أصدر مركز أبوظبي للغة العربية، مؤخرا، كتاب “اليونانيون والرُّومان و… النُّجوم”، للمؤلف الإيطالي سيموني بيتا، والذي ترجمه إلى العربية الدكتورة نجلاء والي، وراجعه الدكتور عزالدين عناية.
ويشكل الكتاب، الذي صدر في إطار مشروع كلمة للترجمة، وثيقة أدبية وتاريخية ملهمة، وإضافة نوعية للمكتبة العربية؛ إذ يستعرض الكتاب الدور الذي لعبته النجوم في حياة القدماء، وعلاقة الحضارات القديمة بالأجرام السماوية، من خلال نحو مائة نص إغريقي وروماني من الشعر والنثر والفلسفة تناولت هذا الموضوع، ليجيب المؤلف من خلالها على مجموعة من التساؤلات حول الكيفية التي تأمل بها الإغريق والرومان السماء، والأشكال التي تخيلوها أو رأوها في الكواكب والنجوم الساطعة، والرمزية التي أضفوها على الشمس والقمر، وعلاقة هذين الجرمين الرئيسين بحياة البشر.
ويرصد الكتاب في ثمانية أبواب، الدور المحوري للنجوم في الهداية والإرشاد، والزراعة، والشعر والفنون، والفلسفة والتعليم، لدى الحضارات القديمة، والتي استوحى منها الفنانون أعمالاً خالدة في الحضارة الإنسانية، وكيف مثّلت دراسة الكون جزءاً أساسياً من تعاليم المدرستين الفلسفيتين الرئيستين في العصر الهلنستي.
وينطلق مؤلف الكتاب بالقارئ في عالم الإغريق والرومان، عبر باقة وفيرة من النصوص المترجمة عن اليونانية واللاتينية إلى الإيطالية، تتلاقى مع تعليقات المؤلف الموجزة والعميقة، لتتشابك فصول الكتاب وكأنها فسيفساء ملونة تشكل صورة نابضة بالحياة اليومية للعالم القديم، التي لم يغفل المؤلف فيها عن ذكر إسهامات الشعوب والحضارات الأخرى، مضيئاً على النجوم التي لا تزال تحتفظ باسمها العربي.
ويبرهن المؤلف على رؤيته لطبيعة العلاقة بين الحضارات القديمة والنجوم والأجرام السماوية ودورها الرئيس في حياة الشعوب، وأثرها الراسخ في حضاراتها، مستندا إلى التقاطات من نصوص شهيرة للآداب الكلاسيكية الخالدة مثل الإلياذة لهوميروس، والإنيادة لفرجيل، و”الأعمال والأيام” لهسيود، و”زراعيات” فرجيل، و”طبيعة الأشياء” للوكريتيوس، و”كتاب الأعياد” لأوفيد، إلى جانب نصوص لأدباء وشعراء أقل شهرة في العالم العربي مثل باولو سيلينزياريو وماسيدونيوس. كما يتطرق إلى حوارات أفلاطون، وتذكارات سقراط من تأليف تلميذه زينوفون.
ويسلط الكتاب الضوء على العلاقة بين علم الفلك وعلم التنجيم في الحضارة اليونانية والرومانية، مستعرضاً آراء أبرز رموزها مثل بطليموس في أطروحته “التنبؤات الفلكية”، إلى جانب آراء نقدية لعلم التنجيم في العصور القديمة من مفكرين كشيشرون في أطروحته “التكهن بالغيب”، وكتاب “التعاليم المسيحية” للقديس أوغسطينوس.
ويذكر الكتاب بالبعد الأسطوري للأجرام السماوية، وارتباط النجوم بالشخصيات التاريخية والأسطورية، ليقدم بين فصوله روائع من الشعر والنثر الكلاسيكي الذي كتبه شعراء أقدمون على لسان النجوم من أمثال كاليماخوس، وأبوللونيوس الرودسي، وبلوتوس، وكاتولوس، ما يدعم رؤيته للدور الملهم للنجوم في الفنون والآداب والدين.
ويُذكر أن مؤلف الكتاب، سيموني بيتا، أستاذ الأدب الإغريقي في جامعة سيينا الإيطالية، حاصل على الدكتوراه من جامعة ميلانو عام 1994، وله عدد من المؤلفات في فقه اللغة والمسرح الإغريقي، كما ترجم أعمالاً كلاسيكية بارزة إلى الإيطالية.
أما المترجمة، الدكتورة نجلاء والي، فهي أستاذة جامعية مصرية في جامعة تورينو، حاصلة على الدكتوراه في اللغة الإيطالية وآدابها، ولها عدة ترجمات بارزة نالت من خلالها جوائز تقديرية، أبرزها جائزة الإنجاز في الترجمة من إيطاليا في العام 2017، وهي تدير سلسلة “الأدب المصري المعاصر” لدى مركز الدراسات الشرقية في روما.