مع تصاعد العدوان الإسرائيلي على إيران واستهداف منشآتها النووية واغتيال قادتها العسكريين وخبرائها النوويين عاد إلى الواجهة سيناريو إغلاق مضيق هرمز الذي لطالما لوّحت به طهران كأداة للرد وقد سبق أن هدّدت بإغلاقه في أوقات التوتر
ويمثل هذا السيناريو تهديداً استراتيجياً لحركة التجارة العالمية خاصة إذا ما اقترن بإغلاق مضيق باب المندب كما فعلت جماعة أنصار الله اليمنية أواخر عام 2023 مما أدى إلى شلل جزئي في حركة الشحن عبر البحر الأحمر وارتفاع التكاليف العالمية
مضيق هرمز الواقع بين إيران وسلطنة عُمان يبلغ عرضه عند أضيق نقطة 33 كيلومتراً وتبلغ ممرات الشحن فيه 3 كيلومترات فقط في كل اتجاه ويعد شرياناً حيوياً لصادرات النفط والغاز الخليجي حيث مرّ عبره خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2023 نحو 30% من تجارة النفط العالمية و70% من هذه الكميات اتجهت إلى آسيا
وتبرز أهمية المضيق بشكل خاص للصين التي استوردت في عام 2023 نحو 44% من نفطها المُعلن من الدول العربية المطلة على الخليج دون احتساب كميات إضافية من إيران لا تدخل ضمن الإحصاءات الرسمية بفعل العقوبات
وفي المقابل يمثل مضيق باب المندب الواقع بين اليمن والقرن الأفريقي نقطة وصل بين المحيط الهندي والبحر الأحمر ويمر عبره يومياً نحو 50 سفينة تجارية تحمل ما بين 6% و7% من تجارة النفط العالمية وقد أدت الهجمات الحوثية إلى تراجع مرور السفن من خليج عدن بنسبة 76% بحلول منتصف 2024 وانخفضت حمولة قناة السويس المارة بنسبة 70% في الفترة نفسها
أما إغلاق مضيق هرمز فتمتلك إيران من الناحية العسكرية ما يمكّنها من تنفيذه حيث تطل على المضيق مباشرة وتمتلك ترسانة من الصواريخ والزوارق والفرقاطات والطائرات المسيّرة القادرة على تهديد الملاحة وقد يكفي تصعيد محدود لإحداث شلل جزئي إذا ما خافت شركات الشحن من التهديد وارتفعت تكاليف التأمين
لكن رغم امتلاكها القدرة فإن إيران تتجنب اتخاذ هذا القرار لأسباب اقتصادية واستراتيجية أهمها أن المضيق يمثل شرياناً حيوياً لصادراتها النفطية التي تؤمّن نحو 65% من إيرادات الحكومة الإيرانية و8% من الناتج المحلي كما أن معظم هذه الصادرات تتجه إلى الصين الحليف الأبرز لطهران حالياً ما يجعل اتخاذ خطوة كهذه محفوفاً بمخاطر خسارة الحلفاء
غير أن إيران تسعى في المقابل إلى تقليص اعتمادها على المضيق ففي أكتوبر 2024 بدأت فعلياً بتصدير النفط من ميناء جاسك على بحر عُمان خارج الخليج العربي كما تعتمد على تكتيكات أخرى لتعطيل حركة الملاحة من دون الإضرار بمصالحها مثل احتجاز السفن التجارية التابعة لدول معادية كإسرائيل وأميركا
وللحد من تداعيات هذا السيناريو تملك دول الخليج بعض البدائل مثل خط أنابيب الشرق الغرب السعودي الذي يمر إلى البحر الأحمر لكنه عرضة لهجمات أنصار الله وخط أنابيب أبوظبي إلى الفجيرة في الإمارات الذي ينقل 1.5 مليون برميل يومياً ويتيح تصدير 75% من إنتاج الدولة عبر خليج عُمان خارج نطاق التهديد الإيراني المباشر
في المحصلة فإن سيناريو إغلاق مضيق هرمز وإن بدا بعيد التنفيذ حالياً إلا أنه يظل أحد أبرز أوراق الضغط في يد إيران وقد تتحول ورقة التهديد هذه إلى واقع كارثي إذا ما توسعت رقعة التصعيد بين طهران وتل أبيب وتجاوزت الخطوط الحمراء المتفق عليها دولياً