الأمة الثقافية

“لماذا انحنيت؟!”.. شعر: د. جَابر قُمَيْحَة

في ذكرى وفاته.. 9 نوفمبر 2012م:

أَلمْ أُوصِكَ الأمْسَ قَبْلَ الممَاتِ

فَأيْنَ وَصَاتِي الَّتِي مَا وَعَيْتْ؟/

وَفِيهَا كَتبْتُ: “تَزُولُ الجِبَالُ

ولا تَنْحنِي أَبَدًا” فَانْحَنَيْتْ/

وَفِيهَا “سَتَعْصفُ هُوجُ الرِّيَاحِ

فَكُنْ قِمَّةً صُلْبَةً” فَانْحَنَيْتْ/

وَفِيهَا”سَيمتدُّ لَيلُ الأسَى

فَلا تَبْتَئِسْ بالأسى” فَانْحَنَيْتْ/

وَفِيهَا “يَكُونُ جَفَافٌ وَجُوعٌ

فَمُتْ بِالطَّوَى شَامِخًا” فَانْحَنَيْتْ/

وَفِيهَا “انتَصِرْ بِالثباتِ العَتِيِّ

وَبِالصَّبْرِ فِي عِزَةٍ ” فَانْحَنَيْتْ/

وَقُلْتُ: تَجَنَّبْ مَخَازِيْ الطَّرِيقِ

ولكنْ لخزيِ (الطَّريقِ) انتَهَيْتْ/

وعَانقْتَ فيهِ الأَفاعيْ الكِبارَ

ومِن سُمِّها – يا غبيُّ – ارتوَيْتْ/

فَأين وَصَاةُ أبِيكَ الَّذي

إلى دِفْءِ مُهجَتهِ قدْ أَوَيْتْ؟/

وكَمْ سهِرَ اللَّيلَ يَحمِي حِماكَ

وَيبكِي دِماءً إذَا ما بَكَيْتْ/

ويَحملُ عنْكَ هُمومَ الحَياةِ

ويَرْعَى الذي بعدَهُ مَا رَعَيْتْ/

عَصيتَ وَصَاتِي التي صُغْتُها

بدمِّي، وللمُخزياتِ مَشيْتْ/

وكُنْتُ أَظُنُّكَ نِعمَ الوَريثُ

فكيفَ تَبيعُ الذي مَا اشتريْتْ؟/

فبعْتَ جَوادِي الأصيلَ الكريمَ

وأُمًّا، وأُخْتًا، وأَرْضًا، وبَيْتْ/

وشعرِيَ بعْتَ، ونخْلِيَ بعْتَ

وسيْفِي، ورُمْحِي، وسَرْجَ الكُمَيْتْ/

وبعْتَ سريرِي الذي فَوقَهُ

وُلِدْتَ، وكمْ نمْتَ.. حتى اسْتَوَيْتْ/

لِلِصٍّ بَغِيٍّ، عُتُلٍّ، زَنِيمٍ/

على قدَمَيهِ – خَسئْتَ – ارتَميْتْ/

لِتَلْثِمَ نعْلَيهِ في ذِلَّةٍ

وتَلْعَقَ طِينهمَا.. مَا استَحَيتْ/

فكيفَ تَبيعُ التُّراثَ العزيزَ

بكِسْرَةِ خبزٍ ونقطةِ زَيتْ/

وتاجٍ من الشوكِ يُدمِي الجبينَ

ووَعْدٍ كذوبٍ، وكَيْتَ وكَيْتْ”؟!/

وعرشٍ حقيرٍ، لهُ لمْعةٌ

من البهرجاتِ.. إليهِ ارتقيْتْ؟/

ولمْ تدْرِ أنَّكَ حين اعتليْتَ

هَبَطْتَ بمَا أنْتَ فيهِ اعتلَيْتْ/

وفي موكبِ الذُلِّ صرْتَ الأميرَ

ذليلاً كسيحَ المسارِ مشيْتْ/

فلا تمْلكُ الأمرَ إمَّا تَشَا

ولا النهيَ تملكُ إمَّا نويْتْ/

وتصدعُ بالأمرِ إمَّا أُمِرْتَ

وينفذُ أمْرُ العِدا إن نَهيْتْ/

فلمَّا سكرْتَ بخمرِ الخِداعِ

ومالَتْ بكَ الخمرُ لما انتشيْتْ/

غدَوْتَ لغيرِكَ أُضحوكةً

فليسَ سِوى الخُسْرِ ما قدْ جَنيْتْ/

وقلْنَا: اكتفيْتَ بما قدْ جَمَعْتَ

مِن العَارِ.. لكنَّما ما اكتَفيْتْ!/

فعن قوسِ أعدائنا قد رَمَيْتَ

فوا حسرتاهُ على من رَمَيْتْ!/

بسهمكَ خرَّ عزيزٌ أَبِيُّ

بجَمرِكَ قلبًا طهورًا كَوَيْتْ/

أتحمِي حياةَ العدوِّ العَقورِ

وأيضًا تُراثِي لهم قدْ حميْتْ؟!/

أأَبكِي عليكَ؟ أأبكِي إليكَ؟

أأبكِي علينَا لِمَا قدْ جَنَيْتْ؟/

ففي غدِكَ المُستباحِ الجريحِ

ستَصرخُ: “ياليتَني ما انحنَيْتْ”/

ويرتدُّ سَهمُكَ في مُقلَتيكَ

ولَن يُنقِذَ البَيتَ آلافُ “لَيْتْ”/

فليسَ لما قدْ كسَرْتَ انجِبارٌ

بما قَد جرَرْتَ، وما قدْ غَوَيْتْ/

وتُدْركُ بعدَ فَواتِ الأَوانِ

بأنَّكَ لمَّا انْحَنَيْتَ.. انْتَهَيْتْ/

ومَا دُمْتَ قدْ بِعْتَ حتَّى الحُطامَ

ولَم تُبْقِ أُمًّا، وأرضًا وبَيْتْ/

فإنِّيَ أخشَى غدًا أنْ تَبِيعَ

عِظَامِيْ، وقبرًا بِهِ قدْ ثَوَيْتْ./

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights