جريدة الأمة الإلكترونية
Advertisement
  • الرئيسية
  • أخبار
  • اقتصاد
  • تقارير
    • انفرادات وترجمات
  • الأمة الثقافية
    • سير وشخصيات
  • أمة واحدة
  • آراء
    • مقالات
    • بحوث ودراسات
    • أقلام حرة
    • قالوا وقلنا
  • الأمة الرياضي
  • مرئيات
  • منوعات
No Result
View All Result
  • الرئيسية
  • أخبار
  • اقتصاد
  • تقارير
    • انفرادات وترجمات
  • الأمة الثقافية
    • سير وشخصيات
  • أمة واحدة
  • آراء
    • مقالات
    • بحوث ودراسات
    • أقلام حرة
    • قالوا وقلنا
  • الأمة الرياضي
  • مرئيات
  • منوعات
No Result
View All Result
جريدة الأمة الإلكترونية
No Result
View All Result
Home آراء بحوث ودراسات

محمد نعمان الدين الندوي يكتب: الشيخ محمد عليّ المونجيري «مؤسس ندوة العلماء بالهند»

شخصيات أعجبتني: (٣٤)

محمد نعمان الدين الندوي by محمد نعمان الدين الندوي
18 يونيو، 2025
in بحوث ودراسات
0
محمد نعمان الدين الندوي.. مدير معهد الدراسات العلمية ندوة العلماء، لكناؤ، الهند

محمد نعمان الدين الندوي.. مدير معهد الدراسات العلمية ندوة العلماء، لكناؤ، الهند

شخصية جامعة:

كان شامة بين علماء عصره لخصائص حباه الله بها، جمع القلوبَ المتنافرة على الحب والأخوة، وحفظ الجهود القيمة من الضياع، وصان الملكات الغالية من تبديدها فيما لا ينفع أصحابها ولا قومهم، وأعاد إلى المناهج الدراسية حيويتها ونضارتها، وجعلها أكثر ملاءمة لمتطلبات الزمان، وانسجامًا مع ظروفه وتغيراته.

 من الراسخين في العلم، المتعمقين في مختلف فنونه، ذا القلب التقي، والعقل الذكي، والسلوك النقي.

محظيًّا بنصيب غير منقوص من إشراق القلب وطهارة النفس وتقوى الله، وحرارة التوحيد، وقوة الإيمان، وصفاء الروح، وربانية الصفات والشمائل ما استحق به أن يعد من صف كبار أولياء الله وعباده الصالحين، الذين يكون وجودهم بركة وسعادة للعصر وأهله، هكذا نحسبه، والله حسيبه، ولا نزكي على الله أحدًا.

 مطلعًا على تطورات العصر ومقتضياته، خبيرًا بمشكلاته وأزماته، متفطنًا لإفرازاته وطوارئه، مهتمًّا بشؤونه وشجونه وهمومه، متألمًا لما يرى من الجدال العقيم والمشاجرات الفقهية بين علماء مختلف المذاهب ومتبعيها، ساعيًا في حل قضايا المسلمين ومسائلهم ما استطاع إلى ذلك دليلًا..

 موهوبًا – من الله – من نور البصيرة، وفراسة الإيمان، وعمق النظر ما توسم به مخاوف المستقبل، وانتبه إلى أخطاره، ووفق -بفضل من الله- إلى رسم خطة حكيمة جامعة لتعليم أبناء العصر وتربيتهم على أسس مستقاة من الكتاب والسنة، مستفادة من التجارب والخبرات، وناتجة من الدراسة الواسعة لنفسية العصر ومتطلباته.

الظروف التي قامت فيها ندوة العلماء:

رأى الشيخ المونجيري في زمنه تيارين يتصارعان.. أو اتجاهين يتنازعان.. لكل منهما دلائله وحججه، يتمسك بها، ويستند إليها في إثبات فضله على خصمه، والرد على دعواه، وتفنيد براهينه.

كانت تُمثّل التيارَ أو الاتجاه الأولَ الطبقةُ المحافظة من أهل المدارس والمعاهد الدينية، الذين كانوا متمسكين بمنهجهم التقليدي -في التعليم والتربية- عاضين عليه بالنواجذ، معتكفين في زواياهم ومحاريبهم، منعزلين داخل جدران مدارسهم، مؤمنين بنفعية المقررات الدراسية المتوارثة كإيمانهم بالنصوص الثابتة من الكتاب والسنة، محبين لكل قديم، كارهين لكل جديد، يرون أي تعديل أو تغيير في المقررات -وربما التفكير في ذلك- لونًا من ألوان الانحراف أو التجرؤ أو التعدي..

 هذه الطبقة المحافظة لا يشك في إخلاصها، واعتصامها بمنهج السلف، وتمسكها بالكتاب والسنة، وتفانيها في خدمة العلوم الشرعية.

أما التيار أو الاتجاه الثاني، فكانت تمثله الطبقةُ المثقفة بالثقافة العصرية، المنبهرة بالغرب، الطبقة المتجددة – بالأصح: المتحررة -، المصابة بالتبعية – بل بالأصح: العبودية – للغرب، المقلدة له التقليد الأعمى، تلك الطبقة التي كانت تربت وتعلمت في مدارس أوربا وجامعاتها، أو في الكليات والمدارس الحكومية والعصرية من الهند.

هذه الطبقة كانت تقول: حافظوا على عقيدتكم.. وكفى.. واصطبغوا بصبغة الغرب الفاتح الطموح كاملًا، وخذوا منه – على علاته وعاهاته – جميع مزاياه وخصائصه، واتبعوه في جميع مرافق الحياة وأشكالها ومناهجها وأساليبها وأنماطها، ولا تتجاوزوا تعليمات الغرب ومبادءه قيد أنملة.. واجعلوه قبلة تولون وجوهكم شطره في جميع أموركم الفردية والجماعية، وشؤونكم السياسية والتعليمية، وقضاياكم الوطنية والدولية.

ولعل أهل الطبقة الثانية كانوا جعلوا قول طه حسين الشهير نصب أعينهم: «… لكن السبيل إلى ذلك ليس في الكلام يرسل إرسالًا، ولا في المظاهر الكاذبة والأوضاع الملفقة، وإنما هي واضحة بينة مستقيمة، ليس فيها عوج ولا التواء، وهي واحدة فذة ليس لها تعدد، وهي أن نسير سيرة الأوربيين، ونسلك طريقهم، لنكون لهم أندادًا، ولنكون لهم شركاء في الحضارة: خيرها وشرها، حلوها ومرها، وما يحب منها وما يكره، وما يحمد منها وما يعاب». (١)

والحقيقة أن مثل اللا هثين وراء الغرب كالمنبت الحائر الفاشل المخفق.. فلا دين ولا دنيا.. ولا اختراع ولا ابتكار.. ولا مواجهة الغرب كالند للند على مستوى التكافؤ والتماثل.. وإنما هو خضوع واستسلام، وتقليد ومحاكاة.. ورضا بفتات المائدة ومرذول الطعام..

على كل.. عندما رأى المونجيري هذا الوضعَ العجيب -المشار إليه في سابق السطور-.. وهذا التقسيم -غيرَ المبَرّر- بين القديم والجديد.. وهذه الفجوة الهائلة بين رجال التعليم الديني والتعليم العصري.. وهذا الانشقاق المؤسف والانفصام النكد بين ممثلي الاتجاهين، الذين كانوا على طرفي النقيض..

عندما رأى هذا الوضعَ.. هاله الأمرُ.. لأن الوضع كان وضعًا شاذًّا غير طبيعي.. لا ينسجم مع روح الإسلام ومنهجه وأصالته، فالروح الإسلامية: الاعتدال والتوازن: {وكذلك جعلناكم أمة وسطًا} و [ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة].

ندوة العلماء والترحيب بفكرتها:

فمن هنا.. دعا الشيخ المونجيري إلى فكرة: «ندوة العلماء».. الفكرة الجامعة بين القديم الصالح والجديد النافع.. ذات صلابة الفولاذ في التمسك بالمبادئ والغايات والأصول، ونعومة الحرير في الانتفاع بالوسائل والآلات.. فلا مساومة ولا مداهنة في المبادئ، لأنها الخط الأحمر لا يسمح بتجاوزه، أما ما عدا ذلك من الأفكار التي لا تتصادم مع روح الإسلام، أو المخترعات والمكتشفات الجديدة.. فلا بأس في الأخذ منها.. فلا احتكار ولا استئثار في هذه الأشياء البريئة التي ليست بخاصة بمخترعيها.. بل إنما هي حق مشاع بين أفراد الإنسانية كلها، لكونها – المخترعات والمكتشفات الجديدة – ثمرة من ثمرات العقل الذي وهبه اللهُ الإنسانَ، فاخترع به ما اخترع، وسخر به -بفضل من الله- ما سخر.. فلا حرج في الاستفادة من منتجات العقل ومكتسباته في إطار معقول..

ومن ثم.. حينما عرض الشيخ المونجيري فكرة: «ندوة العلماء» هذه على أعلام علماء العصر، ورجالات الفكر والفضل والنبوغ، رحبوا بها أحر ترحيب، ولم يعارض أحد منها الفكرة، لأنها فكرة معتدلة متزنة تجمع بين الخيرين، وشاملة للحسنتين، ومحتضنة للفضيلتين. وسليمة من النقصين: الإفراط والتفريط، متلائمة مع: ” الوسطية ” أَجَلّ – أو من أَجَلّ – خصائص الإسلام.

عرض المونجيري فكرة: «ندوة العلماء»: في اجتماع مدرسة: «فيض عام» بكانبور، وقد حضر الاجتماع (١٣١٠ھ – ١٨٩٢ م) ممثلو أبرز المدارس والجمعيات والمسالك والمذاهب من جميع أنحاء الهند، نخص بالذكر منهم:

١- شيخ الهند مولانا محمود حسن (المدرس الأول بدار العلوم / ديوبند)

٢- الشيخ أشرف علي التهانوي (كبير علماء ديوبند)

٣- الشيخ خليل أحمد السهارنبوري (المدرس الثاني بدار العلوم/ ديوبند)

٤- الشيخ محمد علي المونجيري (صاحب فكرة ندوة العلماء)

٥- الشيخ لطف الله علي جري (كان يلقب بـ: ” أستاذ الأساتذة)

٦- الشيخ ثناء الله الأمرتسري (من كبار علماء أهل الحديث)

٧- الشيخ شاه سليمان البهلواروي

٨- الشيخ ظهور الإسلام الفتحبوري

وغيرهم.

اهداف ندوة العلماء:

وقد بين الشيخ المونجيري – نفسه – أهداف ندوة العلماء، ولخصها في نقطتين بارزتين:

١- كما يُعلم ويُرى أن المتخرجين من المدارس الدينية العربية يجهلون أمور الدنيا ومعيشتها، ولا يستطيعون أن يتولوا أمرًا آخر لانقضاء جزء كبير من عمرهم، فهم يحتاجون في مزاولة أعمالهم إلى أهل الدنيا، ولا يحظون بالاحترام والتقدير لدى العامة، ولا تكون لهم معرفة مطلوبة بالعلوم الدينية، بل يجهلون منها ما يتلاءم مع متطلبات العصر، ويساعد في أمور الدين..

فنظرًا إلى ذلك.. على الجمعية -ندوة العلماء- أن تدرس الأمور المشار إليها – آنفًا – وتعالجها في حكمة ودقة، فتقوم – أولًا – بإصلاح منهاج الدرس ونظامه، وتحاول تعميمه -الإصلاح- في جميع المدارس الإسلامية، ولا تدخر جهدًا في العناية بكل ما يحَسّن أخلاق الطلاب ويزيد في علمهم ويصقل مواهبهم.

٢- إن مشاجرات علمائنا ومنازعاتهم تضر كثيرًا، وتؤدي إلى فساد كبير في قضايا تافهة ومسائل صغيرة، الأمر الذي يسبب إلى إذلال العلماء، بل الإسلام – نفسه – لدى الأجانب.

فلتحاول هذه الجمعية -ندوة العلماء- أن لا ينشأ هذا النزاع والتشاجر، وإذا حدث نزاع في طائفة، فليحل بهذه الجمعية. (٢)

لقيت ندوة العلماء من الترحيب والتقدير ما تخطى الرجاء وفاق الحسبان، فكان الترحيب بها عامًّا شاملًا، وإذا قلنا إن الهند قامت على بكرة أبيها مؤيدة لفكرة ندوة العلماء وأهدافها الجليلة، لما أخطأنا في قولنا.

ولا عجب في ذلك.. فكانت ندوة العلماء استجابة لنداء الساعة، ومحاولة جادة مباركة – محظية من الله بالتوفيق – للإصلاح في مجالين بارزين رئيسيين يتمثلان في التعليم والتربية، والاجتماع والأخلاق، فقد اضطلعت ندوة العلماء بمهمة الإصلاح والتعديل للمناهج والنظم الدراسية، التي كانت فقدت الكثير من مصداقيتها ونفعيتها لتقادمها، وكانت بحاجة إلى نظرة تجديدية شاملة مع الحفاظ على أمهات الكتب من العلوم الشرعية، فحذفت أو قللت من المواد، التي إذا سميناها: «المواد اللامعقولة» أو: «المواد العقيم»، لم نتجاوز الصواب، فلم تكن فائدة من دراستها إلا إضاعة وقت المدرس والطالب، وتبديد جهودهما فيما لا يعني ولا ينفع لا في الدين ولا في الدنيا.

ندوة العلماء تسد الفراغ الموجود في المناهج الدراسية:

هذا. وقام أبناء ندوة العلماء الفضلاء بإعداد وتأليف كتب تسد الفراغ الموجود في المناهج الدراسية، وتتلاءم مع طموحات وأهداف ندوة العلماء، فوفقوا في إعداد وتأليف سلسلة من الكتب -ضمن منهاج دراسي شامل- مما يتعلق بالأدب والتاريخ والحديث والسيرة وعلم الكلام، وغير ذلك.

والمجال الثاني الذي ركزت فيه ندوة العلماء جهودها، وجعلته من طليعة أهدافها، هو الاهتمام بسد الفجوة بين أهل المذاهب، وتضييق الشقة بينهم إلى آخر حد ممكن، ونستطيع أن نقول إن ندوة العلماء كانت المجلية في هذا المجال، وصاحبة اللواء الأرفع فيه، وأحرزت قصب السبق فيه، بل كانت هي الواحدة الوحيدة التي رفعت نداء التوحيد لأبناء التوحيد على كلمة التوحيد، فعار عليهم أن يترافع بعضهم ضد بعضهم -في مسائل فقهية جزئية-، إلى محاكم الكفار والنصارى، أو أن يحدث بينهم من المشاجرات والمنازعات ما يؤدي إلى عداوات مستمرة، أو إلى الشتم والسباب، و -في بعض الأحيان- إلى التلاطم والتلاكم.

 ولندوة العلماء أن تقول -تحديثًا بالنعمة هذه- إنها نجحت -في تحقيق هذا الهدف- مئة في المئة، فيُدَرِس في دار علومها الأساتذة الأحناف والشوافع ومن أهل الحديث أيضًا، كما يدرس في فصولها الدراسية الطلاب من مختلف المذاهب المشار إليها في جو من الوئام والصفاء والمودة، متحابين متآلفين، تجمعهم كلمة التوحيد، ويؤلف بينهم هدف واحد: طلب العلم الشرعي، والرسوخ فيه، ثم نشره وتبليغه بعد تخرجهم من الدار.

استطرد الكلام..، كنت أتحدث عن الترحيب العظيم الذي نالته ندوة العلماء لا داخل الهند فحسب.. بل خارجها أيضًا، أما داخل الهند.. فقد اتفق العلماء والزعماء والقادة من جميع المذاهب والحركات والمنظمات على تأييد فكرة ندوة العلماء وأهدافها.

صيت ندوة العلماء وصل إلى الحجاز والشام:

كما كان بلغ صيت ندوة العلماء – خلال سنتين من تأسيسها فقط – إلى مصر والشام والحجاز، ونشرت مقالات في المجلات الصادرة عن العواصم العربية ترحب بقيام ندوة العلماء، والشيء الذي استلفت أنظار علماء البلدان العربية، وجذب عنايتهم: دعوة ندوة العلماء إلى الإصلاح والتغيير في منهاج الدرس وإدخال علوم ومواد جديدة فيه، الأمر الذي كان لا مناص منه نظرًا لتغييرات العصر ومتطلباته، فلكل عصر ظروفه ومقتضياته، التي لا يُصرف النظر عنها، ولا تغمض العين عنها، وقد تناقلت الكتب بهذا الصدد حكمة تنسب إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ” علموا أولادكم لزمنهم لا لزمنكم، فإنهم خلقوا في زمن غير زمانكم “.

مشروع: «دار العلوم» التابعة لندوة العلماء

بعد ما صارت فكرة: «ندوة العلماء» حقيقة على أرض الواقع، وأزهرت وأخصبت، وأثمرت ثمارًا شهية، وحققت نجاحًا ملموسًا، ونالت من التقدير والترحيب ما لم يكن بحسبان بناتها والمشرفين عليها..

أقول بعد ذلك.. عنّت للشيخ الباني -المونجيري- لندوة العلماء فكرة أخرى، وهي فكرة: «دار العلوم» التابعة لندوة العلماء، وعرض الشيخ المونجيري مشروعها -لأول مرة- في الاجتماع الإداري(١٢ محرم ١٣١٣ھ)، وحظي المشروع بالموافقة والتأييد من قبل المشاركين، ثم أعد الشيخ المونجيري تصميمًا شاملًا وخطة متكاملة لمشروع: «دار العلوم التابعة لندوة العلماء»، وأرسلها إلى صفوة مختارة من كبار العلماء والمعنيين بالتعليم والتربية، يستطلع مرئياتهم حول المشروع، وقد ركز الشيخ المونجيري في الخطة -وهو يبين أهداف دار العلوم- على نقطتين بارزتين:

١- التضلع من العلوم الدينية والفقه وعلم الكلام: فالشيء الأجدر بالعناية والاهتمام أن تكون في الأمة طائفة من العلماء، صاحبة اليد الطولى والبراعة والنبوغ في العلوم الدينية وخاصة في علم الكلام، لكي يثبتوا فضل الإسلام وصدقه وعظمته على الديانات الأخرى، ويكون لهم -للعلماء- باع طويل في الفقه، لكي تكون لهم معرفة بأحكام العبادات والمعاملات من مصادرها الأصيلة.

٢- كما أن هناك حاجة ماسة إلى أن تكون طائفة – كذلك – مطلعة على أحوال الدنيا وأحداثها، واقفة على مبادئ الحكم ونظمه وقوانينه للدولة التي يعيشون فيها، ما هي صلتهم بها.. ما هو الوضع الدنيوي للمسلمين فيها.. وما هي حاجاتهم.. وما هي الأمور الإدارية للدولة.. وما هي آثار التطورات والتغييرات على المسلمين؟

ويستطرد الشيخ المونجيري قائلًا: إن من أسباب قلة أثر العلماء ما يشيع بين الناس أن العلماء معتكفون في حجراتهم، لا يعلمون من أحوال الدنيا شيئًا، فلا يُلتفت إلى ما يقولونه مما يتعلق بأمور الدنيا، ولا يُنظَر إلى توجيهاتهم فيها بعين الاعتبار والثقة، فالعلماء الذين نفضوا أيديهم من الدنيا تمامًا، وتركوها كليًّا، ولا يكادون يولون -لكثرة عبادتهم واشتغالهم بالذكر والفكر- اهتمامًا بحاجيات أهلهم وعيالهم.. فيمكن تشبيههم بأصحاب الصفة، ولكن -كما هو معلوم- أن جميع الصحابة لم يكونوا من أصحاب الصفة، وما كان ذلك ممكنًا..

وينبغي أن تظل -دائمًا- في الأمة طائفة تشبه اصحاب الصفة في صفاتهم وشمائلهم، ولكن إلى ذلك… يجب أن تكون -كذلك- أعداد كثيرة من العلماء تحذو حذو عمر بن الخطاب وعمرو بن العاص وخالد بن الوليد وأبو عبيدة ابن الجراح وتُماثِلهم في حسن الإدارة وضبط السياسة وتدبير الأمور، وفي الحزم والعزم، ومراعاة الظروف ومعالجة الظروف والتطورات بحكمة ودقة وبعد النظر. (٣)

كما تضم الخطة بيان تفصيلات أخرى مما يتعلق بالتعليم والسكن للطلاب والأساتذة، والزي الخاص بالطلاب، والاهتمام بتدريبهم على الفروسية والرمي والسباحة وما إلى ذلك من أنواع الرياضة.

وتعنى -كذلك- دار العلوم بتعليم الطلاب بعض الصناعات والحرف، والطالب يختار منها ما يتفق مع ذوقه ومزاجه.

وتعقد حفلات مرتين أو ثلاث مرات في كل شهر، تناقش فيها موضوعات علمية وتربوية.

ولا يُفَرّق في الطعام أو السكن بين الطلاب الموسرين والفقراء.

كما توصي الخطة – بصفة خاصة – بضرورة الاهتمام بناحية تهذيب الأخلاق وتزكية النفوس..

ومما تركز عليه الخطة تدريب الطلاب على العربية نطقًا وكتابة وخطابة، وإلزامهم بذلك مرة – على الأقل – في كل شهر.

كما تدعو الخطة إلى العناية بالجغرافيا للبلدان الإسلامية، مبينةً أهميةَ ذلك لفهم الأماكن التي ورد ذكرها في القرآن الكريم والحديث الشريف.

ومما يلفت الأنظار أن الشيخ المونجيري فضل الذوق العربي في اللباس والطعام والسكن، مما ينم عن حبه للعرب وتفضيله عاداتهم وشمائلهم، صادرًا في ذلك عن القاعدة الأساسية التي ذكرها الثعالبي: «من أحب الله تعالى، أحب رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن أحب الرسول العربي، أحب العرب الخ».

وحب العرب نابع من أن الله تعالى اختارهم لصحبة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وليكونوا طلائع الإسلام والمخاطبين الأولين للقرآن الكريم.

وبعد أن ذكر الشيخ المونجيري ما أشرنا إليه في السطور السابقة، قال:

«الهدف من هذه الاقتراحات أن يكون طلابنا متميزين متحضرين ملتزمين بالدين، التزامًا يؤثر على الآخرين، يجب أن يتسموا بالصفات العالية من الشجاعة وعلو الهمة والطموح وبعد النظر، تلك الصفات التي لا يمكن تحلية الطلاب بها بدون دار العلوم كهذه..

وكذلك لا بد من البراعة التامة في العلوم الدينية، وعلم الكلام بصفة خاصة، لكي تمكن مواجهة الإلحاد واللادينية بكل قوة وثقة». (٤)

هذه الخطة الشاملة لدار العلوم التابعة لندوة العلماء كانت أرسلت – كما أشرنا فيما مضى – إلى عدد كبير من أهل العلم والأدب، ورجال الفكر والتعليم والتربية، لإطلاعهم على محتويات الخطة، واستطلاع آرائهم حول المقترحات والتوصيات التي تحتويها، وفي ظروف ذلك العصر لم يكن العلماء ليفكروا مثل هذا التفكير المتقدم السابق لزمانه، فلم يكن ارتقى تفكيرهم إلى هذا النمط من السمو والانفتاح والطموح، ولكن رغم ذلك.. لقيت الخطة من الترحيب والسماحة والارتياح والرضا -من عدد كبير من الذين أرسلت إليهم- ما تجاوز التقدير، وعدوها خطوة ثورية ستكون لها نتائج طيبة وآثار بعيدة المدى على الأمة الإسلامية.

وهنا نكتفي بنقل رأي أحد علماء العصر الأجلاء الشيخ الكبير أشرف علي التهانوي الذي تفاءل بهذه الخطة، ولم يُخْفِ استحسانه وتأييده لمقترحات الخطة، فقال:

«إن جميع مقترحات الخطة صحيحة ومناسبة، وخروج مثل دار العلوم العظيمة هذه من الوجود الذهني إلى الوجود الخارجي ليس على الله بعزيز، ولا بمستبعد أمام القدرة الكاملة لموجد الموجودات.» (٥)

 * * *

اعتراف العلماء والزعماء

 العرب بشخصية المونجيري

كانت شهرة الشيخ المونجيري تجاوزت الهند، ووصلت إلى الحجاز وعاصمة الخلافة العثمانية إسطنبول، فلما زار الشيخ المونجيري مكة المكرمة ١٣١٨ھ لأداء الحج، تلقى – خلال إقامته بمكة المكرمة – رسالة من إسطنبول، أرسلها إليه حسن أفندي، الذي رجا فيها الشيخَ المونجيري أن يشرف بزيارته إسطنبول، حيث يقابل خليفةَ المسلمين، ولكن لم يتيسر له السفر -لسبب أو آخر- إلى إسطنبول. (٦)

مقابلة نائب السلطان:

كان حضر مناسبةَ الحج عبد الرحمن باشا نائبًا للسلطان عبد الحميد، وعقد بعض أعيان مكة – من المهاجرين – حفلة تكريم للضيوف، شرفها نائب السلطان، وتعرف بالشيخ المونجيري، وأعرب عن حبه وتقديره للشيخ، ودعاه إلى زيارة دمشق وقسطنطنية، وأهدى إليه القباء والعمامة، ورجاه أن يسافر إلى المدينة المنورة بصحبته على جِماله، ولكن الشيخ اعتذر. (٧)

 أمير مكة يعرب عن رغبته في مقابلة الشيخ:

كما أبدى مقربو أمير مكة الشريف عون الرفيق رغبتهم في أن يقابل الشيخُ أمير مكة المكرمة، ولكن الشيخ رفض ذلك، وبعد أيام تلقى الشيخ رسالة من الأمير، الذي خاطب فيها الشيخَ بـ: «تاج العلماء الكرام، وخلاصة ذوي المجد والاحترام… مما يدل على ما كان يتمتع به الشيخ من الحب والاحترام في الحجاز».(٨)

مواجهة القاديانية

نكون مقصرين إذا لم نذكر – ولو إشارة – شيئًا من جهاد المونجيري العظيم الذي قام به ضد القاديانية، فقد كتب أكثر من مئة كتاب في الرد عليها، نشر ٤٠ كتابًا باسمه، والبقية بأسماء الآخرين.

وبجهوده سلمت منطقة بيهار -التي كانت من ضحايا القاديانية الكبرى- من فتنة القاديانية.

وكذلك كل منطقة من مناطق الهند، وصلت إليها كتب الشيخ المونجيري، فرت منها القاديانية، وفشلت فيها جهودها، ولم تتمكن من تثبيت أقدامها فيها.

فقام الشيخ المونجيري بكل ما استطاع لمطاردة القاديانية، والكشف عن ضلالها وكونها ثورة على النبوة المحمدية.

إنه قام -بهذا الصدد- بجولات إصلاحية، وزار المدن، وتجول في القرى والأرياف، ووجه الرسائل، وألف الكتب، وكلمته التالية تكفي شهادة على ما كان يحمل من الهم والقلق والاضطراب تجاه هذه القضية المضلة المضللة، يقول:

«أكثروا من الكتابات ضد القاديانية، واطبعوها وانشروها بقدر مستطاع، بحيث إذا استيقظ كل مسلم من النوم، وجد كتابًا في الرد على القاديانية عند رأسه».

من أبرز كتبه في الرد على القاديانية:

١- فيصلہء آسمانی (القضاء السماوي)

هذا أول كتبه وأحسنها في الرد على القاديانية، صدرت له ثلاث طبعات في حياة الشيخ، ولم يتجرأ قادياني على رد هذا الكتاب.

٢- چشمہء ہدایت (عين الهداية)

٣- چیلنج محمدیہ (التحدي المحمدي) وقد صدرت طبعته العربية أيضًا.

٤- معیار صداقت (معيار الصدق)

٥- معيار المسيح

٦- حقيقة المسيح

٧- تنزیہ ربانی (التنزيه الرباني)

٨- آئینہء کمالات مرزا (مرآة عجائب – أباطيل – القادياني).

والحقيقة أن الشيخ المونجيري قام وحده بما لا يستطيع أن يقوم به مجمع مزود بالكوادر العلمية بمثل هذا الشكل من الضخامة والشمول والنجاح.

وقد نفع جهادُ المونجيري القلمي هذا مئات الآلاف من الناس، فقد كان انخدع عدد كبير من الناس بدعاوي القادياني الباطلة، ووقعوا في فخها، وكان يُخشى أن تبتلى أعداد كبيرة بهذه الفتنة، ولكن بجهود الشيخ المونجيري المباركة نجوا وسلموا من هذه الفتنة العظيمة، وقد وصلت كتب الشيخ ورسائله إلى كل مكان وصلت إليه الفتنة القاديانية، فإما لاذ القاديانيون بالفرار من هناك، أو سكتوا.

جهوده في مواجهة المسيحية:

كما قام الشيخ المونجيري رحمه الله بجهود مشكورة في مقاومة الحركات التبشيرية ومواجهة أباطيلها.

معلوم أن المبشرين والقساوسة المسيحيين الذين كانوا أرسلوا من الغرب لتنصير المسلمين وتشكيكهم في عقائدهم، هؤلاء كانوا انتشروا في جميع أنحاء البلاد، فتصدى الشيخ المونجيري لمواجهتهم، وألف الكتب والرسائل للرد على عقائدهم الضالة، والحق أن أبرز من قام من العلماء لتصدي هذه الفتنة بعد الشيخ رحمة الله الكيرانوي: الشيخ محمد علي المونجيري الذي أهم نهاره وأرق ليله أمرها، فقاومها بلسانه وقلمه، ورد على تشكيكات الحركة التبشيرية وتضليلاتها ردًّا جادّا، يدمغ بالحجج، ويفلج بالبراهين، ويجلو الشبه، ويقطع خيوط الأوهام، ويفصم عرى الباطل، و من ثَمّ يُقنع كل باحث عن الحق ذي الفطرة السليمة والقلب المستقيم.

ومما ألفه الشيخ في الرد على المسيحية:

١- مرآة اليقين

٢- آئینہء اسلام (مرآة الإسلام)

٣- ترانہء حجازی (النشيد الحجازي)

٤- ساطع البرهان

٥- براهين قاطعة

٦- پیغام محمدی (الرسالة المحمدية) هذا أبرز كتبه وأشهرها في الرد على المسيحية، ويمكن تشبيهه بـ: «إظهار الحق» للشيخ الكيرانوي، كان الشيخ المونجيري ألفه في الرد على كتب بعض القساوسة.

معظم هذه الكتب طبعت مرارًا، ولكن لم يأت ردٌّ على أي منها من أي قسيس، وكان من تأثير هذه الكتب أن فترت همم الإرسالات التبشيرية، وقلت نشاطاتها، أو تعطلت واختفت تمامًا في بعض المناطق.

مما تتميز به كتب الشيخ المونجيري في الرد على المسيحية، أنه يستند -في الرد عليها- إلى مصادر المسيحيين الأصلية ومراجعهم الموثوق بها عندهم، وأقوال كبار المؤلفين منهم، وكانت دراسته في الموضوع واسعة جدًّا، لا يكتفي بالرد على المسيحية فقط، بل يحاول أن يقدم صورة الإسلام واضحة بأسلوب علمي مؤثر يخاطب العقل والوجدان معًا.

التزكية والإحسان:

ولا يكتمل الحديث عن المونجيري بدون أن نخص بالذكر ناحية مشرقة أخرى من نواحي حياته، وهي الناحية التي جعلت شخصيته أكثر جاذبية وروعة وجمالًا وجلالًا، وأضفت عليه ما أضفت من المغناطيسية والشعبية والحب ما لا يكون من نصيب الآخرين إلا نادرًا جدًا.

فقد كان جامعًا بين العلم والعمل، بين العلم والربانية، بين العلم والروحانية الصافية، بين العلم وإشراق القلب، بين العلم وحرارة الإيمان..

وهذا الجمع المبارك هو السر وراء ما حظي به الشيخ المونجيري من الحب من جميع الطبقات والفئات، وهو الذي أعطى شخصيته من السحر والجاذبية ما أعطى..

كان يسافر بالقطار.. فكان الناس يتساقطون لإلقاء نظرة عليه ومصافحته في كل محطة كان يتوقف بها القطار.. وكان عددهم يتجاوز المئات.. وكذلك إذا نزل في بلدة أو قرية ازدحم الناس للاستماع إلى كلماته والتبرك بصحبته، وتابوا على يديه، تذكر مصادر ترجمته أن كثيرًا من الفساق والفجار تأثروا بنصائحه، فتابوا من الذنوب والمعاصي، واستقامت سيرتهم، فصلحت حياتهم، وحسنت أخلاقهم.

فكان إذا مر بمنطقة أو نزل مدينة أو قرية، هبت فيها رياح الإيمان، وتعطرت الأجواء وفاحت برياحين الحب والذكر والتوبة والإنابة، ودوت المنطقة كلها بنغمات الحق والهدى، وأصداء الإيمان والحنان، وشعر الناس بالروحانية والبركة والسكينة والطمأنينة القلبية.

لم يكن هذا التساقط على الشيخ وهذا التدافع في السلام عليه، وهذا التنافس في خدمته، وهذا الحب العجيب الغريب النادر الذي كان من نصيب الشيخ المونجيري..

لم يكن كلُّ ذلك لمجرد تبحره في العلم، أو لإنجازاته العلمية.. أو لأنه كان يوزع المال على قاصديه وزواره..

فلماذا هذا التساقط والتهافت، وهذا التسابق في التقرب إلى الشيخ وحبه؟

سبب ذلك ما بين في الحديث الآتي:

«إن الله إذا أحب عبدًا، نادى جبريل، يا جبريل إني أحب فلانًا، فأحبه، فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلانًا، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض، فيحبه كل أهل الأرض». [رواه البخاري]

هذا هو السر في الحب للشيخ المونجيري..

أما السؤال: لماذا أحب الله تعالى الشيخ محمدًا علي؟

فالجواب لأن المونجيري صبغ حياته بصبغة الله.. وقضاها كلها في اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}.

وكان يقول: «اتباع السنة الكرامة الكبرى، الأصل أن اتباع السنة والشريعة إلى أي درجة في الإنسان، الكرامات والمكاشفات ليست بأصل..».

السر في النجاح العظيم الذي ناله الشيخ المونجيري في مهامه وأهدافه أن كل كلمة من كلماته، وموعظة من مواعظه، ونصيحة من نصائحه كانت صوت قلبه، الذي كان قوي الصلة بالله تعالى، إن إخلاصه وحرقته وتعلقه بالله كان أحدث في كلماته تأثيرًا عجيبًا لا يرفض ولا يعلل إلا بأنه كان فضلًا من الله ومن ثمرات صلته المخلصة الخاصة بالله عزوجل ۔

حاصل التصوف (الذي ليس إلا التزكية والإحسان) وأعلى درجات: «الروحانية» عند الشيخ أن يعمل الإنسانُ أي عمل شاء.. ولكن يجب أن يظل قلبه متعلقًا بالله دائم الاتصال به.

وكان يقول: «انظروا بالأعين، واعملوا بالأيدي، واسمعوا بالآذان، واشغلوا القلب بالله تعالى». (٩)

ومن كلماته أيضًا: «إن في ذكر الله وعبادته لذة لا تبلغ أي لذة عشر معشارها، فبذكر الله يطمئن القلب اطمئنانًا لا يحظى به أمير ولا غني، قال تعالى: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب}، العجب لأهل العلم أنهم يبحثون -عبثًا- عن الطمأنينة القلبية في الاشتغال بأسباب الدنيا ومتاعها» (١٠)

نظرة على بعض خصائصه وشمائله:

كان زاهدًا في الدنيا بمعنى الكلمة، لم يسع قط للحصول على الدنيا، وقضى حياته كلها في بساطة وتقشف، ولو شاء لقضاها في رفاهية وترف، رفض عروضًا مغرية ومناصب عالية تتحلب لها أفواه الكثيرين.

ومن ذلك أنه ترك وظيفة جليلة -في حيدرآباد- ذات راتب ضخم (٤٠٠ روبية).

محبًّا للنظافة والأناقة في كل شيء، ولكن بدون إسراف ولا تكلف، فيحب اللباس النظيف، غير أنه كان مائلًا إلى السذاجة وعدم التكلف، ولكن إذا توفر له لباس ثمين وفراش ناعم، لم يرده، بل قبله نعمة من الله تعالى، إلا انه كان لا يستحسن الالتزام بلباس معين أو زي خاص.

كان يتحاشى قبول دعوات الأمراء والأثرياء وولائمهم دائمًا، اللهم إلا إذا كان في ذلك مصلحة دينية.. فلم يعتذر، وقبلها عملًا دينيًا ونعمة من نعم الله.

لما شد الرحال للحجة الأولى(١٣١٨ھ) يرافقه خمسة أصحاب، كان المبلغ الذي كان معهم لا يتجاوز أربعين روبية فقط.

يقول الشاعر:

يزدحم القصاد على بابه

والمنهل العذب كثير الزحام

ومما قرأنا – كذلك – من الأمثال العربية: [الفراش لا يتساقط إلا على النور]، و [لا تنجذب المادة إلا إلى المغناطيس]..

هذا البيت وما تلاه من الكلمتين يصدق تمامًا على شيخنا المونجيري رحمه الله، فقد كان محبوه ومريدوه يتساقطون عليه تساقط الفراش على النور، مقتبسين من نفحاته الإيمانية ومستفيدين من كلماته المباركة، وينزلون عليه ضيوفًا لعدة أيام في الحجرات الخاصة التي كانت أعدت لهم، ذكرت بعض المصادر أنه كان يأكل على مائدته مئة ضيف -أو يزيدون- من المقيمين والضيوف والزائرين.

وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على ما كان يحظى به الشيخ المونجيري من حب الناس حبًا لا يكون إلا من حظ خاصة عباد الله الذين يحبهم الله، فيحبهم خلقه أيضًا.

ومما ينم عن مدى احترام الناس وتقديرهم له وحبهم إياه أن محفته ما كان يحملها الحمالون الأجراء، بل كان العلماء والأعيان يحملونها، ويعتبرون ذلك شرفًا لهم وسعادة.

كان مهتمًا بأداء الصلوات مع الجماعة اهتمامًا لا يتصور فوقه، اهتمامًا يسهل فهم معنى: «قرة عيني في الصلاة».

ذات مرة كان الشيخ نزيل لكناؤ، وكان اليوم يوم الجمعة، ولم يُقَدّر الوقت الصحيح لصلاة الجمعة، وخرج من مكان إقامته إلى بعض المساجد، فلما وصل إلى المسجد، علم أن الصلاة قد قضيت، فما ان سمع هذا حتى خر مغشيًّا عليه (١١)

معلومات شتى مهمة عن الشيخ المونجيري:

– هو السيد محمد علي بن السيد عبد العلي بن السيد غوث علي.. وينتهي نسبه إلى الشيخ محي الدين عبد القادر الجيلاني رحمه الله، أسرته انتقلت من المدينة المنورة إلى الكوفة، ومنها إلى العراق، ثم الجيلان وبخارى والملتان، إلى أن استقرت في الهند.

– ولادته: ٣ شعبان ١٢٦٢ھ = ٢٨ يوليو ١٨٤٦م.

– ولد بـ« كانبور»، المدينة الصناعية الشهيرة، القريبة من لكناؤ مقر ندوة العلماء.

– مات أبوه في صغره، ونشأ وترعرع تحت تربية جده السيد غوث علي، قرأ القرآن الكريم على عمه السيد ظهور علي، وقرأ الكتب الفارسية الابتدائية على الشيخ عبد الواحد البلجرامي، وبدأ حفظ القرآن الكريم، ولكن لم يتمكن من إكماله لمرضه المتصل، والتحق (١٢٧٧ھ) بمدرسة: «فيض عام» بكانبور لتلقي التعليم الديني العربي، وأكمل المنهج الدراسي – السائد في ذلك العصر – على يد أستاذ الأساتذة الشيخ مولانا لطف الله علي جري والمفتي عنايت الكاكوروي.

– سنة ١٢٧٩ھ سافر إلى مدرسة: «مظاهر العلوم» بسهارنبور، حيث أقام في صحبة المحدثَ الجليل الشهير الشيخ أحمد علي السهارنبوري أحد عشر شهرًا، وقرأ عليه الصحاح الستة، ونال شهادتها.

– تأسيس حركة ندوة العلماء: عُقد اجتماعها الأول ١٣١١ھ = ١٨٩٤م في مدرسة: «فيض عام» بكانبور، شارك فيه صفوة العلماء والقادة من ممثلي مختلف المسالك والجمعيات والمدارس والمنظمات من الهند، وأسست دار العلوم التابعة لها ١٣١٦ھ = ١٨٩٨م

– ألف أكثر من مئة كتاب في الرد على القاديانية، صدر أربعون منها باسمه، والبقية بأسماء الآخرين.

– سنة ١٢٨٩ھ أصدر مجلة: «منشور محمدي -عن كانبور- في الرد على المسيحية وتفنيد عقائدها الباطلة.

– قام بأداء الحج أولًا ١٣١٨ھ، ثم سافر إلى بلاد الحرمين الشريفين ١٣٢٦ھ، ورجع ١٣٢٨ھ ۔

– في أواخر ١٣٢٠ھ غادر كانبور، واستقر بـمدينة: «مونجير» بولاية بيهار، حيث تفرغ للدعوة والإرشاد، والإصلاح والتربية وتزكية النفوس.

– لم يقبل قط أي راتب ولا مكافأة من ندوة العلماء، مع أنه سخر جميع قواه الفكرية والعملية وجند جميع مواهبه وملكاته للندوة، بل كان إذا تلقى أي هدية أو مكافأة، وهبها للندوة.

– عمل رئيسًا لندوة العلماء لمدة ١١ سنة، ثم قدم الاستقالة لأسباب يؤدي ذكرها إلى الإطالة.

– توفي يوم الثلاثاء: ٩ ربيع الأول ١٣٤٦ھ – ١٣ سبتمبر ١٩٢٧م –

وبعد. فهذا جهد المقل وبضاعة مزجاة وخواطر مبعثرة وكلمات عديدة حول هذه الشخصية العظيمة التاريخية، التي لا يجود بأمثالها الزمان إلا نادرًا، وأنا أعترف بأن هذا المقال الصغير لا يوفي هذه الشخصية الجليلة حقها من الشمول والاستيعاب، والإشباع في بيان خصائصها ومآثرها وإنجازاتها، ولكن عل كل حال.. لا يخلو من أن يكون لمحات خاطفة وإشارات سريعة إلى جوانب بارزة ونواح مشرقة من حياة هذا الرجل العظيم، ولعل فيه بعض الكفاية إن لم يكن تمامها..

الهوامش:

(١) مستقبل الثقافة في مصر: ١/ ٤٥، مطبعة المعارف – ١٨٣٨م، مصر.

(٢) محمد الحسني: سيرت مولانا محمد على مونگیری (ترجمة الشيخ محمد علي المونجيري) ص ١١٩.

 الطبعة الأولى ١٩٦٤م‌، الناشر: ندوة العلماء، لكناؤ، الهند.

(٣) المصدر السابق: ١٤٧ – ١٤٨

(٤) أيضًا: ١٥٢

(٥) أيضًا.

(٦) أيضًا: ٢٥٥

(٧) أيضًا: ٢٥٥ – ٢٥٦

(٨) أيضًا: ٢٥٧

(٩) أيضًا: ٣٧١

(١٠) أيضًا: ٣٩١- ٣٩٢

(١١) أيضًا: ٤٠١

(الأربعاء: ٢١ من ذي الحجة ١٤٤٦ ھ = ١٨ من يونيو – حزيران – ٢٠٢٥م )

Tags: محمد نعمان الدين الندوي
ShareTweet
محمد نعمان الدين الندوي

محمد نعمان الدين الندوي

لكناؤ، الهند

Related Posts

مقاربة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في النازلة الإيرانية نموذجا!
بحوث ودراسات

مضر أبو الهيجاء يكتب: الهشاشة السياسية في المقاربات الإسلامية المعاصرة

18 يونيو، 2025
د. ربيع عبد الرؤوف الزواوي.. دكتوراه في تفسير القرآن وعلومه
بحوث ودراسات

د. ربيع عبد الرؤوف الزواوي يكتب: في رحاب ثلاثة ألفاظ من فرائد القرآن

17 يونيو، 2025

ابقَ على تواصل

  • 9.5k Fans
  • 863 Followers
  • 785 Subscribers
  • Trending
  • Comments
  • Latest

كبروا الله أكبر لا تهابوا الحاقدين .. كلمات النشيد الجهادي الحماسي

9 يناير، 2024
صفوت بركات.. أستاذ علوم سياسية واستشرافية

صفوت بركات يكتب: التهديد بالنووي.. والمحلل الأخير

3 يونيو، 2025

لا تشك للناس جرحا أنت صاحبه .. قصيدة الشاعر كريم العراقي

26 سبتمبر، 2023

كلمات أغنية مقاوم «عاب مجدك»

23 نوفمبر، 2023

كتاب الإسلام المتعب للمؤلف جاكوب دون

0

النظام السوري ينفي اعتقال لاجئين عادوا إلى البلاد

0

مالك قاعة الحمدانية في قبضة الأمن العراقي

0
طوفان الاقصى

كتائب القسام .. كيف تشكلت وكم عدد عناصرها وما هو تسليحها؟

0
آخر الأخبار

أبرز عشرة أخبار عالمية خلال الساعة الأخيرة

20 يونيو، 2025
عاجل| إيران تهدد أمريكا والكيان بالنووي وسط تصاعد التوترات

عاجل| إيران تهدد أمريكا والكيان بالنووي وسط تصاعد التوترات

20 يونيو، 2025

لا يُرصد ودون مقاومة.. الصواريخ الإيرانية فرط صوتية تفرض الرعب على الكيان المحتل ليلاً

20 يونيو، 2025

الاحتلال يواصل مجازر المساعدات ويغلق مدنا بالضفة

20 يونيو، 2025

أحدث المستجدات

آخر الأخبار

أبرز عشرة أخبار عالمية خلال الساعة الأخيرة

20 يونيو، 2025
عاجل| إيران تهدد أمريكا والكيان بالنووي وسط تصاعد التوترات

عاجل| إيران تهدد أمريكا والكيان بالنووي وسط تصاعد التوترات

20 يونيو، 2025

لا يُرصد ودون مقاومة.. الصواريخ الإيرانية فرط صوتية تفرض الرعب على الكيان المحتل ليلاً

20 يونيو، 2025

الاحتلال يواصل مجازر المساعدات ويغلق مدنا بالضفة

20 يونيو، 2025

جريدة الأمة الإلكترونية

جريدة الامة

تابعنا

القائمة

  • أخبار
  • أقلام حرة
  • أمة واحدة
  • اقتصاد
  • الأمة الثقافية
  • الأمة الرياضي
  • انفرادات وترجمات
  • بحوث ودراسات
  • تقارير
  • حوارات
  • سلايدر
  • سير وشخصيات
  • قالوا وقلنا
  • مرئيات
  • مقالات
  • منوعات

آخر الأخبار

آخر الأخبار

أبرز عشرة أخبار عالمية خلال الساعة الأخيرة

20 يونيو، 2025
عاجل| إيران تهدد أمريكا والكيان بالنووي وسط تصاعد التوترات

عاجل| إيران تهدد أمريكا والكيان بالنووي وسط تصاعد التوترات

20 يونيو، 2025

© 2025 All copyright reserved for 3bdouahmed.

No Result
View All Result
  • الرئيسية
  • أخبار
  • اقتصاد
  • تقارير
    • انفرادات وترجمات
  • الأمة الثقافية
    • سير وشخصيات
  • أمة واحدة
  • آراء
    • مقالات
    • بحوث ودراسات
    • أقلام حرة
    • قالوا وقلنا
  • الأمة الرياضي
  • مرئيات
  • منوعات

© 2025 All copyright reserved for 3bdouahmed.

Are you sure want to unlock this post?
Unlock left : 0
Are you sure want to cancel subscription?