مصطفى النعيمي يكتب: الثورة الصامتة في شوارع إيران.. صوت الشباب والتغيير
في قلب المدن الإيرانية، تتنامى حركة احتجاجية صامتة لكنها قوية، تقودها فئة الشباب الطامحة للتغيير. هذه الثورة، رغم صمتها، تحمل في طياتها صوتًا عاليًا يطالب بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. وتعد هذه الحركة تحديًا غير مسبوق للنظام الإيراني الذي حكم البلاد منذ الثورة الإسلامية عام 1979.يشكل الشباب الإيراني، الذين يمثلون أكثر من 60% من السكان، القوة الدافعة وراء هذه الحركة. فهم جيل ولد بعد الثورة الإسلامية، ولم يعرف سوى حكم رجال الدين. لكنهم في الوقت نفسه جيل منفتح على العالم، متصل بالتكنولوجيا، ويطمح لحياة تشبه ما يرونه في وسائل التواصل الاجتماعي. هذا التناقض بين الواقع الذي يعيشونه والعالم الذي يتطلعون إليه يشكل الوقود الأساسي لحركتهم.
تتجلى مظاهر هذه الثورة الصامتة في عدة أشكال:
1- الاحتجاجات الرقمية:
يستخدم الشباب الإيراني وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن آرائهم ونشر أفكارهم، متحدين الرقابة الحكومية. فعلى الرغم من محاولات النظام لتقييد الوصول إلى الإنترنت، يجد الشباب دائمًا طرقًا مبتكرة للالتفاف على هذه القيود. يستخدمون تطبيقات مشفرة وشبكات VPN للتواصل وتنظيم الاحتجاجات.
2- الفن الاحتجاجي:
ظهرت أشكال جديدة من الفن في الشوارع الإيرانية، كالغرافيتي والموسيقى الاحتجاجية، تحمل رسائل سياسية مبطنة. هذه الأعمال الفنية، رغم بساطتها في بعض الأحيان، تحمل رسائل قوية تتحدى السلطة وتدعو للتغيير. الموسيقى الراب الإيرانية، على سبيل المثال، أصبحت وسيلة للتعبير عن الإحباط والغضب تجاه النظام.
3- المقاومة الثقافية:
يتحدى الشباب، وخاصة النساء، القيود الاجتماعية المفروضة عليهم، مثل ارتداء الحجاب بطريقة مخالفة للقواعد الرسمية. هذا الشكل من المقاومة، رغم بساطته ظاهريًا، يحمل رسالة قوية عن رفض السيطرة الحكومية على الحياة الشخصية.
4- الاحتجاجات الصامتة:
تنظيم وقفات صامتة في الأماكن العامة، تحمل رسائل قوية دون الحاجة للهتاف. هذه الوقفات، التي غالبًا ما تكون قصيرة لتجنب القمع الأمني، تظهر مدى تنظيم وإصرار الحركة الاحتجاجية.
5- المقاطعة الاقتصادية:
مقاطعة المنتجات والخدمات المرتبطة بالنظام كشكل من أشكال الاحتجاج السلمي. هذا الشكل من الاحتجاج يهدف إلى الضغط على النظام اقتصاديًا، وإظهار قوة الشباب كمستهلكين.
يواجه حراك شباب الانتفاضة من مؤيدي مجاهدي خلق تحديات كبيرة، أبرزها:
القمع الأمني:
يستخدم النظام القوة لقمع أي شكل من أشكال الاحتجاج، مما يجعل الحركة تتخذ طابعًا صامتًا وغير مباشر. الاعتقالات والملاحقات الأمنية هي أدوات النظام الرئيسية في مواجهة هذه الحركة.
الرقابة الإلكترونية:
يحاول النظام السيطرة على الفضاء الإلكتروني، مما يدفع الشباب لابتكار طرق جديدة للتواصل والتنظيم. استثمر النظام الإيراني بكثافة في تقنيات المراقبة والرقابة الإلكترونية، لكن الشباب يظهرون قدرة كبيرة على التكيف والابتكار.
الضغوط الاقتصادية:
تؤثر العقوبات الدولية والأزمة الاقتصادية على قدرة الشباب على التحرك والتنظيم. البطالة المرتفعة والتضخم يشكلان تحديًا كبيرًا للشباب، لكنهما في الوقت نفسه يزيدان من حدة السخط تجاه النظام.
رغم هذه التحديات، تستمر الثورة الصامتة في النمو والتطور. فالشباب الإيراني يدرك أن التغيير لن يأتي بين ليلة وضحاها، لكنهم مصممون على المضي قدمًا في نضالهم السلمي من أجل مستقبل أفضل. يرون في صمودهم وإصرارهم قوة لا يمكن للنظام تجاهلها على المدى الطويل. يرى المراقبون أن هذه الحركة الشبابية قد تكون بذرة لتغيير جذري في المستقبل.
فهي تعمل على تغيير الوعي المجتمعي وخلق ثقافة جديدة تتحدى أسس النظام القائم. التغيير الذي تسعى إليه هذه الحركة ليس سياسيًا فحسب، بل هو تغيير ثقافي واجتماعي عميق.من الجدير بالذكر أن تأثير هذه الحركة يمتد خارج حدود إيران.
فالشباب الإيراني، من خلال نشاطهم على وسائل التواصل الاجتماعي، يساهمون في تغيير الصورة النمطية عن إيران في العالم. يظهرون وجهًا آخر لبلدهم، وجهًا شابًا، متطلعًا للحرية والانفتاح.
في الختام، تمثل الثورة الصامتة في شوارع إيران تحديًا حقيقيًا للنظام الحاكم. فهي ثورة لا يمكن قمعها بالقوة، لأنها تجري في عقول وقلوب الشباب.
إنها ثورة أفكار وقيم، تتحدى الأسس التي قام عليها النظام الإيراني منذ أربعة عقود. ومع مرور الوقت، قد تكون هذه الحركة الصامتة هي القوة التي ستغير وجه إيران إلى الأبد، محققة حلم الأجيال الشابة في حياة أكثر حرية وانفتاحًا.