محمد العنبري يكتب: اليمن إلى أين؟

في لحظات الأزمات الكبرى عندما تقترب الأوطان من الهاوية يصبح من الضروري أن ينهض الجميع بوعي وإخلاص لإنقاذها قبل فوات الأوان واليمن اليوم يقف على مفترق طرق خطير حيث توزعت الدولة بين أقطاب متنافرة في السلطة وأصبح القرار الوطني رهينة بيد مراكز قوى متصارعة في حين تحكم العصابات والمليشيات بعض المناطق وكأنها كيانات مستقلة وفي ظل هذا الوضع المتأزم يبدو المستقبل أكثر قتامة حيث تتعمق الفجوة بين مكونات المجتمع وتتحول الخلافات السياسية إلى صراعات دموية تستنزف ما تبقى من مقومات الدولة وتجعل فكرة الوطن الواحد حلماً بعيد المنال ولا شك أن استمرار هذه الفوضى سيؤدي إلى مزيد من التشرذم والانهيار خاصة مع غياب الرؤية الموحدة لمشروع وطني جامع يستطيع أن يلم شمل اليمنيين تحت راية واحدة فالجميع اليوم يتحدثون عن الوطنية لكن كل طرف يفسرها وفق مصالحه الخاصة وكل فريق يدعي أنه المخلص الوحيد بينما الواقع يقول إن الوطن يضيع بين أيديهم جميعاً بسبب أنانيتهم وصراعهم المستمر على السلطة والنفوذ.
وفي ظل هذا الواقع المأساوي يعاني المواطن البسيط من ويلات الحرب والفساد وتدهور الاقتصاد حيث أصبحت الحياة اليومية كابوساً لا ينتهي فالبنية التحتية منهارة والخدمات الأساسية شبه معدومة والأسعار ترتفع بشكل جنوني دون أي تدخل حقيقي لإنقاذ الناس من شبح المجاعة والفقر المدقع بينما تنشغل الأطراف المتصارعة بفرض نفوذها وتأمين مصالحها الخاصة على حساب معاناة الشعب الذي يدفع وحده ثمن هذه الفوضى المستمرة ومن المؤسف أن الكثير من القوى الداخلية والإقليمية ترى في استمرار هذه الأزمة وسيلة لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية ولذلك يتم تغذية الصراع بأشكال مختلفة لضمان استمرار حالة الفوضى وعدم الاستقرار مما يعزز من واقع التشظي والانقسام ويجعل الحلول السلمية أكثر تعقيداً وصعوبة.
إن اليمنيين اليوم مطالبون بأن يدركوا خطورة المرحلة التي يمر بها وطنهم وأن يخرجوا من دائرة الصراعات الصغيرة التي تستهلك طاقاتهم وتشتت جهودهم فالمشكلة لم تعد مجرد خلاف سياسي بين أطراف متنافسة بل أصبحت أزمة وجود تهدد مستقبل الأجيال القادمة وتجعل اليمن على حافة الضياع الكامل وإذا لم يتم التحرك سريعاً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه فإن النتيجة ستكون كارثية على الجميع بلا استثناء فالتاريخ يعلمنا أن الأوطان لا تُبنى بالولاءات الضيقة ولا تُحمى بالمليشيات العابثة بل تحتاج إلى مشروع وطني شامل يعيد للدولة هيبتها ويضع مصلحة الشعب فوق كل الاعتبارات الشخصية والحزبية.
لقد آن الأوان لأن يدرك الجميع أن استمرار هذا الوضع الكارثي لن يكون في صالح أحد فالحرب المستمرة لم تحقق لأي طرف انتصاراً حقيقياً وكل المكاسب التي يتحدثون عنها هي أوهام زائلة لأن الوطن عندما يضيع لن يكون هناك رابح وخاسر بل سيخسر الجميع بلا استثناء ولذلك فإن المسؤولية التاريخية تفرض على كل يمني غيور على وطنه أن ينهض من غفلته وأن يرفض أن يكون جزءاً من هذا العبث المستمر فالتغيير الحقيقي لا يأتي إلا من الداخل ولن تنفع التدخلات الخارجية في بناء دولة مستقرة ما لم يكن هناك وعي داخلي وإرادة حقيقية للخروج من مستنقع الصراعات العبثية وإعادة بناء الدولة على أسس صحيحة تحقق العدالة وتضمن المساواة بين الجميع.
ولن يتحقق ذلك إلا إذا كانت هناك قيادة وطنية تمتلك رؤية واضحة وشجاعة كافية لاتخاذ قرارات صعبة من أجل إنقاذ البلاد من الانهيار الكامل فإعادة بناء مؤسسات الدولة يتطلب جهوداً جبارة تبدأ بإنهاء الفوضى الأمنية ووضع حد لانتشار المليشيات والعصابات المسلحة واستعادة القرار الوطني من أيادي القوى المتصارعة التي جعلت من اليمن ساحة مفتوحة للتدخلات الخارجية كما يتطلب إصلاح المنظومة الاقتصادية التي أنهكتها الفساد وسوء الإدارة بحيث يتم توحيد الموارد الوطنية وتوجيهها نحو مشاريع التنمية الحقيقية التي تعيد للمواطن ثقته بالدولة وتوفر له حياة كريمة بعيداً عن الحاجة والعوز.
إن إنقاذ اليمن من هذا المستنقع لا يمكن أن يكون مسؤولية طرف واحد بل هو واجب وطني يقع على عاتق الجميع ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال مصالحة وطنية شاملة تضع المصلحة العليا للوطن فوق كل الحسابات الضيقة بحيث يتم تجاوز كل الخلافات التي تعرقل عملية استعادة الدولة وإعادة بناء مؤسساتها بشكل يضمن استقرار البلاد ويجنبها المزيد من الحروب والدمار فاليمن اليوم بحاجة إلى رجال دولة حقيقيين يتحلون بالمسؤولية ويضعون مصلحة الوطن فوق كل اعتبار وليس إلى تجار حروب يراكمون ثرواتهم على حساب دماء الأبرياء ومعاناة الناس الذين لم يعد لديهم القدرة على تحمل المزيد من الألم والجوع والخوف.
إن بقاء اليمن في حالة صراع دائم يعني استمرار الكارثة بكل أشكالها وهذا ما يجب أن يدركه الجميع قبل فوات الأوان فلا يمكن لأي طرف أن يفرض سيطرته المطلقة ولا يمكن لأي قوة أن تلغي وجود الآخرين لأن اليمن أكبر من الجميع ولن يكون هناك استقرار حقيقي إلا إذا تم الاعتراف بحقوق كل مكوناته في العيش بكرامة وعدالة تحت مظلة دولة تحترم القانون وتحمي حقوق مواطنيها دون تمييز أو إقصاء فالتجارب السابقة أثبتت أن الحلول العسكرية لم تحقق أي نتيجة سوى المزيد من الدمار والخراب وأن الطريق الوحيد للخروج من هذا النفق المظلم هو العودة إلى الحوار الوطني الجاد الذي يفضي إلى حلول حقيقية تضمن إنهاء معاناة الشعب وتعيد للدولة هيبتها ودورها الطبيعي.
لقد حان الوقت لأن يدرك الجميع أن اليمن لا يمكن أن يكون رهينة لمصالح ضيقة ولا يمكن أن يستمر كحقل تجارب لصراعات إقليمية ودولية لا تخدم إلا تجار الحروب ومن يتغذون على معاناة الشعوب فالوطن بحاجة إلى من ينقذه لا إلى من يزيد من مأساته ويعمق جراحه والمواطن الذي يعاني من الجوع والخوف والمرض لا تعنيه شعارات زائفة ولا خطابات جوفاء بل يريد أفعالاً حقيقية تعيد إليه الأمل في غد أفضل وتوفر له حياة كريمة بعيداً عن عبث المليشيات والصراعات السياسية التي لم تجلب له سوى الويلات والمآسي ولذلك فإن كل من يمتلك ذرة من الوطنية يجب أن يسعى جاهداً لوضع حد لهذه الفوضى وإعادة ترتيب الأولويات بحيث تكون مصلحة اليمن فوق كل المصالح الحزبية والشخصية الضيقة فالأوطان لا تبنى بالأوهام ولا تستعاد بالخطب الرنانة بل تحتاج إلى رجال مخلصين يدركون معنى التضحية والعمل من أجل الصالح العام دون أن تكون لهم حسابات خاصة أو أجندات خفية تجعلهم جزءاً من المشكلة بدلاً من أن يكونوا جزءاً من الحل.