ما الذي يجري لأمتنا؟
وما السر في تقبل هذا الذل؟ هل يعني ذلك أنهم راضون؟ أم انها نتيجة لمجموعة من الأسباب المعقدة التي قد يكون أحدها التطبيع مع القمع، فقد اعتادوا على الظلم مع الوقت حتى أصبح جزءًا من حياتهم اليومية وليس شيئا استثنائياً مما أضعف لديهم إرادة التغيير.
ورغم القتل والفساد وكل ما يجري في عالمنا وخصوصا فلسطين لا أحد يهتم وكأنها حالة طبيعية.
فالعجز المُتعلَّم هو مفهوم نفسي يشير إلى انهم بعد التجارب المتكررة من الفشل يتوقفون عن المحاولة وقد يعتقدون ان الاستقرار أهم من الكرامة. خصوصا بعد سيطرة الحاكم على التعليم والإعلام لتبرير الظلم وخلق شعور انه المنقذ وان العدو الدائم موجود خارج البلد.
وشيئا فشيئا نشأت أجيال لا تدرك حتى أنها تعيش في وضع غير طبيعي. وعندما يُقابل أي صوت معارض بالسجن أو التصفية فإن الخوف يصبح أقوى من الحرية أحيانًا.
والبقاء على قيد الحياة يحظى بالأولوية خصوصا بعد ان تم تقسيم المجتمع إلى طوائف وطبقات وصار من الصعب على الناس الاتحاد، فكل مجموعة تخاف من الأخرى أو تُحمّلها مسؤولية ما حدث.
والسؤال الان هو: هل يمكن أن تكون شعوبنا قد أصيبت باضطرابات نفسية جماعية؟
الجواب: نعم، هي مصابة على مستوى الأفراد والجماعات نتيجة الحروب والتفجيرات والعمليات الانتحارية والاستبداد أو القمع السياسي والاختطاف او الاغتيالات والفقر والبطالة والتغيرات الثقافية أو فقدان الهوية والإعلام السلبي المضلل والانهيارات الاقتصادية. وأبرز هذه الامراض هو: القلق الجماعي الذي يحدث نتيجة انتشار مشاعر الخوف، كما جرى خلال جائحة كورونا، او الاكتئاب المجتمعي الذي يتمثل في انخفاض الأمل وزيادة معدلات الانتحار أو العزلة.
وكذلك اضطراب ما بعد الصدمة الذي حصل نتيجة الضربات العنيفة والإبادات الجماعية كما جرى في (الموصل والحويجة او جامع سارية ومصعب ابن عمير في محافظة ديالى وغيرها) أو النزوح القسري كما حصل في (جسر بزيبز وجرف الصخر وباقي المحافظات) والحرب الأهلية التي عشناها ودخل تأثيرها الى كل بيت.
وكذلك الهلع الأخلاقي الذي يرى فيه سلوك معين على أنه تهديد للقيم غالبًا ما يكون مدفوعا من المؤسسات الدينية أو السياسية.
أو الإرهاق المجتمعي الذي ينتج عن الضغط المستمر على حياة الناس. وهناك أمثلة واقعية لهذه الظواهر منها ما جرى في أوروبا في القرن الرابع عشر في بعض المدن حيث بدأ المئات من الناس يرقصون بشكل هستيري لعدة أيام حتى انهار الكثير منهم أو مات في ما سمي حينها هستيريا الرقص.
كذلك ما جرى للشعب الرواندي بعد الإبادة الجماعية (1994) التي راح ضحيتها أكثر من 800,000 شخص. وفي الولايات المتحدة أيضا خلال الكساد العظيم (1930) فقد تسببت البطالة الجماعية بموجة من الاكتئاب والانتحار. وما نراه من انحرافات فكرية وسلوكية خطيرة في مجتمعاتنا اليوم يفسر شكل الحالة ومدى تفاقمها فكل ما ذكرناه وأكثر ذاقته شعوبنا وأخطرها الابعاد او التهجير.
هل تعرفون حجم التأثير والالم الذي يعانيه الانسان جراء ذلك؟
قال تعالى في سورة المائدة {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)} لاحظوا العقوبات في البداية ثم تبعها الخروج من الديار.. لهذا، عندما ودع رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قاصدًا المدينة.
نظر إليها ثم قال: “والله إني لأخرج منك، وإني لأعلم أنك أحب أرض الله إلى الله، وأكرمها على الله.. ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت” كان وداعًا يقطر حبًا ويفيض حسرة وأسى. فالعلاقة بالأرض شيء مهم جدا في حياة الانسان ولهذا قال الشاعر الذي يصف بنتا تزوجت بعيدا عن ديارها:
وما ذنب أعرابية
قذفت بها صروف النوى
من حيث لم تك ظنتِ
تمنت أحاديث الرعاة وخيمة
بنجد فلم يكتب لها ما تمنتِ
إذا ذكرت ماء العذيب وطيبة
وبرد حصاة آخر الليل حنتِ
لها أنة عند المساء وأنة
سحيرا ولولا أناتها لجنتِ
وعليه، عندما ينتهي هذا الكابوس، لابد من البدء بالتدخلات النفسية والاجتماعية الجماعية التي يجب ان يكون اولها التقييم الشامل من اجل معرفة حجم المشكلة ومدى انتشارها عبر دراسات ميدانية واستطلاعات، ثم تشخيص طبيعة الاضطرابات، وتأتي بعدها برامج الدعم الإنساني ومنها تدريب قادة المجتمع واهمهم المعلمين والأطباء على تقديم الرعاية النفسية الأولية إضافة الى نشر التوعية من خلال الإعلام والمدارس ودور العبادة والمؤسسات الرسمية، ومواجهة الشائعات والمعلومات المضللة التي تؤجج القلق أو الذعر. وكذلك توفير خدمات الصحة النفسية مع جلسات جماعية أو فردية.
ويمكن استخدام الفن والثقافة وتعزيز الأمل من خلال الأنشطة ونشر الطمأنينة ومعالجة الأزمات التي تسببت في الاضطرابات (فقر، عنف، ظلم، غياب العدالة)
أيتها الاخوات والاخوة العاملون بشتى الوسائل على انقاذ شعبكم.. عليكم أولا ان توحدوا الراية والغاية وتعودوا كما بدأتم من البداية والا ستكتبون لبلدكم وحياتكم ومستقبلكم بأيديكم النهاية.
واعملوا هيئة للإعلام تديروها جميعكم وبكل اللغات لتفهم الدنيا كلها ما الذي يجري في بلدانكم وليس الناطقين باللغة العربية فقط.
وبدل ان يؤسس كل منكم جبهة وتساهموا في اضعاف بعضكم البعض بل التنكيل والطعن والتشكيك الذي انتشر بشكل مخيف، التفّوا جميعا حول قيادة وتنظيم واحد كما فعل الإيرانيون في (المجلس الوطني للمقاومة) لتصبحوا أكثر قوة وهيبة وتجبروا العالم على احترامكم والتعامل معكم.
فمن نحن الان لينتبهوا الينا؟
بل ان حتى شعبنا نفسه لن يثق بنا..
كثيرون الان يتمنون بقاء الولايات المتحدة في المنطقة ويحلمون ان تساهم في تغيير الحكم رغم كل ما فعلته بنا قبل الاحتلال وبعده.
من الذي قاد هذا التغيير الفكري الكبير والخطير عندنا ولماذا؟