أقلام حرة

محمد نعمان الدين الندوي يكتب: خواطر مريض..

لعل أكبر نعمة – بعد نعمة الإيمان – أنعم الله بها على الإنسان: الصحة والعافية…

نعم.. تلك الصحة التي إذا حرمها الإنسان – ولا قدر الله – أظلمت الدنيا في عينيه، ولم تعد للحياة متعة ولا لذة ولا نضارة..

فالصحة شيء أساسي للتمتع بنعم الدنيا الأخرى..

وبدون الصحة لا يستطيع الإنسان أن يؤدي دوره في الحياة..

 لا يستطيع أن يجدّ أو يكدح.. أو يحقق طموحاته.. أو ينال أهدافه..

 الصحة التي إذا فقدها الإنسان، لا يقدر على استرجاعها مهما كان ذا مال أو جاه أو منصب..

قال الأحنف: لا خير في حياة إلا بصحة وأمن..

نعم. لا معنى للحياة، ولا قيمة للمال، ولا نفع للعز والسؤدد، إذا سلب الإنسان الصحة..

والمال لا يسترجع الصحة.. فالصحة لا تشترى ولا تباع… بل إنما هي هبة من الله تعالى يهبها عباده رحمة منه جل وعلا بلا مقابل.. كجميع النعم…

ولو كانت الصحة تنال بالمال.. لما مرض ذوو المال وأصحاب الغنى.. وكانوا دائمًا في مأمن من الأمراض والأسقام..

ولو قلنا إن الصحيح السليم من الأمراض يعيش عيدًا متصلًا وإن كان فقيرًا.. يعيش مستريح البال، مطمئن الفؤاد، قاضيًا حياته في عافية ويسر وسهولة.. قادرًا على مزاولة أعماله بنفسه.. غير عبء على الآخرين..

و – كذلك – إذا قلنا إن المريض يعيش مهمومًا حزينًا كئيبًا وإن كان ذا مال.. يعيش محرومًا من الملذات.. غير مستفيد من المسرات، مبتلىً بالمنغصات، بل الأفراح تؤذيه روحيًّا وتؤلمه نفسيًّا.. وتزيده ألمًا على ألم.. لأنه يراها ولا يستطيع مشاركتها.. وكأنه في مأتم متصل، أو في سرادق العزاء…

لو قلنا ذلك.. لما خفنا أن نتهم بأننا وصفنا الحالتين وصفًا غير واقعي..

* * *

على أن الصحة لا تقدر حق قدرها إلا إذا فقدت.. ولا تُدرَكُ قيمتُها الحقيقية إلا إذا تراجعت..

ثم لا يشعر بقيمتها إلا المبتلون بالأمراض، العاجزون عن الاضطلاع بأعباء الحياة، والعيشِ في رحابها عيشًا طبيعيًا، المحرومون من الاستمتاع بمباهجها ونعيمها..

 فالعجيب أنها – الصحة – محبوبة فاتنة في عين غيرها، بينما هي مهملة غير مقدرة – حق قدرها – في عين صاحبها..

ومن هنا يقال: الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى..

فأيها الأصحاء! اغتنموا الصحة والعافية.. واعرفوا قدرها وقيمتها قبل أن تبتلوا بفقدها.. ولا سمح الله بذلك!

وقد صدق الرسول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم حينما قال: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ». (البخاري)

ولكل شيء ذي بال زكاة.. وزكاة الصحة أن تصرف في طاعة الله، وابتغاء فضل الله، وإعانة الضعفاء، وداء الحقوق..

ومن حقها أن لا تضاع فيما لا يعود على المرء بطائل.. فضلًا عن المعاصي والمنكر أت..

ونحن مسؤولون عن الصحة!

وذلك لأننا نُسأل عن الشباب فيما أنفقناه.. وزمنُ الشباب زمن موفور الصحة وقمة العطاء.. فالإنسان لا يتمتع بالصحة ولا يقدر على العطاء مثلما يتمتع بها ويقدر عليه في شبابه…

الوقاية خير من العلاج..

درهم وقاية خير من قنطار علاج..

ورب أكلة تمنع أكلات..

فالاعتدال في الأكل والشرب مفتاح الصحة الرئيسي.. والسبب الأكبر للحفاظ عليها { كلوا واشربوا ولا تسرفوا }.

والمشي – خاصة في الهواء الطلق صباحًا باكرًا – خير رياضة للبدن..

ومن ترك المشيَ، تركه المشيُ..

والعقل السليم في الجسم السليم..

وفقنا الله تعالى للشكر على نعمة: «الصحة» واغتنامها، وتأدية حقوقها قبل أن تداهمنا الأمراض.. ثم نتحسر ونندم.. ولات ساعة مندم..!

[وبعد. فهذه خواطر مبعثرة جالت في خاطري، فسجلها قلمي.. علمًا بأنني أمر – حاليًّا – بوعكة صحية ألمت بي أخيرًا..

دعواتكم للمريض ولكافة المرضى بالصحة والعافية

وكل حين ولحظة وأنتم بخير وصحة وعافية].

(ليلة الاثنين ٢٦ من ربيع الأول ١٤٤٦ھ – ٢٩ من سبتمبر ٢٠٢٤م )

محمد نعمان الدين الندوي
لكناؤ، الهند

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *