطريقة مشابهة مع جو بايدن، فبعد حرب مع غزة، واجهت إدارته أزمة محتجزي رهائن منهم أمريكيين تحت قبضة حماس، ورغم الضغوط الدبلوماسية والمناشدات المستمرة للإفراج عن الرهائن، لم يتمكن بايدن من تحقيق نتائج ملموسة، وواجه انتقادات شديدة من الداخل والخارج بشأن تعامله مع الأزمة.
تزايد الضغط على بايدن بعد تصريحات تدل على عدم الرضا من الإدارة الأمريكية عن جهود الاحتلال في التفاوض، والتي بدت وكأنها إشارة إلى عجز بايدن عن فرض شروطه على حليفته إسرائيل لتحقيق النتائج المطلوبة، كما أن الضغوط متزايدة من الرأي العام الأمريكي ساهمت في تصاعد موجة الغضب والانتقادات، ووسط التحديات السياسية الأخرى، برز إخفاق بايدن في هذه الأزمة مؤشرا على ضعف القيادة وفقدان الثقة بين الناخبين.
الرهائن عنصر حاسم في الانتخابات
إن فشل كارتر وبايدن في تحرير الرهائن يظهر أوجه الشبه بينهما، حيث أن كلاهما واجها تحديات كبرى في أوقات حرجة، وفشلا في تحقيق انفراجة كانت لتسهم في تعزيز موقفهما السياسي، فالرهائن، سواء كانوا في إيران أو غزة، كانوا رمزاً للعجز والإحباط بالنسبة للإدارتين، وهو ما استغله خصومهما لإبراز نقاط ضعفهما، واعتباره دليلاً على عدم القدرة على حماية مصالح الولايات المتحدة ولا مواطنيها.
إن فشل تحرير الرهائن يمثل نقطة تحول في مسار أي إدارة، حيث يرتبط بإحساس بالخزي الوطني والشعور بالتعرض للقهر من قبل قوى خارجية، فكلما طال أمد الأزمة دون حل، زادت الخسائر السياسية للرئيس الجالس في البيت الأبيض، وهذا ما يفسر لماذا أصبح كارتر وبايدن رمزين لخسارة الانتخابات تحت وطأة إخفاقات في السياسة الخارجية، رغم اختلاف الظروف والتحديات.
الخاتمة: دروس مستفادة
تقدم قصتا كارتر وبايدن دروساً مهمة في كيفية التعامل مع الأزمات الدولية، خاصة تلك المتعلقة بمواطني الدولة، إن حماية المواطنين واستعادة الرهائن ليست مجرد قضية إنسانية، بل هي قضية سياسية تؤثر مباشرة على ثقة الشعب في قيادته، وبينما قد يكون لكل زعيم أولوياته، تظل قضية الرهائن مؤشراً حاسماً على القدرة على القيادة، وأداة تستخدمها المعارضة لتحدي الرؤساء وإسقاطهم عند الفشل.
في النهاية، هذا المصير المشترك بين كارتر وبايدن يعكس كيف يمكن للأزمات الخارجية أن تلعب دوراً حاسماً في تحديد مستقبل الرؤساء الأمريكيين، وربما يعكس أيضاً حدود القوة الأمريكية في عالم تتزايد فيه التعقيدات والتحديات.
إن التاريخ شاهد على أن الظلم والعدوان لا يدوم، وأن القوة الغاشمة لا تصمد أمام الحق والعدل، ولعل ما حدث لجيمي كارتر الذي كان مهندس كامب ديفيد، وما يواجهه جو بايدن الآن من إخفاقات وخسائر يعكس سنة من سنن الله في خلقه، حيث لا يفلح الظالمون، ولا ينعم المتجبرون بالطمأنينة.
بايدن، الذي دعم آلة القتل الإسرائيلية وأعطى الضوء الأخضر للمزيد من القصف والدمار ضد الأبرياء في غزة، يواجه الآن مصيراً مشابهاً لأولئك الذين داسوا على حقوق الشعوب، وجعلوا من القوة والبطش وسيلة لتحقيق المصالح السياسية، فالدعم الأمريكي للمحتل، تحت قيادة بايدن، لم يقتصر على السياسة أو الدبلوماسية، بل امتد إلى تسليح آلة الحرب وتوفير الغطاء السياسي لجرائم الحرب.
الإسلام يعلمنا أن الله يمهل الظالم، وأن للظالمين موعداً لن يخلفوه، يوم تقف الأمة أمام ربها، ولا ينفع مال ولا جاه، ولا قوة ولا سلطان، قال الله تعالى في كتابه الكريم:“وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ” (الشعراء: 227).