مصطفى عبد السلام يكتب: باكستان… الخطر لا يزال قائما رغم الدعم السخي
تلقت باكستان في الأيام القليلة الماضية دعما ماليا خارجيا قويا قد يبعدها خطوات من الوقوع في دائرة الإفلاس والعجز المالي والتعثر عن سداد الديون الخارجية.
وقد يؤجل الدعم النقدي السخي أيضا احتمالات انهيار التحالف الحاكم في البلاد والذي يضم حزب الرابطة الإسلامية، جناح نواز شريف، وحزب الشعب الباكستاني، حيث سيوفر للحكومة سيولة دولارية ضخمة تمكنها من سداد الأعباء والالتزامات المستحقة.
الدعم الأول جاء من صندوق النقد الدولي الذي توصل إلى اتفاق مبدئي مع باكستان تُمنح بموجبه قرضا بقيمة 3 مليارات دولار منها 1.1 مليار دولار بشكل عاجل، وذلك بعد تعثر في المفاوضات دام 8 أشهر.
أهمية الاتفاق لا تكمن في مساعدة باكستان التي كانت إلى وقت قريب تتأرجح على شفا التخلف عن السداد، والتخفيف المؤقت لديونها الخارجية البالغة 205 مليارات دولار، لكنه سيتيح توفير المزيد من القروض الخارجية الثنائية ومتعددة الأطراف، ويفتح الباب أمام ارتفاع احتياطيات النقد الأجنبي لباكستان إلى 15 مليار دولار بحلول نهاية الشهر الجاري مقابل أقل من مليار دولار حاليا.
أما الدعم الثاني القوي فجاء الثلاثاء الماضي من السعودية التي منحت باكستان دعما نقديا بقيمة ملياري دولار، وإيداع المبلغ بالفعل في حساب البنك المركزي الباكستاني، ليضاف للاحتياطي الأجنبي الذي شهد تراجعا حادا في الشهور الماضية بسبب السحب المكثف للدفاع عن الروبية وسداد أعباء الديون، لدرجة أن الاحتياطي بات يغطي أقل من شهر من الواردات.
تكمن أهمية الدعم السعودي في هذا التوقيت في أنه يأتي قبل يوم من منح مجلس إدارة صندوق النقد الدولي موافقة نهائية على حزمة إنقاذ بقيمة 3 مليارات دولار تحتاجها إسلام أباد بشدة.
كما يصاحب ذلك الدعم دعم أكبر من المملكة التي سترفع استثماراتها في الاقتصاد الباكستاني إلى نحو 10 مليارات دولار، ورفع سقف ودائعها في البنك المركزي الباكستاني إلى 5 مليارات دولار.
أما الدعم الثالث فجاء من الإمارات التي أكدت لصندوق النقد الدولي أنها ستقدم دعما بقيمة مليار دولار لإسلام أباد. وهناك توقعات بحصول باكستان على قروض خارجية أخرى من دول حليفة مثل الصين.
قرض صندوق النقد قد يتيح لباكستان سداد ما عليها من أعباء ديون خارجية قصيرة الأجل، والحصول على قروض سريعة من ممولين آخرين خاصة من منطقة الخليج، وسداد فاتورة الواردات التي تعثرت في سدادها خلال الشهور الماضية، ما أثر سلبا على أسعار السلع في الأسواق، وتسبب في انخفاض حاد في الإنتاج الصناعي.
وبالنسبة للدعم السعودي السخي فإنه قد يوقف تهاوي الروبية أمام الدولار، ويعيد الاستقرار إلى سوق الصرف المضطرب، ويوفر سيولة نقدية لتمويل فاتورة الواردات خاصة الحبوب.
لكن ورغم ذلك الدعم الخارجي المكثف يظل الاقتصاد الباكستاني على شفا جرف يكاد أن ينهار في أي لحظة إن لم تسارع الحكومة باتخاذ خطوات جادة لزيادة إيرادات النقد الأجنبي، وتقليص العجز في ميزان المدفوعات، وخفض الواردات وعجز الميزان التجاري، وإعادة الأموال والاستثمارات الأجنبية الهاربة، وقبل ذلك الحد من الاقتراض الخارجي.
فالعجز المالي لا يزال كبيراً، وهناك خلل في مخصصات الموازنة الجديدة حيث جرى تخصيص أكثر من نصفها لخدمة أعباء ديون بقيمة 7.3 تريليونات روبية.
كما أن باكستان تعاني من غلاء حاد وترد شديد في الأوضاع المعيشية للمواطن بسبب قفزات معدل التضخم وتهاوي العملة، وندرة في النقد الأجنبي، وهروب للأموال الأجنبية، وضخامة فاتورة الفيضانات المدمرة التي وقعت العام الماضي، وارتفاع أسعار السلع الأولية في أعقاب الحرب في أوكرانيا.
والأخطر من ذلك حالة غموض وقلاقل سياسية قد تؤدى إلى تهاوي التحالف الحاكم القائم والذهاب إلى انتخابات مبكرة.
وهذا كله لا يصب في مصلحة الاستقرار السياسي والأمني في البلاد، وهو ما قد يزعج كل الأطراف الدولية الداعمة، دول الخليج، الممولين، المستثمرين وأصحاب الأموال الساخنة.
بشكل عام فإن باكستان قد تكون مرشحة لاضطرابات سياسية جديدة مع بدء الحكومة بتنفيذ تعهداتها لصندوق النقد الدولي مقابل الحصول على قرض، وتطبيق خطوات تقشفية ومنها تعويم العملة وزيادة الضرائب ورفع أسعار السلع الأساسية والوقود.