نظرة على محتويات الحلقة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أيها القراء الكرام!
ما زلنا في قصيدة: «طلوع الإسلام» من: «بانگ درا» -صلصلة الجرس-.
هذا. والأبيات التي تضمها هذه الحلقة، تحتوي على معاني الإنارة والإثارة.. فهي تنير السبيل وترشد إلى الجادة وتبين معالم الطريق، وتشخص للأمة أمراضها، وتصف علاجها، كما تثير العواطف، وتحرك المشاعر، وتدفع إلى العمل والحركة والنشاط.
وإلى أبيات الحلقة مع ترجمتها وشرحها.
* * *
من دلائل اليقظة
البيت:
سرشکِ چشمِ مُسلم میں ہے نیساں کا اثر پیدا
خلیل اللہؑ کے دریا میں ہوں گے پھر گُہر پیدا
الترجمة:
لقد ظهر وتجلى في دموع عين المسلم، من الوقع والتأثير ما يحمله أولُ غيث من الربيع( أي أن دموع المسلم سبب حياة وإنعاش وإيقاظ)
وسيجود بحر ” خليل الله ” بالجواهر الكريمة مرة أخرى.
( أي إن كل قلب يحمل من عاطفة التضحية والفداء كإبراهيم، يستطيع أن ينجب – مرة أخرى – رجالًا ذوي قيمة و كرامة، وبطولة ورجولة).
الشرح:
يقول الشاعر إن الأمة المسلمة بدأت تهب من غفلتها، وتصحو من سكرتها، وأخذت علامات اليقظة تظهر فيها بوضوح، فكما أن غيث الربيع يحيي الأرض الجدباء الميتة، فتهتز وتنبت وتنمو، كذلك دموع المسلمين الحارة وآهاتهم الضارعة تحيي أرض القلوب الجافة، وتنعشها، وتعيد إليها نضارتها واخضرارها.
فالشاعر كله أمل ورجاء من أن هذه التضحية والتحرق والتوجع والتألم والآهات والدموع لن تذهب سدى، بل إنها -دموع المسلمين وآهاتهم- أصبحت من دلائل اليقظة والرجوع إلى الله والتجديد الروحي، وستنجب -مرة أخرى- أولئك الرجال الذين سيتصفون بالصفات الإبراهيمية والسمات الخليلية الجليلة.
فالشاعر يأمل أن قلوب الأمة التي تموج فيها عواطف التضحية الإبراهيمية، لقادرة على أن تجود -مرة أخرى- بتلك الجواهر والدرر الثمينة (الجهابذة الشجعان، أصحاب الرجولة والبطولة، والعزيمة والإيمان) التي كانت -في حين من الأحيان- ثروة الأمة الحقيقية، ورأس مالها، ومصدر عزها وشرفها.
إن هذا البيت يشير -في الحقيقة- إلى اليقظة الروحية، والتجديد الإيماني، والصحوة الإسلامية، التي تشمل الأمة كلها، فتعيد إليها سؤددها ومجدها، وما ذلك على الله بعزيز، وهو على كل شيء قدير.
الاجتماع بعد الافتراق
البيت:
کتابِ ملّتِ بیضا کی پھر شیرازہ بندی ہے
یہ شاخِ ہاشمی کرنے کو ہے پھر برگ و بر پیدا
الترجمة:
يتم ربط كتاب: “الأمة المسلمة” المفرّق المتناثر مرة أخرى..
والدوحة الهاشمية المباركة ستثمر وتزهر مرة أخرى.
الشرح
إن هذا البيت يبشر برأب الصدع ولم الشمل للأمة، وتوحدها واجتماعها مرة أخرى..
أي أن الأمة التي تفرقت شيعًا وأحزابًا، وتمزق جمعها، وأصيبت روحها وتاريخها بالتناثر والتشتت،
هذه الأمة يتم توحيدها، ورتق فتقها، وجبر كسوراتها مرة أخرى.
يشير البيت إلى بداية يقظة تاريخية جديدة، وقيادة جديدة، وحركة روحية جديدة.
فكأن البيت يحتوي الإشارة إلى التجديد الديني وبعث للروح النبوية من جديد، وإلى الصحوة الاسلامية التي بدت معالمها في كل ناحية من أنحاء العالم.
تأثير القدوات:
البيت:
ربود آں تُرکِ شیرازی دلِ تبریز و کابل را
صبا کرتی ہے بُوئے گُل سے اپنا ہمسفر پیدا
الترجمة:
ذلك التركي الشيرازي الذي سحر قلوب أهل تبريز وكابل، وجذبها إليه.
كما أن الريح العبقة تبحث عن صاحباتها، فتظفر بها بأريج الأزهار ورائحتها الطيبة.
الشرح:
يعني إقبالُ بـ: “التركي الشيرازي” مؤمنًا مثاليًًا، يمثل العشق والذاتية والجد تمثيلًا كاملًا.
يقول: كسبَ ذلك الرجل المؤمن قلوب أهل تبريز (إيران) وكابل (أفغانستان) وتربع على عرشها، أي أحدث انقلابًا روحيًّا.
الصبا: ريح مهبها من جهة الشرق.
المراد بـ: ” الصبا ” الريح الطيبة الرائحة..
يشير البيت إلى أن الشخصيات الممتلئة حرارةَ إيمان وعشقَ عاطفة وجِدَّ عمل وروح نشاط تؤثر في البيئة وتنفع المجتمعات، وتنير لها معالم رشدها، وتُخَرّج رجالًا يشاكلونهم مزاجًا وفكرًا، ويحذون حذوهم، ويئتسون بهم، ويقتبسون من أنوارهم..
أي بأمثال هؤلاء الرجال من أصحاب الإيمان والجد والعمل، تحدث يقظةٌ وحركةٌ ونشاطٌ، فالسراج بالسراج يستنير.
هذا البيت يبين صفات ذلك الرجل المؤمن الذي يأسر قلوب الناس ويشدها بأريجه.. أي بسلوكه وخلقه.. ذلك الرائد القائد الذي يفتح القلوب لا عنوة وقهرًا.. بل يسخرها باللين الرخو – كالصبا -، بلطف معاشرته، ومرونته كالغصن الناعم الأخضر {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضوا من حولك}..
سر النجاح:
البيت:
اگر عثمانیوں پر کوہِ غم ٹُوٹا تو کیا غم ہے
کہ خُونِ صد ہزار انجم سے ہوتی ہے سحَر پیدا
الترجمة
إذا كان العثمانيون سقط عليهم جبل من الحزن (صُبّت عليهم المصائب، وتوالت عليهم الأزمات والمحن).. فلماذا الحزن…؟
فالصبح لا يسفر إلا بعد (سفك) دماء آلاف من النجوم.
الشرح:
هذا البيت يشير إلى حقيقة تاريخية متصلة، وهي أن إسفار الصباح وعز النجاح تسبقه سلسلة من التضحيات والآلام والمصائب والأزمات والمحن..
يقول إقبال: إذا كانت الخلافة العثمانية جُرحت بأظفار المحن، ومخالب الفتن، وتعرضت للبلابل والقلاقل، والمؤامرات والدسائس..
فلا داعي إلى الحزن أو اليأس الإحباط..
فالتاريخ خير شاهد على أن كل صباح عظيم لا ينبلج إلا بعد التضحية بآلاف من النجوم (أي بآلاف من النفوس القيمة).
أي لا سبيل إلى اليقظة والعروج والعظمة إلا بعد الجد المتصل والتضحية بالنفوس والنفائس.
عين الحقيقة
البيت:
جہاں بانی سے ہے دُشوار تر کارِ جہاں بینی
جگر خُوں ہو تو چشمِ دل میں ہوتی ہے نظر پیدا
الترجمة:
إن النظرة إلى الدنيا بعين الحقيقة ونظرِ البصيرة أصعب وأشقّ من حكم الدنيا نفسها بكثير وكثير…
وعين القلب لا تحظى بهذه البصيرة إلا باحتراق القلب وتململه.
الشرح:
أي إن حكم الدنيا صعب، وليس أمرًا سهلًا..، ولكن أصعب منه وأدق وأشق رؤية الدنيا رؤيةً صحيحة.. أي إدراك الحقيقة والوصول إلى العمق والمعرفة..
الحقيقة أن إقبالُا يبين الفرق بين الظاهر والباطن، فيقول إن السلطة والحكومة والجاه والفخفخة.. كل أولئك شيء ظاهري ومتاع وغرور.. بينما الثروة الحقيقية ورأس المال للإنسان: البصيرة.. ولا يظفر بها الإنسان إلا بعد لأي.. بعد ما يمر بقنطرة من التألم الباطني.. والحرقة الداخلية..
إنها – البصيرة – لا تحصل إلا بالتضحية والتألم والتحرق والاضطراب الداخلي والعمق الروحي.
إن هذا البيت يبين قدر الفراسة الروحية والنور الباطني.
القادة الحقيقيون:
البيت
ہزاروں سال نرگس اپنی بے نُوری پہ روتی ہے
بڑی مشکل سے ہوتا ہے چمن میں دیدہ وَر پیدا
الترجمة:
يبكي النرجس – آلافا من السنين – لحرمانه النور وفقدانه البصارة.
فالحديقة لا تنبت رجلًا صاحب النظر والبصيرة إلا بعد لأي.
الشرح:
هذا من أبيات إقبال الشهيرة، التي سارت بذكرها الركبان، ويرددها كل لسان.
يقول إقبال إن القادة والزعماء من أصحاب البصيرة والنظرة الواعية لا يجود بهم الزمان إلا نادرًا.. إلا بعد صعوبة وجهد ومشقة.
فالأمة تنتظرهم قرونا.. ثم تظفر بهم..
هذا البيت يكشف عن حقيقة من الحقائق.. وهي أن قادة الأمة الحقيقيين الواعين لا يوجدون إلا نادرًا.. وقلّتُهم تدفع الأمم إلى التيه في الظلمات.
الدعوة إلى الجد والعمل
البيت:
نوا پیرا ہو اے بُلبل کہ ہو تیرے ترنّم سے
کبوتر کے تنِ نازک میں شاہیں کا جگر پیدا
الترجمة:
أيها العندليب أُشْدُ بألحان وأناشيد تُحدث في جسم طائر ضعيف كالحمام قلبًا كقلب الشاهين.
الشرح:
إن هذا البيت يعبر عن حرص الشاعر على الدعوة إلى الجد والعمل والاهتمام بالتربية الروحية.
إنه -الشاعر إقبال- يدعو العندليبَ -الشاعرَ، المعلم، القائد- إلى الشدو بألحان.. والتغني بأناشيد.. والاهتمام بتعليم وتربية تحدث في جسم طائر ضعيف كالحمام قلبًا كقلب الشاهين.
«الشاهين» -في تعبير الشاعر إقبال- رمز لـ: “الذاتية” -معرفة الذات- والغيرة والإباء والطيران في فضاء الفكر، والعظمة في الخلوة.
يحب إقبال أن يُحَرّك في المسلمين طموحًا إلى السيادة والقوة والقيادة والغيرة عن طريق الفكر السديد والفن الراقي والأدب العالي والشعر الثائر المنير للمعالم، المثير للعواطف والمحرك للشعور والوجدان.
ومن هنا.. فقد أصاب من قال: إن الشعر الجميل والكلام الحسن سحر يقلب المعايير ويرقق القلوب ويغير الاتجاهات، ويُحيي الأمة، ويجعلها تنهض وتؤثل المجد، وتمضي قدمًا إلى الأمام.
سر الحياة
البيت:
ترے سینے میں ہے پوشیدہ رازِ زندگی، کہہ دے
مسلماں سے حدیثِ سوز و سازِ زندگی کہ دے
الترجمة:
إن في صدرك سرّا للحياة مستترًا.. بُحْ به.
نبّئ المسلمَ أن سر الحياة يكمن في التضحية والتململ والجد المتواصل والعمل الدائم.
الشرح:
هذا البيت يمثل رسالة إقبال الحاسمة الأخيرة.
يخاطب الشاعر كل مسلم واعٍ يحمل قلبًا متألما متوجعًا، يكمن فيه سر الحياة.. أي أنه يعلم أن الحياة تعني التضحية والعشق والعمل والجد المتواصل..
ويؤكد الشاعر على إبلاغ هذه الرسالة إلى الأمة، وتذكيرها بأن الحياة ليست عيشًا محضًا وقضاء العمر فيما لذ وطاب.. بل إنها عبارة عن الحرقة التي تضطرم في جوانح المرء، والألم الذي يمضه، والجد الذي يتعبه، والتحركٍ الدائبٍ الذي لا يتوقف، والسعيٍ الذي لا ينقطع ما دامت الحياة تحسن به.
تتلخص رسالة إقبال في أن يُرَكّز على انتشال الأمة من دنيا الأفكار والنظريات إلى ساحة العمل والتضحية والجهاد الروحاني..
والمؤمن من يُبَصِّر الأمة بهذا الطريق ويرشدها إليه.
(ليلة الاثنين: ١٨ من محرم ١٤٤٧ھ = ١٣ من يوليو -تموز- ٢٠٢٥م).
