الأحد أكتوبر 6, 2024
بحوث ودراسات

مستقبل الشرق الأوسط في ضوء الحرب الاسرائيلية على غزة

مشاركة:

بقلم: عبد المنعم منيب

ما هو مستقبل الشرق الأوسط في ضوء الحرب الإسرائيلية على غزة الدائرة الآن؟

اندلعت الحرب بين حركات المقاومة الفلسطينية بقيادة حركة حماس من جهة وبين قوات الكيان الصهيوني من جهة أخرى منذ 7 أكتوبر 2023، وهي مستمرة حتى الآن بلا أي أفق حقيقي يوضح موعد أو شروط نهايتها، وجاء اندلاع هذه الحرب الدامية إثر هجوم صاعق شنته قوات حماس وبقية فصائل المقاومة الفلسطينية على المستعمرات الصهيونية والقواعد العسكرية الصهيونية في محيط قطاع غزة، وتدميرهم لأغلبها وأسرهم نحو 350 صهيوني وصهيونية كما لقى ما لا يقل عن 1200 صهيوني وصهيونية مصرعهم بسبب الاشتباك المسلح الذي جري أثناء هذا الهجوم.

لقد شن جيش الكيان الصهيوني حربا مجنونة منذئذ على قطاع غزة وبلغ عدد الشهداء الفلسطينيين حتى كتابة هذه السطور نحو 35 ألف شهيد كما أصيب نحو 80 ألف آخرين، وأغلب الشهداء والمصابين هم مدنيون وأكثر من ثلثيهم هم من الأطفال والنساء.

ولمعرفة مستقبل هذه الحرب ومعرفة مستقبل الشرق الأوسط في ضوء هذه الحرب فلابد من أن نأخذ في الحسبان المعالم الرئيسة التالية:

(*) الحرب على الفلسطينيين تشنها قوات الكيان الصهيوني ظاهريا لكن الولايات المتحدة وأغلب دول الاتحاد الأوربي (خاصة ألمانيا وبريطانيا وفرنسا) تقدم مساندة عسكرية وسياسية واقتصادية حاسمة للجهد العسكري الإسرائيلي ضد الفلسطينيين وضد حلفائهم ومسانديهم الإقليميين والدوليين.

(*) انخرط في الحرب بعد نشوبها ما يطلق عليه “محور المقاومة” بزعامة إيران وتدل الأحداث منذئذ على أن إيران لا تريد أن تعلق في حرب عسكرية مباشرة لا مع إسرائيل ولا مع الولايات المتحدة والغرب ولكن هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023 ورطها سياسيا وأدبيا بشكل لا يمكن لها معه أن تقف متفرجة، ولذلك كله فهي تمارس حرب استنزاف محسوبة بدقة ضد إسرائيل عبر وكلائها في المنطقة كحزب الله اللبناني انطلاقا من جنوب لبنان، والحوثيين انطلاقا من اليمن عبر هجمات في البحر الأحمر والبحر العربي والمحيط الهندي بهدف ضرب حصار بحري ضد إسرائيل من هذه الجهات، كما يشن الحوثيون أحيانا هجمات جوبة باتجاه ميناء ايلات الإسرائيلي، ونجد أن الجهد العسكري من لبنان واليمن هو جهد يومي متصاعد لكنه محسوب بدقة، كما تشن منظمات أخرى تابعة لإيران هجمات متفرقة ومتباعدة على أراضي الكيان الصهيوني انطلاقا من العراق وسوريا، وهدفها إبراز مزيد من أوراق الضغط العسكري ضد الكيان الصهيوني في محاولة لردع إسرائيل عن استمرار الحرب، وكذا ردعها عن أن تتجه لتصعيد عسكري ضد حزب الله اللبناني أو ضد الجمهورية الإيرانية نفسها.

(*) تعارض أغلب الدول العربية والإسلامية ودول الجنوب العالمي الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة كما أنهم مستاؤون من ما اعتبروه نفاقا أمريكيا وأوروبيا في موقفهم من العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين الذي ينتهك كل القوانين والشعارات التي طالما تشدق بها الامريكيون والأوروبيون عن حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني وجرائم الحرب.. الخ خاصة تجاه الحرب الروسية الأوكرانية وبات اغلب العالم يقارن بين موقف الغرب من فلسطين وموقفهم من أوكرانيا.

لدرجة أن قال أحد قادة الاتحاد الأوروبي: لقد خسرنا دول الجنوب إلى الأبد فنحن انتهكنا كل الشعارات التي نرفعها منذ عقود وكنا نحاول جذبهم لصفنا ضد روسيا وبوتين تحت مظلتها.

(*) وقفت روسيا والصين سياسيا على المستوى الدولي وبمجلس الأمن الدولي في صف الحق الفلسطيني وأحبطت بعض التحركات الامريكية ضد الفلسطينيين في الأمم المتحدة.

(*) استفادت روسيا/بوتين من هذه الحرب من جهتين:

 -انشغال الولايات المتحدة وبريطانيا وأوروبا ماليا وتسليحيا بمساندة إسرائيل بشكل يخصم من الدعم التسليحي والمالي الأمريكي الأوروبي لأوكرانيا في حربها مع روسيا.

 -تعرية حقيقة نفاق الولايات المتحدة وأوروبا بشأن الشعارات التي ترفعها ضد روسيا حول حقوق الانسان والقانون الدولي الإنساني وعدم الاعتداء على أراضي الغير أو اخذها بالقوة وجرائم الحرب ومهاجمة المدنيين..الخ

(*) استفادت الصين من هذه الحرب من باب أن كل ما يخصم من نفوذ الولايات المتحدة وحلفائها فهو يصب في مصلحة صعود الصين كقطب دولي وقوة عظمى ذات تأثير واسع في النظام الدولي الجديد.

(*) استفادت إيران من هذه الحرب من باب أن كل ما يخصم من نفوذ الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائهما فهو يصب في مصلحة صعود إيران كقطب وقوة إقليمية ذات تأثير واسع في النظام الدولي الجديد.

(*) استفادت تركيا من هذه الحرب من باب أنها تثبت وجهة نظرها التي طالما قارعت بها الولايات المتحدة وأوروبا من أنه لا يمكن إلغاء الفلسطينيين من المعادلة الإقليمية وكذا لا يمكن إلغاء حل الدولتين ويجب إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة.

(*) أثبت صمود المقاومة الفلسطينية في هذه الحرب لنحو 7 شهور حتى الآن أنه لا يمكن إلغاء هذه المنظمات المقاومة من المعادلة السياسية في منطقة الشرق الأوسط فضلا عن إلغائها من معادلة القضية الفلسطينية نفسها.

(*) أثبت التعاطف الواسع للجماهير العربية والإسلامية في العالم كله أنه لا يمكن حذف المسجد الأقصى ومدينة القدس وفلسطين بعامة من ذاكرة العرب والمسلمين ولا يمكن اللعب على محو ذاكرة الأمة العربية والإسلامية بهذا الشأن إذ رأينا حتى جيل «Z» يمارس فعاليات التأييد للفلسطينيين حتى الآن بكل حماس وفاعلية.

(*) تصاعدُ الاحتجاجات الجماهيرية -وخاصة من الشباب- في أوروبا والولايات المتحدة ضد العدوان الصهيوني على غزة وضد سياسات الإدارات الاوروبية والأمريكية أثبت أن الصعود اليميني في هذه الدول ليس هو الخيار الوحيد لمستقبل هذه الدول ولا هو الخيار الوحيد لمستقبل النظام الدولي الجديد.

(*) تدل الأحداث وتحركات الجيش الصهيوني وتصريحات القادة العسكريين والسياسيين في الكيان الصهيوني أن خططه تهدف إلى أن يقضي بشكل كامل على المقاومة الفلسطينية، و يسيطر على كامل قطاع غزة عسكريا وإدرايا بصيغة “ما” وبغطاء دولي ما وبعدها سيحول جهده العسكري إلى اتجاه جنوب لبنان ويعمل على سحق وجود حزب الله في جنوب لبنان والقضاء على بناه التحتية هناك، ويفرض وجود سيطرة لقوات دولية على منطقة عازلة في جنوب لبنان بهدف عزل قوات حزب الله عن الوصول لشمال دولة الكيان الصهيوني، خشية أن يُباغت في مقبل الأيام بهجوم مشابه لهجوم 7 أكتوبر 2023 انطلاقا من جنوب لبنان.

(*) نظرا للوضع السياسي الحساس والمأزوم في الداخل اللبناني فإن حزب الله سمح لقوات الجماعة الإسلامية اللبنانية وقوات من الجهاد الإسلامي الفلسطيني وقوات تابعة لـ«حماس» بشن هجمات عسكرية انطلاقا من جنوب لبنان حتى لا يظهر أمام الشعب اللبناني أن حزب الله هو الوحيد الذي يسعر الحرب ضد إسرائيل، وبذا يسعى ليخفف الضغط السياسي عن ذاته، لكن هذا أبرز وأتاح أن يتحرك جهد عسكري سني لبناني وفلسطيني في اتجاه إسرائيل انطلاقا من لبنان ودعما للمقاومة في غزة.

(*) رغم مرور 7 شهور لم تحقق الأعمال العسكرية الإسرائيلية حتى الآن أي إنجاز حقيقي في غزة فلم تحرر أسراها ولم تتمسك بأرض تمسكا ثابتا وآمنا وحقيقيا ولم تقض على قوات المقاومة بل مازالت المقاومة تملك المبادرة العسكرية والسياسية والإعلامية حتى كتابة هذه السطور، وحتى الآن فإسرائيل مستنزفة عسكريا واقتصاديا ومعنويا على كل الجبهات في الجنوب والشمال ومستنزفة سياسيا وإعلاميا في الساحة الإقليمية والدولية.

وانطلاقا من كل هذه المعالم والمتغيرات فيمكننا أن نتوقع صورة مستقبل الشرق الأوسط على النحو التالي:

(**) ستلقى إسرائيل في غزة نفس المصير الذي لقيه السوفيت في أفغانستان والأمريكيون في فيتنام لكن مع فارق أن عدد سكان السوفيت والولايات المتحدة كان أكثر من 200 مليون لكل منهما بينما عدد سكان إسرائيل هو 6 مليون فقط فضلا عن فارق الاقتصاد والإنتاج التسليحي.

(**) في كل الحالات وفي كل الاحتمالات لن تسمح إيران ومحورها بإبادة الجسم العسكري للمقاومة الفلسطينية في غزة لأن هذا لو حدث فسوف تحول إسرائيل هجومها ضد حزب الله في لبنان وهذا يصعب أوضاع الحزب بالدولة اللبنانية ويضعف أوراق إيران الإقليمية.

ومن هنا فكل أوراق إيران ومحورها متاحة لمنع إسرائيل من الوصول لهذه الحالة.

(**) عندما تنتهي الحرب سنشاهد نتائجها بكل المنطقة من تدهور لنفوذ إسرائيل وكل المنافقين الداعمين لها، وصعود نفوذ معارضي إسرائيل ومعارضي أهل النفاق.

(**) فضح نفاق الغرب ووقوف أغلب العالم الإسلامي وأغلب دول الجنوب وأغلب اليسار العالمي ونسبة كبيرة من قوى المجتمع المدني في أوروبا وأميركا مع الحق الفلسطيني أضعف وسيستمر في إضعاف النفوذ الأميركي والهيمنة الغربية على النظام الدولي.

(**) كل هذا يعزز التحولات في النظام الدولي ويسرع من صنع نظام دولي جديد متعدد الأقطاب بشكل جديد غير تقليدي حيث لن يكون أقطاب النظام الدولي هم القوى العظمى الدولية فقط بل سيكون لجيل «Z» من كل انحاء العالم تأثيرا ما على النظام الدولي الجديد، مدعوما بصعود الانترنت بعامة، وانترنت الأشياء بخاصة والذكاء الصناعي، كما سيكون للقوى الإقليمية تأثيرا دوليا عبر تحالفتها مع القوى العظمى الدولية.

(**) في إقليم الشرق الأوسط سيصعد النفوذ الإقليمي لكل من إيران وتركيا وسوف يتدهور نفوذ إسرائيل والولايات المتحدة وأروبا في منطقة الشرق الأوسط لصالح روسيا والصين.

(**) ستحضر القضية الفلسطينية وحل الدولتين على رأس أجندة إقليم الشرق الأوسط، ليس فقط لتزايد نفوذ المقاومة الفلسطينية المسلحة، ولكن أيضا لأن الغرب سيظن أن هذا بابا جيدا لاستعادة قدر من نفوذهم الغابر في إقليم الشرق الأوسط واحتواء التيار الثوري الفلسطيني والعربي.

Please follow and like us:
عبد المنعم منيب
‏كاتب إسلامي وباحث سياسي‏

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *