نظرة إلى خريطة سوق السكن والعقارات في دولة الاحتلال حالياً تخلص إلى نتائج عدة، أبرزها أن مناطق كثيرة داخل إسرائيل تحولت إلى مدن أشباح بعد أن هجرها سكانها بالكامل، وأن الإسرائيلي بات في حالة ذعر مستمرة من أن تصل صواريخ المقاومة إلى داخل الغرف المغلقة والبيوت التي يقيم ويختبئ فيها، لذا أصبح يفضل المساكن الآمنة والغرف المحصنة ذات الجدران القوية والمتينة والسميكة، ويبتعد عن الوحدات السكنية الواقعة على الحدود، سواء مع غزة أو الجبهة الشمالية مع لبنان.
كذلك تخلص إلى أن الإسرائيليين باتوا يتركزون في الوسط والمناطق الداخلية، ويبتعدون عن المدن المستهدفة، بما فيها تل أبيب وإيلات وسديروت وزيكيم ونتيفوت وكيسوفيم وأشكول وأسدود وعسقلان، ويبتعدون أكثر عن مدن الأطراف، سواء الشمالية أو الجنوبية، وهو ما غيّر من خريطة الأسعار، فأسعار العقارات والوحدات السكنية في الوسط شهدت قفزات قياسية بسبب زيادة الطلب والفرار إليها، في الوقت الذي شهدت فيه أخرى انهيارات غير مسبوقة.
وبات بعض المستوطنات مهجوراً من سكانها في ظل الفرار الجماعي منها. وهناك ركود في العديد من المستوطنات الأخرى التي فُرِّغَت وأُجليَ السكان منها في الجنوب والشمال.
وهناك نحو 20% من العائلات الإسرائيلية، التي أُجليَت منذ السابع من أكتوبر الماضي، قررت عدم العودة إلى مناطق غلاف غزة، وتبحث عن مساكن بديلة في مدن أخرى بعيدة عن مناطق القتال، وفق تقارير صادرة عن صحف عبرية، منها “ذا ماركر” الاقتصادية.
الأرقام الصادرة من داخل الكيان تشير إلى أن أكثر من مائة ألف من سكان المدن والمستوطنات الرئيسية في الشمال وعلى الحدود اللبنانية الفلسطينية غادروها، خوفاً من صواريخ وطائرات حزب الله المسيّرة التي تستهدف المستوطنات والمدن الشمالية، وتدمر المباني بشكل كبير وتحرق المزارع، وحوّلت المناطق القريبة من حدود الشمال إلى مدن أشباح.
وبمتابعة بيانات سلطة السكان والهجرة الإسرائيلية، الصادرة يوم 23 يونيو الماضي، يتكشف أن أكثر من نصف مليون إسرائيلي غادروا منازلهم ومناطق سكنهم ولم يعودوا، منذ بداية الحرب على قطاع غزة، وأن سكان مناطق مثل ياد مردخاي وكرميا وماجن ومفالسيم ونير عام وألوميم باتوا يقيمون في الفنادق بشكل مستمر.
ونظرة إلى واقع قطاع السكن داخل إسرائيل نجد أن الإقبال على شراء المباني المؤمنة ذات الغرف المحصنة نشط بشدة في الشهور الأخيرة، فالإسرائيلي عندما يبحث عن سكن فإنه يضع عدة معايير يجب توافرها.
أول تلك المعايير، ألا يكون موقع السكن قريباً من الاشتباكات أو في مرمى الهجمات، أو في مواجهة صواريخ حزب الله والمقاومة الفلسطينية في غزة والضفة الغربية، والثاني أن يتمتع المبنى الذي يقيم فيه بعدة معايير فنية، منها مثلاً أن يكون حديثاً في البناء، ولديه مواصفات عالية، من حيث مواد البناء المستخدمة ونوعية الإسمنت والحديد والنوافذ والأبواب والمرافق، بحيث تضمن الحوائط السميكة عدم اختراق الصواريخ والغازات السامة الغرفة، في حال تعرُّض إسرائيل لهجوم كيميائي أو حرب شاملة، ويفضل المستأجر أكثر المباني التي يشرف عليها مهندسون من الجيش الإسرائيلي والهيئات الهندسية التابعة له.
لكن في الجهة المقابلة يعيش أهالي قطاع غزة وسط أنقاض المنازل المهدمة وبين الركام والبنية التحتية المنهارة، يتعايشون بسرعة مع الواقع المر رغم قساوته، هم يسحبون الشهداء صباحاً من تحت الركام، ويعودون للعيش وسطها في المساء، فهذه أرضهم التي لن يغادروها رغم كل ما حدث، لأنهم يدركون أن الإسرائيلي سيغادر تلك الأرض المحتلة عاجلا أم آجلا، وأن الآخرين “لا يقاتلونكم جميعاً إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون. وفق الآية الكريمة.