إنها حقيقة تاريخية معلومة لدى الجميع، أن المسلمين حكموا الهند حوالي ثمانية قرون، حكمًا عادلًا رائعًا مثاليًّا، فسَمَوا بالهند إلى الجوزاء، ورفعوها من قعر الخمول والانطواء والانعزالية إلى سماء المجد والشهرة والفخار، وانتشلوا سفينتها من تيارات الطبقية والتنافر والتباعد إلى شاطئ المساواة والتآلف والتعايش.. وسط أمواج متلاطمة لا تنفع فيها مجاديف قوية إلا بأيد قوية أمينة مخلصة.
من هنا.. تُعد فترة: “الحكم الإسلامي للهند”: فترةً ذهبيةً للهند، حضاريًّا ومدنيًّا، فلم يَقُم المسلمون في الهند بإحداث تغييرات في مظاهر الاجتماع ونمط الحياة فقط، بل وصلوا بها إلى القمة في الغنى والمنتهى في الثراء، حتى كانت الهند -قبل الاحتلال الإنجليزي- تسمى: طائرًا من الذهب، وأضافوا إلى الهند من مرافق الحياة ورقائق المدنية، ومعطيات الإسلام ما لم يكن للهند بها سابق عهد، ولا علم، ولا اطلاع.
أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنا
وإن عاهدوا وفَّوا وإن عقدوا شدُّوا
فإنجازات المسلمين في الهند لا تحتاج إلى بيان أو تعريف أو شهادة، وإنما هي ناطقة بنفسها عن نفسها، واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار.
وليس يصح في الأذهان شيء
إذا احتاج النهار إلى دليل
(إذا كانت الشمس طالعة، فالنهار موجود).
لقد أعطى المسلمون الهند وأفادوها ومنحوها الكثير والكثير.. وقدموا المثل الأعلى للتضحية والفداء في سبيل تحرير الوطن.
إنهم اعتبروا (الهند) -دائمًا- بلدهم الأم، ووطنهم الحقيقي، الذي لا يبغون به بديلًا… فقد كان لهم أن يهاجروا إلى البلد المجاور، ولكنهم لم يهاجروا، بل فضّلوا البقاء -رغم المخاوف التي صارت- فيما بعد -حقائق- في هذا الوطن العزيز عليهم، الحبيب إليهم، وظلوا -ولا يزالون، وسيبقون- أوفياء مخلصين له، غير متغافلين عن خدمته والتقدم به في ميادين العلم والصناعة والمدنية، وربطوا مصيرهم به أحياء وأمواتًا، فإنهم يأبون إلا أن يظلوا مرتبطي الصلة بتراب وطنهم بعد موتهم أيضًا..، فيتوارون في ثراه..
غاية في الحب والصدق والوفاء!
فالمسلمون -في هذه البلاد- ليسوا أجانب أو غرباء..، بل إنهم أُصَلاء شركاء.. وبناة الهند الجديدة وصانعوها، وأهلها الحقيقيون، فقد سقاها آباؤهم وأجدادهم… سقوا ترابها بدمائهم الزكية القانية، وجهودهم وعَرَقهم، فجعلوها حقولًا خضراء وأرضًا غناء، وبساتين مثمرة، ونباتات مزهرة، وعمروا مساحتها الواسعة بمدنيتهم وحضارتهم، وذوقهم البنائي الرائع الفذ الفريد، فأصبحت عامرة بالمباني الشامخة، والمعالم الأثرية التي لا يوجد لبعضها نظير في أي ناحية من نواحي العالم:
صنائع فاق صانعها ففاقت
وغرس طاب غارسه فطابا
والحقيقة إذا زار الإنسان أي منطقة أو قرية أو مدينة من الهند، وجد من تربتها رائحةَ المسلمين ما تفوح به جوانحه، ويعبق به شعوره ووجدانه، ومن مآثرهم ومعالمهم ما يكفي دليلًا حيًّا على إثرائهم الهند بروائع حضارتهم وبدائع مدنيتهم:
تلك آثارنا تدل علينا
فانظروا بعدنا إلى الآثار
مثل “تاج محل” ذلك البناء الأسطوري الذي يُعد آية في الروعة والجمال والحُسْن والمتانة، والذي يسجد له الفن نفسه تحية لتصميمه، وإكبارًا لروعته، وإعجابًا بحسنه، وانبهارًا ببهائه، ويُعد من عجائب الدنيا السبع، والذي يتوافد لمشاهدته آلاف من السياح من أقصى أنحاء العالم. وشاهدَتْه -قبل سنوات- ممثلة بريطانية، فبهتت بروعة جماله وانبهرت بحسن بنائه، فما لبثت أن قالت: «لو ضمن لي أحد بأنني سأدفن هنا، فأنا مستعدة الآن لأن أفدي بنفسي».
وهو كذلك… فمُشاهِد: “تاج محل” يحار في الحكم فيه.. هل هو “صنعة” أم “سحر”.. أو هو -المُشاهِد- في الحلم أو اليقظة؟
فكما أن هناك من الكلام ما يوصف بـ: “سحر البيان”، كذلك هنالك من البناء ما يستحق أن يوصف بـ: “سحر البنيان”..، و”تاج محل” مثال حي لذلك.
محبة الوطن شيء شامل لجميع الناس، ولكن ذلك في المسلمين أغلب، وفيهم أرسخ، فحبهم لوطنهم ليس بدعًا من الأمر، فإنهم يُعرَفون بخالص حبهم لوطنهم أينما كانوا، فيفضلونه على جميع البلدان والأمصار، وكتبُ التراث الإسلامي زاخرة بما قاله السلف في حب الوطن، والحنين إليه، فمما ينسب إلى بعض الحكماء، ما يلي:
«الخروج من الوطن عقوبة، والحنين إلى الوطن من رقة القلب، ورقة القلب من الرحمة، والرحمة من كرم الفطرة، وكرم الفطرة من طهارة الرشد».
قال الأبشهي «من علامة الرشد أن تكون النفس إلى بلدها تواقة، ومسقط رأسها مشتاقة». (١)
وقال أبو تمام:
كم منزلٍ في الأرض يألفه الفتى
وحنينه أبدًا لأول منزل
قيل لأعرابي: ما الغبطة؟ قال: الكفاية مع لزوم الأوطان، والجلوس مع الإخوان، قيل: فما الذلة؟ قال: التنقل في البلدان والتنحي عن الأوطان.
وقال بعضهم: “عسرك في بلدك خير من يسرك في غربتك”.
أما شاعر الهند الإسلامي المعروف الدكتور محمد إقبال رحمه الله، فقصيدته التي قالها في حبه لوطنه وتفضيلِه إياه على سائر الأوطان والبلدان، على كل لسان، وسارت بها الركبان، وتبدأ بها الكثير من المدارس والمعاهد نشاطاتها الدراسية كل يوم في الهند، مطلعها:
سارے جہاں سے اچہا ہندوستاں ہمارا
ہم بلبلیں ہیں اسکی، یہ گلستاں ہمارا
أي:
إن هندنا خير من العالم كله
وهي روضتنا، ونحن بَلابِلُها
بل قد يطغى هذا الحب، فقال شاعر عربي كبير في حبه لوطنه:
وطني لو شُغلت بالخلد عنه
نازعتني إليه في الخلد نفسي
شهد الله لم يغب عن جفوني
شخصه ساعة ولم يخل حسي
على كل.. هذا البيت -مع عدم موافقتنا على معانيه كل الموافقة- يكفي دلالة على ما يُكِنٌ المسلمون من حب عميق لوطنهم حبًّا يمتزج بدمائهم، ويجري في عروقهم وأحشائهم.
على أن حبهم لوطنهم لا يكون على حساب عقيدتهم، فلا يقبلون -في هذا الحب- شيئًا يمس إيمانهم بعقيدتهم، أو يعارض ولاءهم لدينهم وثوابتهم.
والحقيقة أن حب الوطن والحنين إليه أمر مركوز في فطر النفوس من جهة، مأمور به في الإسلام من جهة أخرى، وإن بلالًا الذي ضحى بكل شيء في سبيل عقيدته ودينه، هو بلال الذي كان يهتف في دار الهجرة بالحنين الى مكة في أبيات تسيل رقة وتقطر حلاوة:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة
بفخ وحولي إذخَر وجليل
وهل أردن يوما مياه مجنة
وهل يبدون لي شامة وطفيل
ولقد سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف مكة من “أصيل”، فجرى دمعه حنينّا إليها، وقال: «يا أصيل دع القلوب تقر».
وقال ابن الرومي:
وحبَّب أوطانَ الرجال إليهمُ
مآربُ قضَّاها الشباب هنا لكا
إذا ذكَروا أوطانهمْ ذكَّرَتْهُمُ
عهودَ الصِّبا فيها فحنّوا لذلكا
وقال العبدي: “عمر الله البلدان بحب الأوطان” (٢)
وابن الزبير قال: “ليس الناس بشيء من أقسامهم أقنع منهم بأوطانهم”. (٣).
هذا. وفي التراث العربي الإسلامي عشرات من الكتب المؤلفة في الحنين إلى الوطن، منها:
– حنين الإبل إلى الأوطان: ربيعة البصري.
– الشوق إلى الأوطان: أبو حاتم سهل السجستاني.
– حب الأوطان: أبو الفضل بن أبي طاهر.
– الحنين إلى الأوطان: أبو الطيب محمد بن أحمد الوشاء.
– الحنين إلى الأوطان: الحسن بن عبد الرحمن الرامهزي.
– أدب الغرباء: أبو الفرج علي الأصبهاني.
– الحنين إلى الأوطان: أبو حيان التوحيدي.
– النزوع إلى الأوطان: أبو سعد عبد الكريم بن محمد السمعاني.
– الحنين إلى الأوطان: أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ.
إن الآفاق قد أغامت
ولكن.. آه.. صار المسلمون اليوم في وطنهم هذا… الذي تشهد كل بقعة من بقاعه بآثار خالدة لهم فيه، ومعالمَ حية ناطقة صارخة بكونها إسلامية الذوق والمزاج، إسلامية الفن والطراز، إسلامية الشكل والصورة، إسلامية الرواء والبهاء..
صاروا في وطنهم هذا غرباء..
صاروا غرباء في الوطن الذي لم يساهموا في معركة تحريره فقط، بل هم الذين فجٌَروها، وأشعلوا لهيبها، وبهم حمي وطيسها إيمانًا منهم بواجبهم نحو وطنهم، فكان لهم منها -معركة التحرير- نصيبُ الأسد وفضلُ السبق والمساهمة القيادية فيها.
في هذا الوطن اليوم يُنظر إليهم -اليوم- نظرة شزراء.. ويشك في وطنيتهم..
فلم يأت -وا أسفا – على الهند في دهرها الطويل حين كهذا الحين..، فهي تعيش الآن حالة من الفوضى القلق الاضطراب، وتسودها -كما هو معلوم- موجة من الكراهية والبغضاء.. تكاد تقضي على الجو الذي كان ميزة الهند الكبرى منذ مئات من السنين، جو الحب والوئام، الذي كان سكانها -من مختلف الديانات والطبقات والفئات – يعيشون في ظلاله، متحابين متآلفين بالتعايش السلمي منذ قديم الزمان، ويهب -فيها- إعصار بل “سنامي” -من التعصب البغيض- بأهواله وآثاره المدمرة..
فقد ثارت العصبية الدينية بشكل رهيب، وظهرت الطائفية المنكرة ظهورًا غير مسبوق، ونشطت التوجهات العدائية للإسلام والمسلمين، وأصبحوا ينفثون -بأفواههم وأقلامهم معًا- السموم من الحقد والبغضاء، ويؤججون روح الكراهية لكل ما يمت إلى الإسلام بصلة، ويعزفون أناشيد التنافر على أوتار العصبية المنتتة والطائفية البغيضة.
فهناك محاولات مستمرة لاستبدال أسماء غير إسلامية بأسماء إسلامية للمدن والشوارع والمحطات والمطارات.
وهناك تقوم عملية التشريح -على قدم وساق- والتشكيك والتحريف في تاريخ المسلمين وتقزيم عمالقتهم في الهند، وتستمر محاولات رامية إلى التحريف في التاريخ وصبغه بالصبغة الهندوسية، والتحريش بين مختلف الفئات والطبقات، وتعكير صفو الهند وإقلاق أمنها.
وهناك حركات هدامة، ونعرات منكرة، ونشاطات مشبوهة، ترمي إلى الفتك بالمجتمع، وإثارة البلابل والقلاقل فيه.
ولو كان رمحًا واحدًا لاتقيته
ولكنه رمح وثانٍ وثالث
والحقيقة أن هناك ما هو أعجب وأطمّ!
يعرف العالم كله أن “تاج محل” كان بناه الملك المغولي المسلم “شاه جهاں” على قبر زوجته “ممتاز محل” تذكارًا وتخليدًا لحبه إياها، ووفاء لها بعد موتها.
ولعله من المناسب أن أمتع القراء بما قاله الأديب الشهير علي الطنطاوي عن روعة بناء: “تاج محل”:
“ولئن عرف التاريخ رجالًا ملك الحب قلوبهم، بل منهم من ذهب بعقولهم، وعُرِف عباقرة من الشعراء العشاق خلدوا عواطفهم بقصائد بقيت وستبقى على طول الزمان، فإن حب شاه جهان لزوجته: “ممتاز محل” قد خلده بقصيدة من الرخام، كلماتها من المرمر، طوّع له الحجر اليابس، حتى لان في يده، فكان قصيدة ناطقة تنافس بجمالها خوالد القصائد في آداب الأمم “. (٤)
فهذه حقيقة معروفة -يعرفها القاصي والداني، المتعلم والأميٌ، البصير والأعمى- أن تاج محل بناه ملك مسلم.
ولكنهم بدؤوا يزعمون الآن أن تحته -تاج محل- مندرًا -معبدًا- لهم لإلههم ” شيو”، فيطالبون بالبحث عنه.
وهذا شيء يعجب منه العجب نفسه، ويُضحك الثكلى المفجوعة بوحيدها، وجهلُ يَضحك منه الجهل نفسه.
وقد ردّت المحكمة نفسها دعوى رفعت إليها بهذا الصدد، وأشارت على “حضرة المُقاضي الجاهل” بقراءة التاريخ أولًا، ثم مراجعة المحكمة.
والليالي من الزمان حبالى
مثقلات يلدن كل عجيب
لقد غطى العداء أبصارهم، وحال التعصب دون رؤيتهم للحقائق المبهرة للعيون، الواضحة كالشمس والقمر، والليل والنهار.
أو كما قال البصيري:
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد
وينكر الفم طعم الماء من سقم
أوكما يقول المعري:
والعيب للعين لا للشمس في النظر
أو قال المتنبي:
ومن يك ذا فم مر مريض
يجد مرّا به الماء الزلالا
نعم. إنها بدهيات وحقائق صارخة واضحة ناطقة.. لا تُرَد ولا ترفض ولا تُمحى، ولكنه التعصب.. وتبًّا له.. فكم خرّب ودمّر، وأعمى وأصم، وغطٌى وغشٌى، فكانت آثاره أدهى وأمر.. قاتله الله!
إنهم قد أضاعوا ماء الوجه من أفواههم، ولم يراعوا حرمة أقلامهم..، وأصبحوا كمن لا يعقل ولا يعي ما يكتب ويقول.. يرتعون في كل حمى، ويرتادون كل مرعى، ويتخطون كل حصار، ويتجاوزون كل حد، ويهيمون في كل واد.
وكأنهم ينادون على أنفسهم -هم- بالخبل والخطل، والجهل بالحقائق والتاريخ.
فالعصبية العمياء قد ضربت بجرانها، وأضحت تتخطى كل الحواجز الإنسانية، وتلتقم المثل والأقدار الخلقية العامة والآداب الحضارية التقام الثعابين لما يقف في وجهها.
فكانت نتيجة ذلك أننا نرى ويرى العالَم معنا -كل يوم- من شنائع و فظائع لم تعد سرّا، وإنما افتضح أمرها، وسببت العار والمشاكل للبلاد.
فالظروف التي يمر بها المسلمون اليوم، من أحرج الظروف، التي تستنفد صبر الحليم ورشد العاقل:
إن البلاء يطاق غير مضاعف
فإذا تضاعف صار غير مطاق
لقد أضحى ” المندر” يتراءى لهم تحت كل مسجد مشهور أو حوله..
بل وعندهم قائمة بثلاثة آلاف مساجد، يزعمون أنها بنيت على أنقاض المنادر.. يتربصون بها.. كما فعلوا مع المسجد البابري، هدموه جهارًا نهارًا دونما خوف أو وازع من الحياء، أو رادع من القانون، (من أمن العقاب أساء الأدب)، وقد أقاموا على أرضه مندرًا شامخًا لهم.
لو كان المسلمون مستبدين ظلمة، لما بقي لأي مندر لهم عين ولا أثر، ولأتوا عليه إبان حكمهم الطويل للهند، بل بالعكس من ذلك… ومما ثبت وسُجل في التاريخ أن الحكام المسلمين كانوا يساعدون الهندوس في بناء معابدهم، من إعطاء الأراضي لها، وإصدار الأوامر والفرمانات بتشييدها، والشهادات بذلك موجودة في الأراشيف الحكومية والكتب والوثائق التاريخية للمنادر.
ولو كان المسلمون جبابرة، لما بقوا أقلية حتى الآن، بل لكانوا أغلبية سكان الهند، فـ: {لا إكراه في الدين} و: {لكم دينكم ولي دين}.
وكم من الهندوس كانوا يعتلون مناصب قيادية رفيعة المستوى، مدنية وعسكرية وإدارية يوم كان المسلمون يحكمون الهند، فلم يكن -هناك- تمييز بين الهندوس والمسلمين أبدًا.
ولكن صار هؤلاء المسلمون المحسنون إلى وطنهم وإخوانهم المواطنين.. يُشك في وطنيتهم.. وولائهم له، ويُسألون عن شهادة (الهوية) و(الوطنية)، ووثيقة الانتماء للوطن.
نقول لهؤلاء الشاكين المشككين، السائلين عن شهاداتنا الوطنية، ووثائق الحب والانتماء لوطننا، الذي نشأنا في ترابه، وترعرعنا في مرابعه ومراتعه.
نقول لهؤلاء:
اسألوا عن هويتنا: “تاج محل”، هل بنيناه نحن.. أم أنتم بنيتموه؟
واسألوا عن هويتنا: “لال قلعه” (القلعة الحمراء) في دلهي، فهل أنتم بُناتُها.. أم بنيناها نحن؟
اسألوا جدران باب الهند (india Gate) التي نقشت فيها أسماء أبطال معركة التحرير، الذين ضحوا بنفوسهم من أجل الهند، لتجدوا ستين في المائة منها من أسماء المسلمين.
واسألوا مئات المعالم والمباني الأثرية في كل مدينة من مدن البلاد.
اسألوا أرضها وسماءها عن آثارنا؛
سقانا وأسقى الأرض من سيب جوده
وللأرض من كأس الكرام نصيب
استشهدوا أحجارها وصخورها وجبالها وسهولها، تشهد بتضحياتنا للبلاد، وإخلاصِنا ووفائِنا للوطن..
استنطقوا آلاف الأشجار.. من دلهي خاصة، غيرها عامة، التي كانت حُوّلت غصونها مشانق ومنصات الإعدام وخشبات الصلب، التي احتسى عليها آلاف من العلماء كأس الشهادة في سبيل الوطن كالماء الزلال.
والحقيقة أن هذه الأشجار لحرية بأن تُقَبّل، لأنها تشرفت باستقبال الأحرار الأوفياء من أبناء البلاد، الذين ضحوا -على أغصانها- بنفوسهم دفاعًا عن حرمة البلاد وحرية الوطن..
واسألوا قبل ذلك كله… ضمائركم!
اسألوا البقية الباقية من جيل فترة التحرير، ومن وليه من الشرفاء المحبين.. ليزيلوا الغشاوة عن أعينكم، ويصححوا مفاهيمكم.
ثم من الذي جعل الهند قوة نووية؟ ومن هو أكبر عالم نووي أنجبته الهند؟
إنه ابن المسلمين ومفخرة الهند اي بي جي عبد الكلام.
فماذا جنى المسلمون الهنود.. وما ذنبهم.؟
هل صنائعهم تحولت جرائم، يعاقبون عليها؟
الحقيقة أن للمسلمين في الهند من التضحياتٍ والإنجازاتٍ، والصنائع والروائع ما لا يجرؤ عاقل على إنكاره… فالحقائق حقائق.. لا تُهمَل ولا تُنكَر.. والشمس والقمر لا يكَذّب وجودَهما أحد.. حتى الأعمى الذي لا يبصرهما.. ولكنه لا يسعه إلا الاعتراف بهما…
الهوامش:
(١) المستطرف في كل فن مستظرف لشهاب الدين بن أحمد أبي الفتح الأبشهي، فصل فيما جاء في الأسفار.
(٢) رسائل الجاحظ ١/ ٦٤، مكتبة الخابخي بالقاهرة، ١٣٨٤ھ – ١٩٦٤ م
(٣) أيضًا
(٤) ذكريات علي الطنطاوي:٥/ ٢١٢
دار المنارة للنشر، جدة، الطبعة الأولى، ١٤٠٩ھ – ١٩٨٩م.
(الخميس: ٥ من صفر ١٤٤٧ھ = ٣١ من يوليو -تموز- ٢٠٢٥م).